غزوة بدر أول غزوات الرسول قصة مكتوبة للاطفال

غزوة بدر أول غزوات الرسول قصة مكتوبة للاطفال

غزوة بدر أول غزوات الرسول قصة مكتوبة للاطفال

غزوة بدر أول غزوات الرسول قصة مكتوبة للاطفال 

غزوة بدر

وقعت أحداث غزوة بدر صباح يوم الجمعة السابع عشر من رمضان في السنة الثانية لهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم .

وقبل أن نذكر أحداث هذه الغزوة ، وهي أولى غزوات المسلمين ، نعود إلى الوراء قليلا .. إلى ما قبل هجرة المسلمين من مكة إلى المدينة ، لنتذكر سويا موقف قريش " زعيمة الكفار والمشركين " من رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ودعوته إلى الإسلام وعبادة الله الواحد الأحد ، الذي لا شريك له ، وموقفها ممن أسلم وآمن بالله وبالدعوة المحمدية .

وكان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قد مكث في مكة ثلاث عشرة سنة منذ بعثه الله نبيا .

خلال تلك السنوات ، دعا الرسول صلى الله عليه وسلم أهل مكة إلى الإسلام وعبادة الله الواحد الأحد ، دون أن يشركوا بالله أحدا .

فصدق به وبدعوته جماعة من الناس ، أكثرهم من الفقراء والعبيد ، الذين كانوا لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم ، أما أغنياء مكة ، فقد استكبروا أن يتركوا دين آبائهم والأصنام والأوثان التي ورثوا عبادتها عنهم ، والتي لا تنفعهم ولا تضرهم !...

ولم يكتفوا بعدم الاستجابة لما يدعوهم إليه محمد صلى الله عليه وسلم من عبادة الله الواحد الأحد ، دون أن يشركوا به شيئا ، بل أخذوا يعادونه ويؤذونه ، ويضعون في طريقه الأقذار والأشواك ..

وتمادوا في طغيانهم وألقوا عليه أحشاء شاة مذبوحة وهو ساجد الله ، يصلي في المسجد الحرام " الكعبة ".. كل ذلك ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم صابر ويدعو لهم ويقول : " اللهم اهد قومي إلى الإسلام ".

وكما بالغ أشراف قريش - زعماء الكفر والشرك - في إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقد بالغوا أيضا في إيذاء أصحابه ومن صدقوا به ، وراحوا يعذبونهم لكي يعودوا إلى عبادة الأصنام .

وبالطبع كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر إصرارا على التمسك بالدعوة المحمدية ، وأبوا أن يرجعوا إلى ما كانوا فيه من كفر وضلال .

ولما اشتد الإيذاء والتعذيب ، هاجر بعض المسلمين الأوائل إلى الحبشة . وأرسلت قريش وراءهم من يسعى لدي النجاشي " ملك الحبشة "، ويطلب منه ألا يستقبلهم أو يؤمنهم في بلاده ، ويعيدهم إلى مكة " أو إلى بلادهم التي هاجروا منها " إلا أن النجاشي رفض طلب قريش .

بعدها قرر كبراء قريش أن يحاصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعشيرته " بني هاشم " ، ويحبسوهم في بيوتهم ويحرموهم من الطعام والشراب حتى يموتوا جوعا وعطشا ، وحرموا على الناس أن يبيعوا لهم أو يشتروا منهم شيئا ، وكتبوا بذلك صحيفة علقوها على جدار الكعبة " اشتهرت بصحيفة المقاطعة ".

حصار قريش للمسلمين :

واستمر ذلك الحصار ثلاث سنوات ، وكاد المسلمون أن يهلكوا ، لولا رحمة الله .. فرقت قلوب بعض رجال قريش ، ففكوا حصارهم وأنهوا مقاطعتهم . بعدها أخذ رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يعرض الإسلام على وفود القبائل التي كانت تأتي إلى مكة من أنحاء الجزيرة العربية المختلفة .

ومن بين تلك الوفود ؛ كان وفد يثرب ... دعاهم الرسول إلى الإسلام ، فكانت استجابتهم سريعة ، وأسلموا ! .. وبايعوه على الإسلام .. وتلك كانت بيعة العقبة الأولى .. ثم كانت بيعة العقبة الثانية ، التي بايع فيها ثلاثة وسبعون شخصا من يثرب " المدينة " ، الرسول صلى الله عليه وسلم على أنه نبيهم وزعيمهم ، ودعوه في الوقت نفسه للهجرة إلى مدينتهم .

وبالطبع اشتدت عداوة قريش للرسول صلى الله عليه وسلم ولأتباعه المسلمين ، بعدما علمت بعزم الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه على الهجرة من مكة والذهاب إلى يثرب " المدينة ".

وبذلت قريش أقصى ما في وسعها لتحول بين المسلمين وبين هجرتهم إلى المدينة .

فاضطر المسلمون أن يتركوا أموالهم وكل ما يملكون في مكة ويهاجروا سرا وتحت جنح الظلام ، فرارا بدينهم ، وبالطبع كان أهل المدينة " الأنصار " في استقبالهم .. فرحبوا بهم وأعطوهم بيوتا يسكنون فيها ، بدلا من بيوتهم التي خلفوها وراء ظهورهم في مكة ، كما أعطوهم أموالا ينفقون منها بدلا من أموالهم التي سلبتها منهم قريش ، وعاهدوهم على أن ينصر وهم ويدافعوا عنهم ولا يسلموهم إلى كفار مكة أبدا .

ولم تكتف قريش بإيذاء المسلمين والاعتداء عليهم وأخذ أموالهم في مكة ، بل راحت تسعى وراء من هاجروا إلى المدينة ، بغرض القضاء عليهم !

وكانت قريش ترسل من حين لآخر فرسانها ومقاتليها ليقطعوا الطريق في الصحراء قرب المدينة .. ليس ذلك فقط ، بل كانوا يهجمون على مراعي المدينة ذاتها بقصد الاستيلاء على الإبل التي ترعى فيها ، وقذف الفزع والرعب في قلوب أهلها ولكن ... لماذا كانت قريش تفعل ذلك .. ولم تترك المسلمين المهاجرين في حالهم ؟! .. إن قريشا كانت تعلم جيدا أن استقرار المسلمين في المدينة ، كان يعني أن تصبح المدينة مركزا إسلاميا حرا وطليقا .. وهذا المركز بالإضافة إلى تهديده لقريش وزعامتها الدينية لكل من يشركون بالله ويعبدون الأصنام في كافة أرجاء الجزيرة العربية .. كان يهدد تجارتها بين مكة والشام .. فالمدينة في منتصف الطريق بينهما ..

والآن .. وبعد أن تعرفنا بإيجاز على حال المسلمين بعد هجرتهم إلى المدينة وموقف قريش من تلك الهجرة .. ماذا عن غزوة بدر " وهي أول غزوات المسلمين "؟!..

قافلة أبي سفيان بن حرب

سمع المسلمون بالمدينة أن قافلة ضخمة لقريش تحمل بضاعتهم قادمة من الشام ، ويرافق القافلة ثلاثون رجلا ، يقودهم زعيم المشركين أبو سفيان . فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين ، أن يستعدوا ويتجهزوا للخروج وملاقاة تلك القافلة والإغارة عليها ، عسى أن يوفقهم الله في الاستيلاء على ما بها من أموال وخيرات ، يعوضون به ما سلبته منهم قريش ، حين هاجروا من مكة إلى المدينة وفي نفس الوقت يثبتوا لقريش أن المسلمين ليسوا ضعفاء ، وأنهم ذوو منعة وقوة ، وليسوا مستضعفين أو أذلاء كما كان حالهم في مكة قبل الهجرة .

ولكن أبا سفيان لم يكن ليغفل عن ذلك ، وهو يعرف أنه يقود قافلة ضخمة ، وأن المسلمين في المدينة لابد سيكونون له ولقافلته بالمرصاد ، وسيقطعون عليه الطريق ، ولذلك بعث عيونه ليستطلع الأخبار ، وبالفعل عاد من بعثهم ليخبروه أن المسلمين في المدينة يتجهزون ويستعدون للخروج وملاقاة القافلة ، فسارع أبو سفيان ، وأمر أحد رجاله ويدعى " ضمضم بن عمرو " بأن يسبقه إلى مكة ويخبر قريشا بالأمر ليسارعوا إلى نجدته .

وما أن وصل " ضمضم " إلى مشارف مكة ، حتى جرح وجهه ، وجعل الدم ينزف منه ، وشق ثوبه الذي يرتديه ، وجلس على بعيره في وضع معكوس ، ثم أخذ يصرخ ويقول : یا معشر قريش الطموا وجوهكم ، أموالكم مع أبي سفيان وتجارتكم قد استولى عليها محمد وأصحابه .. سارعوا إلى استردادها .. أغيثوا أبا سفيان ..

في ذلك الوقت كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد خرج على رأس ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، وسلكوا الطريق المؤدية إلى " بدر " التي تمر عليها جميع القوافل القادمة من الشام . وكان عدد الدواب التي خرج بها المسلمون فرسين وسبعين بعيرا ، يتناوبون الركوب عليها .

فكان الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه على بن أبي طالب ومرثد بن أبي مرثد الغنوي لهم بعير واحد يتناوبون ركوبه ، فقالا له : يا رسول الله ، اركب أنت هذا البعير ، ونحن نسير بدلا منك فقال لهما صلى الله عليه وسلم : " ما أنتما بأقوى مني ، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما ".

.. في نفس تلك الأثناء ، وبعد المشهد التمثيلي الذي أداه بكفاءة " ضمضم بن عمرو " والإستغاثة التي استغاثها ، خرجت قريش عن بكرة أبيها ، ولم يتخلف أحد من أشرافها إلا " أبا لهب " الذي أرسل رجلا مكانه ..

خرجت قريش في تسعمائة وخمسين مقاتلا ، معهم مائة فرس وسبعمائة بعير محملة بكل ما يحتاجه المقاتلون من زاد وعتاد .

وطارت الأنباء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلم أن قريشا قد خرجت بكل رجالها المحاربة المسلمين .. فماذا يفعل ؟! ..

أيرجع إلى المدينة ويحتمي بها وبأصحابه فيها .. أم يواجه قريشا والمشركين في حرب غير متكافئة من ناحية العدد أو العدة والعتاد ولم يستعد لها ، وتذكر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله كان قد وعده إحدى الطائفتين : إما العير وإما النفير .. أو إما الغنائم والأموال ، وإما النصر المبين على المشركين ..

قال تعالى: ﴿ وَإِذۡ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحۡدَى ٱلطّائِفَتَيۡنِ أَنَّهَا لَكُمۡ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيۡرَ ذَاتِ ٱلشَّوۡكَةِ تكونُ لَكم وَيُرِيدُ ٱللَّه أَن يُحِق ٱلحَقَّ بِكَلِمَتِهِ وَيَقۡطَعَ دَابِرَ ٱلۡكَٰفِرِينَ . لِيُحِقَّ ٱلۡحَقَّ وَيُبۡطِلَ ٱلبَطِلَ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلمجۡرِمُونَ ) [ الأنفال : ٧ – ٨ ]

الرسول صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه

فاستشار الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه في الأمر ، فقال المقداد ابن عمرو : " وهو من المهاجرين ".

* يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك ، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى " فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون " ولكن نقول اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد " مكان في أقصى اليمن " لجالدنا معك " أي صبرنا وقاتلنا " حتى تبلغه . فدعا له الرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم قال صلى الله عليه وسلم : " أشيروا على أيها الناس " ، والتفت ناظرا نحو الأنصار ، حيث بدا له صلى الله عليه وسلم أن بعضهم لا يريدون الحرب . خصوصا وأنهم كانوا قد بايعوه على الحماية في المدينة وليس خارجها .. ولذلك فالأمر يحتاج إلى إعلان موقف وتأييد جديد . فقام سعد بن معاذ ، وهو من سادة الأنصار وقال :

* والله لكأنك تريدنا يا رسول الله ؟!

قال صلى الله عليه وسلم : " نعم ".

فقال : لقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ، وبايعناك على السمع والطاعة ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا ، فامض بنا يا رسول الله لما أردت ، فنحن معك ، والذي بعثك بالحق ، لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ، وما تخلف منا رجل واحد وإنا لصبر في الحرب ، صدق عند اللقاء ، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك .

ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكلام الذي سمعه من سعد ابن معاذ ، ثم قال لأصحابه المسلمين : " سيروا على بركة الله وأبشروا ، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين ، ووالله لكأني أنظر إلى مصارع القوم ".

وسار المسلمون على بركة الله يقودهم الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى وصلوا إلى مكان قريب من بدر .

وتوقف جمعهم قبل بئر الماء .

فاقترب الحباب بن المنذر من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : يا رسول الله ، أهذا المكان الذي توقفت بنا فيه أمرك الله به ، أم هي الحرب والمكيدة ؟

فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " بل هي الحرب والمكيدة ".

فقال الحباب : إن هذا المكان ليس بآمن .. فلنمض إلى أقرب مكان من الأعداء ، ونجعل الماء خلفنا وليس أمامنا ، ثم نقاتلهم ، ونشرب ولا يشربون .

فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " نعم ما أشرت به ".

ثم قال : أيها الناس .. إن أمركم شورى بينكم .

ونفذ ما أشار به الحباب .

وكان جيش المشركين يقترب من بدر أيضا .. في حين كان أبو سفيان قد سلك بقافلته طريقا مخالفا لطريق القوافل المعتاد ، وابتعد عن بدر .. ولذلك لما تيقن من فراره ونجاة قافلته ، بعث إلى قريش برسالة أخرى يقول فيها : " لقد خرجتم لتنقذوا عيركم وأموالكم .. وحيث أننا قد نجونا ، فارجعوا إلى حيث كنتم ".

وحين وصلت تلك الرسالة إلى قريش ، كان رأي معظم ساداتها وأشرافها هو الرجوع إلى مكة ، وعدم التعرض لمحمد وأصحابه ، طالما أن قافلة تجارتهم قد نجت .

لكن أبا جهل كان مصرا على مواصلة المسير وقتال المسلمين .. وكأنه كان يسعى لموته .

قال مؤججا نار الحرب : والله لا نرجع حتى نرد بدرا ، فنقيم بها ثلاث ليال .. ننحر الجزور " أي الإبل " ، ونطعم الطعام ، ونسقي الشراب " أي الخمر " ، وترقص وتغني لنا القيان " أي الجواري " .. وتسمع بنا العرب في كل مكان ، فيهابوننا أبد الدهر .

وخضع المشركون لرأي أبي جهل .. ومضوا في طريقهم نحو " بدر " لملاقاة المسلمين وقتالهم ، وما هي إلا أوقات قليلة حتى أصبح المشركون والكفار أمام المسلمين .

فنظر إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أخذ يدعو الله ويستغيثه قائلا : " اللهم هذه قريش أقبلت بخيلائها " أي كبريائها " وفخرها تعاديك وتكذب رسولك .. اللهم نصرك الذي وعدتني .. اللهم إن يهلك المسلمون اليوم ، لا تعبد في الأرض ..".

فنزل قول الله تعالى : ﴿ إِذۡ تَسۡتَغِيثُونَ رَبَّكُمۡ فَٱسۡتَجَابَ لَكُمۡ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلۡفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ مُرۡدِفِينَ ﴾ [ الأنفال : ٩ ] .

المواجهة بين جيش المسلمين وجيش الكفار :

ثم تواجه الجيشان .. جيش المسلمين وجيش الكفار .

وفجأة برز من جيش الكفار ثلاث فرسان من خيرة فرسان قريش هم : عتبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة وشيبة بن ربيعة " أخو عتبة ".

وعتبة هذا هو جد معاوية بن أبي سفيان لأمه .. فهو أبو هند زوجة أبي سفيان .. والوليد أخوها ، وشيبة عمها .

و صرخ كل منهم : من يبارز ؟

ولم يكن من الممكن أن يحتمل المسلمون هذا التحدي ، وهم الذين هانت عليهم الدنيا ، وضحوا بأغلى ما فيها ، ضحوا بالمال والبنين من أجل عقيدتهم : فاندفع من جيش المسلمين ثلاثة اختارهم الرسول صلى الله عليه وسلم، هم عمه حمزة بن عبد المطلب وابنا عمه عبيدة بن الحارث وعلي بن أبي طالب .

وبارز أبطال المسلمين رؤوس الكفر الثلاثة ، وصرعوهم .

ثم التحم الجيشان . وكان الله في عون المسلمين .

قال تعالى : ﴿ إِذۡ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلۡمَلَئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمۡ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ سَأُلۡقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعۡبَ فَٱضۡرِبُواْ فَوۡقَ ٱلۡأَعۡنَاقِ وَٱضۡرِبُواْ مِنۡهُمۡ كُلَّ بَنَانٖ ﴾ [ الانفال : ١٢ ] .

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحرض على القتال ويقول : " والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر، إلا أدخله الله الجنة ".

فسمعه " عمير بن الحمام "، وكان في يده بضع تمرات يأكلهن ، فقال : بخ بخ أفما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء ؟ ثم قذف التمرات من يده ، واندفع يقاتل الكفار ببسالة وشجاعة حتى قتل .

وهكذا أخذ المسلمون يقطعون رقاب الكفار والمشركين ، أعداء الله ، ويضربون أروع المثل في التضحية والفداء . إلى أن تحقق لهم النصر المبين على أعداء الله .

قال تعالى : ﴿ كَم مِّن فِئَةٖ قَلِيلَة غَلَبَتۡ فِئَة كَثِيرَة بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصّبِرِينَ ﴾ [ البقرة : ٢٤٩ ] .

انتصار المسلمين

وكان الانتصار باهرا ...

فبلغت حصيلة القتلى سبعين قتيلا من سادة رجال قريش ، منهم أبو جهل الذي أجهز عليه عبد الله بن مسعود ، وأمية بن خلف الذي خر صريعا بسيف بلال بن رباح ، الذي طالما نال على يده كثيرا من الإيذاء والتعذيب قبل الهجرة .

وبلغت حصيلة الأسرى من الكفار أربعة وسبعين كافرا استشار الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه في شأنهم ؛ فكان رأى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أن يقتلوا ؛ لأنهم أعداء الله وأعداء الإسلام .

وكان رأي أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، أن يؤخذ منهم فدية " مال " ويتركوا لحالهم عسى أن يهديهم الله بعد ذلك ، ومن لم يستطع منهم دفع الفدية ويعرف القراءة والكتابة ، يعلم عشرة من أبناء المسلمين القراءة والكتابة .

واقتنع رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم برأي أبي بكر وأخذ به .. بعدها نزل قول الله تعالى : ( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُۥ أَسۡرَىٰ حَتَّى يُثخِنَ فِي ٱلۡأرۡضِۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنۡيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلۡأٓخِرَةَ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ . لَّوۡلَا كِتَٰبٞ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمۡ فِيمَآ أَخَذۡتُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ ﴾ [ الأنفال : ٦٧ – ٦٨ ] .

ولم يقتل من الأسرى سوى اثنين هما : النضر بن الحارث ، وعقبة بن أبي معيط .. كانا شديدى السخرية والإيذاء لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، وللمسلمين في مكة قبل الهجرة .

فعقبة بن أبي معيط كان يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ساجد يصلي في ساحة الكعبة ، ويضع رجله على عنقه الشريفة ويضغطها بشدة .. وفي مرة أخرى جاء بأحشاء شاة مذبوحة ، وألقاها على رأسه الشريفة وهو ساجد ، إلى أن جاءت فاطمة رضوان الله عليها وعلى آل البيت وأزاحته وغسلت رأسه .

.. هذا ولم يسقط من المسلمين في بدر إلا أربعة عشر شهيدا .. " أحياء عند ربهم يرزقون "..

ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار .

وهكذا انتصر المسلمون في أول لقاء لهم مع المشركين ، وتيقنوا أن النصر لا يكون بقوة المال أو السلاح ولا بالعدة والعتاد - وإن كان كل ذلك مطلوبا - ولكن يكون بقوة العقيدة والإيمان والصبر عند القتال ، والثبات عند لقاء العدو وعدم الفرار ؛ مصداقا لقوله تعالى : ﴿ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرۡكُمۡ وَيُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ ) [ محمد : ٧ ] .

قتلى المشركين

وبعد فرار المشركين ، أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإلقاء قتلاهم في القليب " البئر ".. والسبب في إلقائهم فيه كثرتهم ، فكان جرهم على أرض المعركة وإلقاؤهم في البئر أسرع وأسهل من دفنهم ، ثم وقف الرسول صلى الله عليه وسلم على رأس البئر ، وقال : " يا أهل البئر بئس عشيرة النبي كنتم : كذبتموني وصدقني الناس ..

ونادى عليهم بأسمائهم : " يا أبا جهل .. يا عتبة ... يا شيبة .. هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا ؟!.. فإني وجدت ما وعدني ربي حقا ".

فقال له عمر رضي الله عنه : يا رسول الله هل يسمعونك ؟.. إنهم موتي .

فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " نعم ولكنهم لا يستطيعون الإجابة ".

... وقد كان من بين الأسرى : العباس ، عم الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعقيل بن أبي طالب ، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، وعمرو بن أبي سفيان ، وأبو العاص بن الربيع " زوج زينب بنت الرسول صلى الله عليه وسلم ".

وسمع الرسول صلى الله عليه وسلم أنين عمه العباس ، فالتفت إليه واتجه نحوه ، في حين أرخى أحد الصحابة وثاقه .

ووقف أمامه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له : " إفد نفسك وابنى أخويك عقيل بن أبي طالب ، ونوفل بن الحارث أو حليفك عتبة ، بأربعين أوقية " يقصد ذهب" " .

فقال العباس : إذا فعلت ذلك فلن يبقى لي شيء ، وسأصبح فقيرا طيلة حياتي . فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " وأين المال الذي تركته لزوجتك أم الفضل ، وقلت لها : هذا للفضل وعبد الله وقثم ".

فقال العباس : أشهد أنك صادق والله .. فما قلته لي الآن لم أخبر به أحدا إلا أم الفضل .. وقد أخبرك الله به .. أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، وكفرت بما سواه .

وهكذا أعلن إسلامه ، ثم أمر ابنى أخويه عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث فأعلنا إسلامهما .

.. بعد انتهاء القتال وانتصار المسلمين ، أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بجمع الغنائم ، فجمعت ، واختلف المجاهدون فيمن هو أحق بها : فقال الجامعون لها : هي لنا . وقال المقاتلون الذين شغلوا عن جمع الغنائم بقتال المشركين ومطاردتهم : والله لولا قتالنا ما أصبتموها . وقال الذين كانوا يحرسون الرسول ويدافعون عنه : والله ما أنتم بأحق بها منا .

إلى أن أنزل الله تعالى قوله : ( يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡأَنفَالِ قُلِ ٱلۡأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصۡلِحُواْ ذَاتَ بَيۡنِكُمۡ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ ﴾ [ الأنفال : ١ ] .

وبهذا انتزعها الله من أيديهم حسما للخلاف ، ثم أنزل سبحانه وتعالى قوله مبينا قسمتها : ﴿ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَيۡء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَمَى وَٱلۡمَسَكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَى عَبۡدِنَا يَوۡمَ ٱلۡفُرۡقَانِ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ ) [ الأنفال : ٤١ ] .

.. وقد كان لغزوة بدر شأن عظيم في كسر شوكة المشركين والكفار . ورغم أن المسلمين كان عددهم أقل بكثير من عدد المشركين ، وعتادهم أو أسلحتهم كانت أقل ؛ إلا أنهم انتصروا وكان ذلك النصر إعجازا كبيرا ، لأن الملائكة نزلت وقاتلت مع المسلمين في سبيل إعلاء كلمة الحق ، وإعلاء الدين الحق ، وتثبيت المؤمنين بالإيمان واليقين بأن الله معهم . ولقد حقق الله وعده لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ، حينما آتاه نصرا مؤزرا ، كان فاتحة لانتصارات أخرى .

... ولقد فر المشركون من بدر مرعوبين أذلة ، ودخلوا مكة وهم خجلون من أنفسهم بسبب هزيمتهم النكراء وقتل رؤسائهم .

وتلقت قريش نبأ انتصار المسلمين بالحزن والأسى ، ورفضت أن تبكي على قتلاها أو تقبل العزاء فيهم حتى تأخذ بثأرهم .

.. وقد كان من أهم آثار غزوة بدر ، أن يهود المدينة أزعجهم بشدة انتصار المسلمين ، إذ كانوا يتوقعون ويتمنون هزيمتهم على أيدي المشركين والكفار .. لذلك أخذوا يصغرون ويحقرون من شأن هذا الانتصار ، حتى لا يغتر به المسلمون .

كما أدرك اليهود أن هزيمة قريش تحتم وتفرض عليهم أن يدخلوا الميدان محاربين ، بعد أن ضعف أملهم في أن قريشا وحدها قادرة على القضاء على محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى الدين الجديد .

ولذلك كثرت مكائدهم من أجل قتل رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم - كما سنرى ، وكثرت مؤامراتهم ودسائسهم ضد المسلمين ، سواء المهاجرين أو الأنصار .
تعليقات