نقدم لكم اليوم قصة من قصص عربيه جديده وقصة اليوم بعنوان الشريكان القصة مكتوبة ومفيدة للاطفال
في رحاب المسجد الكبير:
مع إطلالة كل فجر كان يلتقي في المسجد الكبير بعد صلاة الفجر ، نفر من المصلين ، يتلون كتاب الله ويتدارسون تفسير آياته ، يقودهم شيخ وقور متزن ، في طلعة بهية ولحية قد مال أكثرها للبياض ، وقد انتحى بهم ركنا هادئا من أركان المسجد ، واتخذ من أحد أعمدته مسندا لظهره لكي تستقيم جلسته ، وأضحى ذلك العمود مع وسادة القش الخضراء المسندة إلى العمود ، محط أنظار كثير من الناس وطلبة العلم ، لذلك ما إن ينتهي الناس من الصلاة والتسابيح التي تعقبها ، حتى يهرعون إلى ذلك العمود ، ويتحلقون حوله على شكل نصف قوس ، ثم ينتظرون قدوم الشيخ الذي ينهض من محرابه ، ويتجه إلى عموده وهو يمشي الهوينا ، ثم يتناول مصحفه ، وينظر إلى أكبرهم سنا ويهز رأسه ، وهذه علامته لبدء التلاوة ، ثم يليه الجالس على يمين القارئ الأول ، وهكذا الأيمن فالأيمن حتى يقرأ الجميع ، وقد خصص لكل واحد منهم خمس آيات للتلاوة إلى أن ينتهي الجميع من التلاوة ، وكان الشيخ يتابع القراءة بانتباه ، ويصحح - لمن يقرأ - النطق ومخارج الحروف والشكل ، ليستقيم لسانهم ، وإن الجالس مع هؤلاء ليلحظ تفاوت المستويات فيما بينهم ، فالذين تتلمذوا على هذا الشيخ من قبل ، يقرؤون بطلاقة لسان وتجويد سليم ، أما المنتسبون الجدد ، فتراهم غالبا ما يتلعثمون ويخطئون النطق السليم ، لكن حلم الشيخ وأناته وتشجيعه لهم ، يجعل منهم فيما بعد قراء على درجة عالية من الإتقان ، ثم يبدأ الشيخ بتفسير الآيات التي تليت ، تفسيرا ميسرا سهلا ، وما إن تبدو أول خيوط الشمس الذهبية حتى يكون الشيخ قد انتهى ، ثم يعطي إشارة الأنصراف وذلك بقوله : " وفي هذا القدر كفاية " ثم يستوي واقفا وينهض الجميع ويتناثرون في المسجد باحثين عن أحذيتهم ، فيلتقط كل واحد منهم حذاءه ، ويخرجون من المسجد طلبا للرزق والكسب ، ولسانهم جميعا يلهج بالاستغفار والدعاء إلى الله الرازق الكريم .
التعارف :
وكان من بين هؤلاء النفر المواظبين على مجلس التلاوة ، الفتى الشاب أحمد ، الذي انضم إلى هذه الدروس الدينية الطيبة ، وداوم عليها بإقبال وشوق ، وكان ينتظر الفجر بفارغ الصبر ، ليحضر ذلك الدرس ، وكان غالبا ما يجلس قرب العم محمود الذي وطد صلاته معه ، فأنس كل منهما بالآخر رغم فارق السن ، وهو أيضا حديث عهد بالزواج ، منذ شهرين فقط أما العم محمود ، فقد تجاوز من الأربعين ، وله أربعة أولاد ما بين ذكور وإناث .
كانت تجري بين أحمد ومحمود أحاديث ودية كثيرة عند خروجهما من باب المسجد ، فيقفان بضع دقائق ليستمع كل منهما لحديث الآخر بأدب وإنصات ، ثم يفترقان ويذهب كل واحد منهما إلى عمله ، وكان يشعر كل واحد منهما بحبه وتقديره للآخر ، وهذا الحب لم يكن من أجل المال أو متاع الدنيا ، وإنما كان الجامع لقلبيهما معا رابط الأخوة في الإسلام ، لذلك جاءت محبتهما مطابقة لما روي في الحديث الشريف : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله - ومن هؤلاء الأصناف السبعة كما قال رسول الله : ورجلان تحابا في الله فاجتمعا على ذلك وافترقا " وكان أحمد والعم محمود من هذا الصنف ، تحابا في الله واجتمعا على هذه المحبة ، ثم تفرقا إلى عمليهما ، دون أن يكون في قلب أي واحد منهما على الآخر غل أو حسد .
وفي ذات يوم وقفا كعادتهما بعد خروجهما من المسجد يتحدثان ، وطال الحديث بينهما ، والظاهر أن الحديث في هذه المرة سيكون من نوع آخر ، وأنه حديث مهم يختلف عن الأحاديث التي دارت بينهما من قبل ، لقد تكلما هذه المرة عن نوع العمل الذي يمارسه كل واحد منهما ، لكي يكسب ويعيش في هذه الدنيا ، وبعد أن أخبر كل واحد منهما صديقه عن نوع عمله ، تبين أنهما يعملان في عمل متشابه ، إنهما يعملان بالزراعة ، عند بعض مالكي المزارع ، فكلاهما فقير لا يملك الأرض أو ثمن البدور ، لذلك اضطرا للعمل عند مالكي المزارع ، وشكا كل واحد منهما للآخر قلة الأجر مقابل الجهد المبذول ، ثم قال العم محمود : ولكن ما لنا حيلة في هذا ، سنبقى أجراء ، وسيبقى أجرنا ضعيفا لا يبلغ حد الكفاف .
لكن أحمد الشاب الطموح ، قال للعم محمود : لا يا أخي إن الله قد وهب لنا عقلا للتفكير ، والعاجز من استسلم للفقر ، وعاش دون طموح ، علينا أن نفكر في تغيير واقعنا الحزين ، فقال العم محمود ، مقاطعا : ولكن كيف ..؟ مهما فكرنا فإننا لن نكون سوى أجيرين يعملان بأجر زهيد ، ولكن الحمد لله على كل حال فأجابه أحمد : نحن نحمد الله على السراء والضراء ، ولكن علينا أن نعمل وأن نجتهد في عملنا ، ثم قال : لقد جاءتني خاطرة الآن لعل فيها الفائدة إن شاء الله .
قال العم محمود : قل وأسرع لنرى ما عندك .
قال أحمد : لماذا لا تشترك سويا في عمل زراعي ، لعلنا نجني منه ربحا ؟ قال العم محمود : وكيف يكون ذلك ؟
أجاب أحمد : أصغ إلي ، نستأجر أرضا زراعية وندفع جزءا من أجرها مقدما ، ثم نبتاع بذارا من دكان صديقنا سعيد ، وندفع له جزءا من ثمنه ، وسيؤجل بقية الثمن إلى موسم الحصاد ، فهو رجل طيب ، وأظنه لا يتأخر عن مساعدتنا .
أعجبت الفكرة العم محمودا ، وشد بحرارة على يد أحمد ، وقال : إنها ساعة مباركة هذه التي وقفناها الآن ، لقد حركت فينا حب العمل معا ، وأرجو من الله لنا التوفيق ، وابتسم أحمد وقال : ننطلق إذا على بركة الله .
البدء بالعمل :
وفي أوائل شهر الحراثة استأجرا أرضا قريبة من المدينة ، وكانت أرضا بعلا - أي لا تروى بماء النهر أو الجدول وإنما تروى بماء المطر - بأجر قليل لأن الأرض التي تروى بماء النهر تؤجر عادة بأجر مرتفع ، وتفحها الأرض بدقة ليتعرفا على صلاحيتها لأي نوع من المزروعات ، وبعد دراسة متأنية قررا أنها تناسب زراعة القمح ، فأعدا العدة لذلك ، وتواعدا على زمان البدء بالعمل . وعندما حان وقت العمل ، عملا بهمة ونشاط ، فهيأا الأرض ، وبدأ كل واحد منهما ينفذ العمل الملقى على عاتقه على خير وجه ، لقد فلحا الأرض وبذرا الحب ، ولم يتكل أحدهما على الآخر أو يتقاعس عن أداء العمل ، بل كان قول كل واحد منهما لنفسه : سأعمل أكثر من صديقي حتى أريحه ، لذلك فقد تنافسا في تقديم الخير ، فأنجزا عملهما بسرعة وإتقان .
السماء تجود بالمطر :
وجادت السماء بالمطر السخي المدرار ، وارتوت الأرض بالماء العذب ، وشربت البذور ونبتت بإذن ربها ، وبدت فوق الأرض بنبتها الأخضر اللامع ، وبشرت منذ البداية بالخير ، وظل الزرع في تحسن ، والشريكان ، محمود وأحمد يخرجان كل يوم لتفقد الأرض وإصلاح شأنها وتعشيبها - أي قلع الحشائش الضارة منها - يدفعهما لذلك حب العمل ، والوفاء لبعضهما ، كي تنجح هذه الشركة وتعطي أكلها ، واستمرا على هذه العناية حتى فصل الربيع ، وبدا النبت فيه زاهيا ، قوي الساق ، بهي الأوراق ، حتى غدت هذه القطعة من الأرض بهجة وفتنة للناظرين ، تختلف عن الحقول المجاورة بطول الزرع ونضارته وأخضراره . وما إن بدأت حرارة الشمس تشتد في أواخر فصل الربيع وأوائل فصل الصيف ، حتى غدا الزرع المتماوج طويلا تعلوه السنابل الخضر المملوءة بالحب ، وكان يبدو كالبحر عندما يحركه النسيم ، فيتمايل ذات اليمين وذات الشمال برقة ودلال ، فيخرج من تماوجه أصواتا رقيقة تبعث على البهجة والانشراح ، إنه صوت سنابل القمح التي تعانق بعضها بعضا ، وتبشر أحمد ومحمودا بموسم جيد وانتاج وفير . وكان هذا المنظر الخلاب يظهر أثره على محيا أحمد ومحمود ، فيبتسمان ويحمدان الله ، ويطلبان منه مزيدا من الإنعام . وتقدمت الأيام حتى دخل شهر الحصاد ، وغدت سنابل القمح ذهبية معدة للحصاد .
وفي صبيحة يوم صائف ، تواعد الشريكان على بدء الحصاد ، فأعد كل واحد منهما منجله واتجها نحو الأرض ، وعندما وصلا إليها ، وقفا أمامها ثم ألقيا نظرة عليها ، ملؤها الحمد والشكر لله خالق هذا الزرع الوفير ، ثم نظر كل منهما إلى الآخر وابتسما وكأن كلا منهما يقول لصاحبه : هذا هو الخير ، وهذه هي بركة العمل المشترك ، ثم شمرا عن ساعديهما ، وباشرا في الحصاد بهمة عالية ، وبسمة عريضة ملؤها الأمل والبشر في جني محصول وافر .
ولم تمض عدة أيام على بدء عملهما في الحصاد ، حتى أنهيا حصاد الأرض كلها ، ثم أحضرا أدوات الدراسة وتسمى " النورج " ، وهي عبارة عن عربة عجلاتها من حديد مسنن يجرها حمار أو حصان ، ويدور بها على السنابل فتنفصل الحبوب عن سنابلها ، وبعد الانتهاء من دراسة الحب ، بدأا في التذرية ، وهي نثر هذا الحصيد المدروس في الهواء بواسطة المذراة ، فينفصل الحب عن التبن ، الذي يتطاير بعيدا عن الحبوب لخفته ، فتجمع الحبوب ويعطى التبن علفا للحيوانات .
أداء حق الله :
واجتمع لمحمود وأحمد محصول وافر من القمح ، وجمعوه ، فأضحى كومة كبيرة انتصبت وسط البيدر كأنها تل شامخ ، لقد بارك الله لهما زرعهما أضعاف ما زرعا ، ثم بادرا إلى كيل القمح لمعرفة مقداره وإخراج زكاته وتوزيعها على الفقراء عملا بقول الله تعالى : " وءاتوا حقه يوم حصاده " ، وحق الفقراء فيه مقدار العشر ، لأن زكاة محصول الأرض البعلية هي العشر، لأنها سقيت بماء المطر الذي أنزله الله دون جهد أو تعب من الإنسان ، فعمل محمود وأحمد طيلة النهار على فصل حق الفقراء من القمح ، عن حقهما ، فكانا يعدان تسعة مكاييل لهما ومكيالا واحدا للفقراء ، وبعد أن اجتمعت حصة الفقراء ، حملاها على حمار ووزعاها على الفقراء ، وأمضيا يوما كاملا في حمل حصة الفقراء وتوزيعها ، لأنها كانت كثيرة ، ثم عادا في اليوم الثاني لكي يقتسما ما تبقى بينهما ، فقسما الباقي بينهما بالتساوي .
وأصبحت الكومة الكبيرة كومتين ، لكل واحد منهما كومة ، واستعد كل منهما لحمل حصته إلى البيت ، ولكن لم يكن عندهما إلا حمار واحد ، فقال أحمد لصديقه : تأخذ أنت حملا ، وأنتظر أنا على البيدر أحرس القمح ، وعندما تعود تجلس مكاني ، ثم أخذ بدوري حملا إلى بيتي ، سر محمود لهذا الاقتراح وحمل مقدار كيس من القمح واتجه إلى بيته ، وبقي أحمد وحيدا على البيدر يحرس القمح ، وينتظر عودة محمود .
المحبة تنقلب إلى عمل صادق :
جلس أحمد يفكر وهو ينظر إلى كومتي القمح ، فكبرت كومته في عينيه ، ثم قال لنفسه : إن شريكي محمودا غائب الآن ، وهو ذو عيال وقد كان في أثناء العمل نشيطا ، ونحن تقاسمنا المحصول مناصفة ، وأنا يكفيني من القمح أقل مما يكفيه ، لأني لا أعول إلا زوجتي ، لذلك علي أن أعطيه حصة أكثر من هذا القمح ، فنهض إلى كومته وغرف منها عددا من المكاييل وأضافهم إلى كومة صديقه محمود ، ثم عاد وجلس في مكانه .
رجع محمود من بيته وجاء دور أحمد ، فقام وحمل مقدار كبس من القمح وانطلق إلى بيته ، ولما خلا محمود بنفسه وأصبح وحيدا على البيدر، قال : لقد كان أحمد شابا قويا ونشيطا ، ويذل جهدا أكثر مما بذلت ، وهو شاب في مقتبل العمر ، تلزمه نفقات كثيرة ليبني بيتا ، وقد تقاسمنا المحصول مناصفة ، وكان علي أن أعطيه مقدارا يزيد عن حصتي ، فنهض إلى كومته وغرف منها عددا من المكاييل ، وأضافهم إلى كومة أحمد ، ثم عاد وجلس في مكانه ، ورجع أحمد من بيته ، وجاء دور محمود فحمل مقدار كيس من القمح وانطلق إلى بيته ، وفعل أحمد في غياب محمود ما فعله في المرة الأولى ، حيث أضاف إلى حصة محمود عدة مكاييل ، ثم عاد محمود من بيته ، وجاء دور أحمد ، وفي أثناء غياب أحمد ، أضاف محمود إلى حصة أحمد عدة مكاييل ، وفي كل مرة يعيب فيها أحدهما كان الآخر يضيف من حصته عدة مكاييل إلى حصة زميله ، وبقيا على هذه الحالة والقمح يزداد ، كأنهما لم يحملا منه شيئا إلى بيتيهما ، لقد بارك الله لهما فيه ، لم لا وقد حفظ كل واحد منهما مال الآخر في غيابه ، وفضل كل منهما صديقه على نفسه ، ثم عاد أحمد ليقول لمحمود : يا أخي لقد امتلأت داري قمحا ولم يعد عندي مكان أضع فيه بقية حصتي ، وقال محمود : وأنا كذلك ، ثم نظرا إلى القمح المتبقي على البيدر فقال أحمد : سبحان الله ، انظر ، إن القمح ما زال على حاله وكأننا لم ننقل منه شيئا فقال محمود : عجيب..! حقا إنه ما زال كثيرا ، يا للخير ، لقد هبطت علينا رحمة من السماء ، وسكت الصديقان برهة ، ثم تبسما معا ، لقد تذكرا قول الله تعالى : " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " وعرف كل واحد منهما أن صاحبه كان يزيد له القمح في غيابه ، فبارك الله لهما هذا العمل ، فأقبلا إلى بعضهما وتعانقا ، ودموع الفرح والرضا بادية في عينيهما .
هكذا فليكن الشركاء في تعاملهم ، إنها تجارة رابحة ، وصداقة أخوية تدوم ، لأنها قائمة على المحبة والإخلاص لله ، إنها تذكرنا بحديث رسول الله ﷺ : "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله تعالى ، ورجل قلبه معلق في المساجد ، ورجلان تحابا في الله ، اجتمعا عليه ، وتفرقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال ، فقال : إني أخاف الله ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يميته ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه " متفق عليه .