غزوة الحديبية من غزوات الرسول قصة مكتوبة للاطفال

غزوة الحديبية من غزوات الرسول قصة مكتوبة للاطفال

غزوة الحديبية من غزوات الرسول قصة مكتوبة للاطفال

غزوة الحديبية من غزوات الرسول قصة مكتوبة للاطفال

غزوة الحديبية

كانت الحديبية في شهر ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة . وهي ليست غزوة بالمعنى المفهوم ، فهي لم تكن هجوما على الكفار والمشركين ، أو قتالهم ، لكفهم عن أذى أو ردهم عن ظلم ، كما لم تكن دفاعا ضد الكفار أو المشركين جاءوا لقتال المسلمين والاعتداء عليهم .. وقبل أن نذكر الحديث عن تلك الغزوة نشير إلى أن تسميتها غزوة الحديبية اقترن دائما بتسمية أخرى هي صلح الحديبية ...

رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم

والآن .. ماذا عن غزوة أو صلح الحديبية ؟ .. رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه أنه دخل مكة هو وأصحابه آمنين محلقين رؤوسهم ومقصرين . وأنه دخل بيت الله الحرام " الكعبة "، وطاف به هو وأصحابه مع غيرهم من الطائفين .

فأخبر صلى الله عليه وسلم أصحابه بما رآه في المنام ، كما أخبرهم بعزمه على الخروج لأداء العمرة .

فخفقت قلوبهم بالسرور وعلت وجوههم الفرحة ، وتجهزوا للسفر إلى مكة .

فلقد كان اشتياق المسلمين ، خصوصا المهاجرين منهم ، كبيرا لرؤية وطنهم الأول ومسقط رأسهم الذي هاجروا منه منذ ست سنوات ..

وكانوا يحنون بشدة لزيارة الكعبة " بيت الله الحرام "، الذي يتوجهون إليه في صلواتهم .

لقد كان البيت الحرام في مكة معظما قبل الإسلام وبعده ... ومعظمها عند المسلمين ، وعند غير المسلمين . " قريش وغيرهما من القبائل العربية التي كانت تعبد الأصنام " فلماذا لا يذهبون إلى مكة ويؤدون العمرة ... وبأي حق تمنعهم قريش من دخول مكة ومن الزيارة ثم العودة ؟! كانت هذه الأفكار هي التي تشغل المسلمين حينئذ ، ولإبداء حسن النية ، فقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم بعض قبائل العرب من غير المسلمين ، المجاورين للمدينة للذهاب معهم واصطحابهم في رحلتهم لأداء العمرة ،حتى لا تقول قريش إن المسلمين يدعون الزيارة والعمرة ، وهم يقصدون الغزو والقتال .

إلا أن هؤلاء الأعراب الذين دعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستجيبوا للدعوة ، واعتذروا بانشغالهم بأهليهم وتجارتهم ، وأنه ليس لهم من يقوم بها قال تعالى : ﴿ يَقُولُونَ بِأَلۡسِنَتِهِم مَّا لَيۡسَ فِي قُلُوبِهِمۡۚ ﴾ [ الفتح : ١١ ] .

وتأكيدا لحسن النية ارتدى المسلمون ملابس الإحرام قبل أن يغادروا المدينة ، وتركوا سلاحهم ، باستثناء سيوفهم ، والتي أخذوها معهم للحراسة والدفاع طول الطريق .. كما ساقوا أمامهم سبعين بدنة " ناقة " لينحروها بعد أداء العمرة .. وعلى الرغم من أن زيارة البيت الحرام والطواف به ، خاصة في الأشهر الحرم كان حقا لكل إنسان مهما كان دينه أو لونه أو جنسه ، وهذا الحق كان قانونا غير مكتوب معمول به ، ومتفق عليه بين جميع قبائل العرب " ومنها قريش "، إلا أن قريشا تجاهلت هذا القانون الذي كان يجب أن تكون أول من يلتزم به ويحرص على تنفيذه ، لأنها كانت حتى ذلك الحين " الخادم " للكعبة ، والمسئول بين العرب عن تسهيل وتيسير أداء الشعائر الدينية لكل من يرغب من العرب ، حتى لو كانت في حالة نزاع أو صراع مسلح معه ، وخصوصا في الأشهر الحرم .

وإذن فقد ضربت قريش بهذا العرف " أوالقانون " عرض الحائط ، ورفضت أن يدخل المسلمون عليهم مدينتهم " مكة " لأي سبب من الأسباب ، لأن معنى دخولهم مكة انتصار الإسلام وهزيمة الشرك والمشركين .. وهي : قريش .. زعيمة المشركين !

.. بادرت قريش وأرسلت خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل ، على رأس مجموعة من الفرسان ليعترضوا المسلمين ويصدوهم عن غايتهم ويمنعوهم من دخول مكة .

ولما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتزمته قريش ، التفت إلى أصحابه وقال : " أشيروا على أيها الناس ، أتريدون أن نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه ".

فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : يا رسول الله خرجت عامدا لهذا البيت لا تريد قتال أحد ولا حربا ، فتوجه إليه ، فمن صدنا عنه قاتلناه .

وتحاشيا للقتال مع فرسان قريش الذين خرجوا من مكة ، ليحولوا بين المسلمين وبين دخول مكة ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " هل من رجل يخرج بنا عن طريقهم التي هم بها ؟" .

فقال ناجية بن جندب : أنا يا رسول الله .

فسلك ناجية بن جندب برسول الله صلى الله عليه وسلم والذين معه طريقا آخر غير الطريق الذي يتوقع أن يسير منه خالد بن الوليد هو وفرسان قريش .

ثم توقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين في " الحديبية "، على بعد عدة أميال من مكة .

ورأسلت قريش رسلها ليقابلوا الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويتعرفوا على حقيقة نوايا المسلمين ، ويحاولوا أن يردوهم ويمنعوهم من دخول مكة .

إلا أنهم عادوا جميعا ، وأخبروا سادة قريش أن محمدا صلى الله عليه وسلم ومن معه مصممون على دخول مكة لزيارة بيت الله الحرام . ثم أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى مكة ليفاوض قريشا ، ويصل معهم إلى حل .

واجتمع عثمان رضى الله عنه بسادات قريش في مكة ، وأبلغهم رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي يخيرهم فيها بين أمرين : إما الدخول في الإسلام ، وإما إقامة سلام بينهم وبين المسلمين ، وترك النبي صلى الله عليه وسلم وشأنه مع سائر العرب ، على أن يلتزم القرشيون الحياد التام إزاء أي صراع دام بين النبي صلى الله عليه وسلم وبقية مشركي العرب .. كما تضمنت الرسالة أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأت لحرب ولا رغبة فيها وإنما جاء لزيارة البيت الحرام والطواف به .

ولكن سادات قريش أخذهم الغرور والكبرياء ، ولم يستجيبوا لرسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وقالوا لعثمان رضي الله عنه :

إن كنت تريد أن تطوف بالبيت .. فها هو أمامك لك ما شئت .

فقال عثمان رضي الله عنه : والله لا أفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم . وطالت غيبة عثمان رضي الله عنه بمكة أكثر مما توقع المسلمون .. وشاع بينهم أن عثمان قد قتل . فأدرك الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون ، أن القتال قد فرض عليهم ..

وكانت البيعة .. بايع المسلمون رسولهم الكريم صلى الله عليه وسلم على قتال قريش والمشركين حتى يظهر الله الحق وينتصروا أو تكون الشهادة في سبيل الله .

وكان هذه هي بيعة الرضوان " أو بيعة الشجرة "، وقد أثنى الله تعالى على هؤلاء المسلمين المبايعين بقوله : ﴿ لَّقَدۡ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ يُبَايِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَثَٰبَهُمۡ فَتۡحٗا قَرِيبٗا ﴾ [ الفتح : ١٨ ] .

بنود المعاهدة :

وبعد أن انتهى المسلمون من مبايعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بايع صلى الله عليه وسلم عن عثمان ، فوضع يده اليمنى على يده اليسرى وقال : " اللهم إن عثمان قد ذهب في حاجة الله وحاجة رسوله فأنا أبايع عنه ".

وما أن انتهى صلى الله عليه وسلم من قوله حتى رأى عثمان رضي الله عنه مقبلا عليه هو ومن كان معه ..

وكان قد نجح في تهدئة قريش وإزالة مخاوفها ، وألان جانبها نحو المسلمين .

إلا أن أهم ما كان يعني قريشا هو عودة المسلمين هذا العام و عدم دخولهم مكة حفظا لماء وجهها وكرامتها ، وحتى لا يعيرها العرب بذلك .

لذلك ، أرسلت قريش وفدا على رأسه " سهيل بن عمرو " ليفاوض الرسول صلى الله عليه وسلم ويصل معه إلى اتفاق .

وكان هذا الاتفاق الذي تم التوصل إليه ، هو ما يعرف باتفاق أو صلح الحديبية وبنوده كالتالي :

1- على المسلمين أن يرجعوا إلى المدينة دون أن يدخلوا مكة ذلك العام .

2- من حق المسلمين أن يأتوا في العام القادم فيدخلوا مكة ليقضوا مناسكهم .

3- تلتزم قريش بعدم التعرض للمسلمين حين يدخلون مكة ، بأي نوع من أنواع التعرض .

4- على المسلمين عند دخولهم مكة أن لا يحملوا من السلاح إلا سلاح الراكب وهو السيف .

ه - يلتزم المسلمون بأن لا يشهروا سلاحهم وهم بمكة ، بل عليهم أن يتركوا السيوف في أغمادها ما داموا في مكة .

٦ - المدة المحددة التي ليس للمسلمين أن يقيموا أكثر منها في مكة ثلاثة أيام فقط ، عليهم أن يغادروا مكة بعد انقضائها فورا .

7- إنهاء حالة الحرب القائمة بين المسلمين وقريش بقيام هدنة بين الطرفين لمدة عشر سنوات ، يأمن الناس فيها على أنفسهم .

8- يلتزم النبي صلى الله عليه وسلم بأن يرد إلى قريش كل من جاء إليه من أبنائها بعد إبرام هذه المعاهدة ، إذا كان قد جاء بغير إذن أهله ، وعلى النبي الالتزام بذلك حتى لو كان اللاجيء مسلما .

9- ليس على قريش أن ترد إلى النبي صلى الله عليه وسلم من جاء إليها من المسلمين حتى ولو كان مرتدا عن دينه .

١٠- تترك الحرية المطلقة للقبائل المجاورة للحرم لينضموا إلى أي المعسكرين شاءوا ، ويدخلوا في عهد أي الفريقين شاءوا .

١١- تعتبر القبيلة التي تنضم إلى أي من المعسكرين جزءا من المعسكر الذي تدخل في عهده ، له مالها ، وعليه ما عليها ، وعليها الالتزام بما جاء في بنود هذه المعاهدة .

١٢- أي عدوان تتعرض له أي من هذه القبائل يعتبر عدوانا على المعسكر الداخلة في عهده كما يعتبر هذا العدوان مبطلا للمعاهدة .

وحين دعا الرسول صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ليكتب بنود المعاهدة التي تم الاتفاق عليها " والتي ذكرناها آنفا " ، وقال له : " اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ".

قال سهيل بن عمرو " ممثل قريش " : لا أعرف هذا ولكن ليكتب : باسمك اللهم .

فارتفعت أصوات المسلمين الموجودين بالاحتجاج وقالوا : والله لا يكتب إلا باسم الله الرحمن الرحيم .

فقال الرسول صلى الله عليه وسلم حاسما الأمر : " اكتب : باسمك اللهم ".

فكتبها على رضي الله عنه ، ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " اكتب : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو ".

فقال سهيل بن عمرو : والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك .. اكتب اسمك واسم أبيك . فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " والله إني لرسول الله ولو كذبتموني ".

ثم التفت إلى علي بن أبي طالب رضى الله عنه وقال : " أمح رسول الله ".

فقال على رضي الله عنه : والله لا أمحوك أبدا .

وارتفعت أصوات المسلمين بالاحتجاج مرة أخرى ، قائلين : لم نعط هذه الدنية في ديننا ؟ " أي لماذا نتنازل إلى هذا الحد ؟".

فجعل الرسول صلى الله عليه وسلم يومئ إليهم بيده أن اسكتوا ، ثم قال صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه : " أرنيه أي : أرني موضع الكلام ".

فأراه على رضى الله عنه الموضع ، فوضع الرسول صلى الله عليه وسلم إصبعه عليه ، فمحاه ، ثم قال : " اكتب : هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو ...".

وكتبت بنود الصلح .

وقبل التوقيع على وثيقة الصلح ، اندفع عمر بن الخطاب رضي الله عنه نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له : ألست رسول الله ؟

فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " بلی ".

فقال عمر رضي الله عنه : ألسنا على حق وعدونا على باطل ؟

فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " بلی ".

فقال عمر رضي الله عنه : فلم نعطي الدنية في ديننا ؟

فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " إني عبد الله ورسوله ، لن أخالف أمره ولن يضيعني ".

فقال عمر رضى الله عنه : ألم تقل لنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ؟

فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " بلى .. وهل أخبرتك أنك تأتيه العام ؟" .

فقال عمر رضي الله عنه : لا .

فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " فإنك آتيه ومطوف به إن شاء الله !" .

وهذا بالفعل ما كان ، وتحقق بمشيئة الله في العام التالي !

.. ولقد كانت بعض شروط " أو بنود " صلح الحديبية تبدو في ظاهرها مذلة للمسلمين أو مهونة ومقللة من شأنهم - وهو ما أثار غيرة عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، وجعله يتضايق ؛ ليس هو فحسب ، بل هو وغيره من المسلمين ، وخصوصا شرط عدم قبول من يسلم من مكة ويأتي إلى المدينة ، فيرده الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكة .. على عكس من يذهب من المسلمين إلى مكة ، مرتدا عن الإسلام ، فلا ترده قريش إلى جماعة المسلمين في المدينة - فتكون المعاملة هكذا ليست بالمثل - وقد أثبتت الأيام أن هذا الشرط كان في صالح المسلمين فعلا ..

وكأن الله كان يريد أن يبتلي المسلمين ويختبر طاعتهم لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، قبل أن يفيء عليهم بنصره المبين وفتحه القريب .. فما أن وقع الرسول صلى الله عليه وسلم وثيقة الصلح ووقعها سهيل بن عمرو " ممثل قريش " ، ووقعها الشهود من الجانبين ، حتى أقبل عليهم أبو جندب هاربا من المشركين ، ومعلنا إسلامه - وأبو جندب هذا هو ابن سهيل بن عمر و ذلك المشرك ، ممثل قريش ، الذي وقع للتو واللحظة وثيقة الصلح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وما أن رأي سهيل بن عمرو ابنه أبا جندل ، حتى أمسكه وأخذ بتلابيبه ، ثم قال :

یا محمد قد انتهت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا .

" يريد أن يقول له صلى الله عليه وسلم أن المعاهدة تنطبق عليه ".

فقال له صلى الله عليه وسلم : " صدقت ".

وراح سهيل بن عمر و يجر ابنه ، وهو ينصرف ، ليرده إلى قريش .

في حين راح أبو جندل يصرخ بأعلى صوته ويقول : یا معشر المسلمين أتتركوني للمشركين يفتنوني في ديني ؟

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا جندل ، اصبر واحتسب ، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا ، إنا أعطينا القوم عهودا ، وإنا لا نغدربهم ".

إنه بلا شك مشهد مأساوي .. والظن السيئ قد يتبادر إلى البعض من وساوس النفس ووساوس الشيطان .. فكيف يعود أبو جندل مع أبيه إلى مكة ، بعد أن جاء فـارا منهم معلنا إسلامه ؟!

لا شك أن المسلمين في الحديبية قد أصابهم أذى كبير من جراء هذا المشهد المأساوي ..

لكن الأمر لم يدم طويلا .. فقد أسلم رجل آخر من قريش يدعى أبو بصير وهرب إلى المدينة ، وأرسل المشركون رجلين ليردوه ، فسلمه الرسول صلى الله عليه وسلم إليهما - حسب بنود الصلح - وفي الطريق إلى مكة غافل أبو بصير أحدهما وأخذ منه سيفه وقتله ، بينما فر منه الآخر هاربا ، ثم رجع أبو بصير إلى المدينة ليخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بما حدث، وبأنه صلى الله عليه وسلم برئ الذمة من هذين الكافرين ، لأنه سلمه إليهما ، ثم ذهب أبو بصير إلى ساحل البحر واتخذ له موطنا هناك في طريق قريش إلى الشام ، ثم فر أبو جندل وذهب معه ، وأسلم آخرون من مكة وفروا ولحقوا بهما عند ذلك المكان ، ثم راحوا يعترضون أي قافلة لقريش تمر عليهم ويقتلون من فيها ويأخذون أموالهم ، مسببين بذلك أذى بالغا لقريش ، فأرسلت قريش إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، ترجوه وتناشده أن يقبل إلغاء ذلك الشرط من معاهدة الصلح الذي كان يوجب عليه رد من يأتي مسلما من مكة ، وهكذا تحقق وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جندل حين قال له : " إن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين مخرجا ".

لقد كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي لا ينطق عن الهوى ، صادقا ، وبعيد النظر ، عندما رأى في صلح الحديبية خيرا كثيرا للمسلمين ، على الرغم مما يبدو في ظاهر بعض بنوده من إجحاف وتقليل لشأن المسلمين ، وأثناء عودة الرسول صلى الله عليه وسلم وجماعة المسلمين من الحديبية إلى المدينة نزل على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، قول الله تعالى : ﴿ إِنَّا فَتَحۡنَا لَكَ فَتۡحٗا مُّبِينٗا . لِّيَغۡفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ وَيَهۡدِيَكَ صِرَٰطٗا مُّسۡتَقِيمٗا . وَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصۡرًا عَزِيزًا ) [ الفتح : ١ – ٣ ] .

فاطمأنت جماعة المسلمين ، وتأكدت من صدق الرؤيا التي رآها رسولهم صلى الله عليه وسلم .

وحين نزل قول الله تعالى : ( لَّقَدۡ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءۡيَا بِٱلۡحَقِّۖ لَتَدۡخُلُنَّ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمۡ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَۖ فَعَلِمَ مَا لَمۡ تَعۡلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتۡحٗا قَرِيبًا ) [ الفتح : ٢٧ ] .

ازداد يقينهم في نصر الله المبين .. القريب .
تعليقات