اسماء الله وصفاته قصة على ألسنة الحيوانات بعنوان كَاشِفَ الْهُمُومِ
مع قصة جديدة في سلسلة اسماء الله وصفاته وقصة اليوم بعنوان كَاشِفَ الْهُمُومِ وهي قصة مكتوبة على ألسنة الحيوانات نتمنى أن تنال رضاكم.
قصة كَاشِفَ الْهُمُومِ
كَانَ الْعُصْفُورُ نُغَيْرٌ مَرِيضًا جِدًا؛ فَقَدْ كَانَتْ قَدَمُهُ تُؤْلِمُهُ كَثِيرًا، حَتَّى إِنَّ آلَامَهَا كَانَتْ لَا تُطَاقُ أَحْيَانًا، وَكَانَتْ أُمُّهُ لَا تُفَارِقُهُ وَلَوْ لِلَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأُمُّهُ هِيَ الْمُوَاسِي الْوَحِيدُ لَهُ.
قَالَتْ لَهُ أُمُّهُ:
سَتَتَحَسَّنُ بَعْدَ أُسْبُوعِ بِإِذْنِ اللَّهِ يَا صَغِيرِي، وَلَكِنْ كَيْفَ سَيَقْضِي نُغَيْرٌ أُسْبُوعًا يُعَانِي فِيهِ مِنْ هَذِهِ الْآلَامِ؟
وَمَاذَا كَانَ سَيَفْعَلُ لَوْ لَمْ تَكُنْ أُمُّهُ بِجوَارِهِ؟
كَانَ يَشْعُرُ بِالْمَلَلِ أَحْيَانًا، حَيْثُ اشْتَاقَ لِلْمُسَامَرَةِ مَعَ الصَّنَوْبَرَةِ الصَّغِيرَةِ، فَمَاذَا عَسَاهُ أَنْ يَفْعَلَ الْآنَ يَا تُرَى؟
لَوْ كَانَتِ الصَّنَوْبَرَةُ الصَّغِيرَةُ تَمْشِي لَجَاءَتْ لِزِيَارَتِهِ بِالْفِعْلِ.
هَلْ يَا تُرَى سَيَتَحَسَّنُ الْعُصْفُورُ نُغَيْرٌ ؟
وَكَيْفَ سَتُشْفَى قَدَمُهُ الْمَكْسُورَةُ مِنْ نَفْسِهَا؟ إِنَّ أُمَّهُ تُضَمِّدُ جُرْحَهُ بِمَاءٍ فَقَطْ، فَهَلْ هَذَا يَكْفِي لِشِفَاءِ قَدَمِهِ؟
لَقَدِ اسْتَطَاعَ الْعُصْفُورُ نُغَيْرٌ فِي أَوْقَاتٍ تَسَامَرَ فِيهَا مَعَ الصَّنَوْبَرَةِ الصَّغِيرَةِ، أَنْ يُجِيبَ عَلَى أَسْئِلَتِهَا بِإِجَابَاتٍ مُقْنِعَةٍ، لَكِنَّهَا رُبَّمَا تَعْجِزُ الْآنَ عَنْ أَنْ تَجِدَ إِجَابَةٌ عَلَى مَا حَلَّ بِهَا مِنْ مُشْكِلَاتٍ، وَفِي هَذِهِ الْأَثْنَاءِ وَالْعُصْفُورُ نُغَيْرَ مُسْتَغْرِقُ فِي هَذِهِ الْأَفْكَارِ طَارَتِ الْعُصْفُورَةُ الأم لإحْضَارِ الْمِيَاهِ.
- اَلسَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا نُغَيْرُ.
نَظَرَ الْعُصْفُورُ نُغَيْرُ حَوْلَهُ فَإِذَا بِحَمَامَةٍ بَيْضَاءَ أَمَامَهُ:
- وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، أَهْلًا بِكِ.
- شُكْرًا يَا أَخِي، شَفَاكَ اللَّهُ، كَيْفَ حَالُكَ؟
الْعُصْفُورُ تُغَيْرُ:
- اَلْحَمْدُ لِلَّهِ بِخَيْرٍ، شُكْرًا جَزِيلًا، وَلَكِنْ مِنْ أَيْنَ عَلِمْتِ بِاسْمِي وَبِمَرَضِي؟
الْحَمَامَةُ :
- أَخْبَرَتْنِي الصَّنَوْبَرَةُ الصَّغِيرَةُ.
فَرِحَ الْعُصْفُورُ نُغَيْرٌ بِذَلِكَ، فَهُوَ لَمْ يَرَ الصَّنَوْبَرَةَ الصَّغِيرَةَ مُنْذُ يَومَيْنِ، وَيَشْتَاقُ إِلَيْهَا كَثِيرًا.
قَالَتِ الْحَمَامَةُ:
- إِنَّ الصَّنَوْبَرَةَ الصَّغِيرَةَ أَرْسَلَتْنِي إِلَيْكَ لِتَطْمَئِنَّ عَلَى صِحْتِكَ، فَهِيَ حَزِينَةٌ مُنْذُ أَنْ عَلِمَتْ بِمَا حَلَّ بِكَ.
رَدَّ الْعُصْفُورُ نُغَيْرٌ بِشَوْقِ:
- اَلْحَمْدُ لِلَّهِ، هَلْ هِيَ بِخَيْرٍ؟
هَلِ الْأُمُورُ عَلَى مَا يُرَامُ؟
- نَعَمْ، كُلُّ شَيْءٍ عَلَى مَا يُرَامُ، يَبْدُو أَنَّكَ تُحِبُّهَا كَثِيرًا.
- نَعَمْ.
- وَأَنَا أَيْضًا أَحْبَبْتُهَا، فَهِيَ لَطِيفَةٌ جِدًّا.
- نَعَمْ، إِنَّ صَدِيقَتِي لَطِيفَةٌ جِدًّا، لَوْ تَحَسَّنْتُ لَزُرْتُهَا كُلَّ يَوْمٍ.
قَالَتِ الْحَمَامَةُ:
- بِالطَّبْعِ سَتَتَحَسَّنُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِنَّ الَّذِي خَلَقَ الدَّاءَ خَلَقَ الدَّوَاءَ، فَفِي الْعَامِ الْمَاضِي أُصِيبَ وَالِدُ مَالِكِي فِي حَادِثِ.
- أَيُّ حَادِثٍ؟
- حَادِثُ سَيَّارَةٍ، فَلَوْ رَأَيْتَ سَيَّارَتَهُمْ لَتَعَجَّبْتَ كَيْفَ نَجَوْا مِنْهَا!
لَكِنَّ اللَّهَ حَمَاهُمْ.
- أَلَمْ يُصِبْهُمْ أَيُّ مَكْرُوهِ؟
- لَقَدْ أُصِيبُوا وَكَانَتْ إِصَابَتْهُمْ بَالِغَةٌ، فَقَدْ كُسِرَتْ سَاقَا أُمّ مَالِكِي وَعِظَامُ الْقَفَصِ الصَّدْرِي لِأَبِيهِ، وَتَأَلَّمَا كَثِيرًا، ثُمَّ شُفِيَا بَعْدَ ذَلِكَ.
- سُبْحَانَ اللهِ، كَيْفَ تُشْفَى كُسُورٌ بَالِغَةٌ كَهَذِهِ؟
كَانَ عُشُ الْعُصْفُورِ نُغَيْرِ عَلَى شَجَرَةِ صَنَوْبَرَةٍ كَبِيرَةٍ، فَكَانَتِ الصَّنَوْبَرَةُ الْعَجُوزُ تُنْصِتُ لِحَدِيثِهِمْ بِانْتِبَاهِ، كَانَتْ تَعْلَمُ أَنَّ التَّنَصُّتَ عَلَى الْآخَرِينَ سُلُوكٌ سَيئ؛ فَلَا بُدَّ مِنَ الِاسْتِئذَانِ أَوَّلًا، لَكِنَّهَا رَأَتْ أَنَّهُ لَا حَرَجَ مِنْ سَمَاعِهِمْ حَيْثُ إِنَّ كَلَامَهُمْ لَمْ يَكُنْ خَاصَّا؛ لِذَلِكَ سَمَحَتْ لِنَفْسِهَا بِسَمَاع مَا يَقُولَانِهِ، فَأَرَادَتْ أَنْ تُشَارِكَهُمْ فِي الرَّدِ عَلَى سُؤَالِ الْعُصْفُورِ نُغَيْرِ، لَكِنَّهَا تَسْتَحْيِي أَنْ تُشَارِكَهُمْ حَدِيثَهُمْ، فَحَاوَلَتْ أَنْ تَتَجَرَّأَ وَتُلْفِتَ انْتِبَاهَهُمْ قَائِلةً:
- عُدْرًا يَا أَصْدِقَاءُ، هَلْ يُمْكِننِي أَنْ أُشَارِكَكُمْ حَدِيثَكُمْ؟
انْدَهَشَ الْعُصْفُورُ نُغَيْرُ فَإِنَّهَا الْمَرَّةُ الْأُولَى الَّتِي يَسْمَعُ فِيهَا صَوْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْكَبِيرَةِ، وَأُمَّهُ أَخْبَرَتْهُ أَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةَ لَا تُحِبُّ الْحَدِيثَ.
نَظَرَ الْعُصْفُورُ نُغَيْرُ إِلَى الْحَمَامَةِ، فَإِذَا بِالْحَمَامَةِ قَدْ أَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا بِالْمُوَافَقَةِ عَلَى مُشَارَكَةِ الشَّجَرَةِ حَدِيثَهُمَا.
قَالَ الْعُصْفُورُ نُغَيْرٌ لِشَجَرَةِ الصَّنَوْبَرِ الْكَبِيرَةِ:
- عَلَى الرَّحْبِ وَالسَّعَةِ.
قَالَتْ شَجَرَةُ الصَّنَوْبَرِ بَعْدَ أَنْ ضَبَطَتْ نَبْرَةَ صَوْتِهَا:
- أَنَا مُؤْمِنَةٌ بِأَنَّ اللهَ يَشْفِي كُلِّ الْأَمْرَاضِ، وَأَنَّهُ خَلَقَ لِكُلّ دَاءِ دَوَاءٌ، وَسَبَبُ إِيمَانِي بِذَلِكَ أَنَّهُ فِي الْعَامِ الْمَاضِي جَاءَ رَجُلٌ وَنَظَرَ إِلَيَّ وَتَفَحْصَنِي، وَلَمَّا لَمْ يَجِدْ أَحَدًا حَوْلَهُ، بَدَأَ يَضْرِبُنِي بِمِعْوَلِهِ، لَا أَسْتَطِيعُ وَصْفَ الْأَلَمِ الَّذِي أَحْسَسْتُ بِهِ، حَيْثُ شَعَرْتُ وَقْتَهَا أَنَّ الدُّنْيَا اسْوَدَّتْ مِنْ حَوْلِي، ثُمَّ ضَرَبَنِي بِمِعْوَلِهِ ثَانِيَةً، وَأَخَذَ أَهَمَّ قِطْعَةٍ بِدَاخِلِي، كَادَ قَلْبِي يَقِفُ، وَبَعْدَ مُدَّةٍ سَمِعَ حَارِسُ الْغَابَةِ صَوْتَ الْمِعْوَلِ، فَصَفَّرَ بِصُفّارَتِهِ وَرَكَضَ نَحْوِي، حِينَئِذٍ أَخَذَ الرَّجُلُ الْقَاسِي مِعْوَلَهُ وَهَرَبَ، وَحَزِنَ حَارِسُ الْغَابَةِ لَمَّا رَأَى مَا حَلَّ بِي.
ثُمَّ أَخَذَ الْحَارِسُ حَفْنَةَ تُرَابٍ، وَوَضَعَهَا فِي دَاخِلِ الْمَكَانِ الَّذِي قَطَعَهُ الرَّجُلُ مِنِّي وَهُوَ يَقُولُ:
- لَوْ كُنْتُ تَأَخَّرْتُ قَلِيلًا لَكَانَ قَدْ قَطَعَ شَجَرَتِيَ الْجَمِيلَةَ، لَا أَفْهَمُ سَبَبَ تَرْكِهِمُ الْأَشْجَارَ الْجَافَّةَ وَيَقْطَعُونَ الْأَشْجَارَ الْخَضْرَاءَ !.
سكَنَ أَلَمِي بَعْضَ الشَّيْءٍ، لَا يُمْكِنُنِي أَنْ أَنْقَلَ لَكُمُ امْتِنَانِي لِلْحَارِسِ، لَقَدْ أَنْقَذَ حَيَاتِي، ثُمَّ رَحَلَ الْحَارِسُ الطَّيِّبُ عَنِّي بَعْدَ أَنْ وَضَعَ بِدَاخِلِي التُّرَابَ، وَهُوَ يَقُولُ: "لَا تَخَافِي فَإِنَّ الشَّافِيَ سَيَشْفِيكِ، بَدَأْتُ أَشْعُرُ بِالتَّحَسُّنِ بِمُرُورِ الْوَقْتِ، وَبَعْدَ مُدَّةٍ شُفِيتُ تَمَامًا، فَفَكَّرْتُ فِي نَفْسِي قَائِلَةً يَا تُرَى هَلِ التُّرَابُ هُوَ الشَّافِي؟
، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَلِمْتُ أَنَّ الشَّافِيَ هُوَ اللهُ، الَّذِي زَوَّدَ التُّرَابَ بِمَوَادَّ تُسَاعِدُ عَلَى التَّدَاوِي، فَهُوَ جَعَلَ لِكُلّ دَاءٍ دَوَاءٌ مُخْتَفِيًا فِي مَكَانٍ مَا، فَبَعْضُهُ فِي بَاطِنِ الْأَرْضِ، وَبَعْضُهُ فِي جُذُورِ النَّبَاتَاتِ، وَبَعْضُهُ فِي الْأَعْشَابِ، وَبَعْضُهُ فِي الزُّهُورِ، وَبَعْضُهُ فِي الْمَأْكُولَاتِ... فَالْأَدْوِيَةُ كُلُّهَا تُسْتَخْرَجُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ.
قَالَتِ الْحَمَامَةُ:
- حَقًّا، كَمَا أَنَّنَا نَتَعَالَجُ بِمَا نَأْكُلُهُ دُونَ أَنْ نَعْلَمَ، وَأَحْيَانًا يَحُولُ مَا نَأْكُلُهُ دُونَ أَنْ نُصَابَ بِالْأَمْرَاضِ.
الْعُصْفُورُ نُغَيْرُ:
- وَكَيْفَ هَذَا؟
رَدَّتِ الْحَمَامَةُ:
- تُوجَدُ فَيْتَامِينَاتٌ وَعَنَاصِرُ مُفِيدَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ فِيمَا نَأْكُلُهُ مِنْ أَطْعِمَةٍ؛ وَبِذَلِكَ يَكُونُ الدَّوَاءُ لِبَعْضِ الْأَمْرَاضِ، وَهَيَّأَ اللَّهُ مَنْ يَقُومُ بِهَذَا الْأَمْرِ، فَعَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، أَنَّ حَارِسَ الْغَابَةِ هُوَ الَّذِي دَاوَى جُرْحَ أُخْتِنَا الصَّنَوْبَرَةِ الْكَبِيرَةِ، فَضْلًا عَنْ أَنَّ هُنَاكَ وَظَائِفَ مُتَعَدِّدَةً مُتَعَلِّقَةً الله " الشَّافِي أَمْثَالَ الصَّيْدَلِي وَالطَّبِيبِ الْبَشَرِي وَالْبَيْطَرِي... فَهُمْ
يَكْتَسِبُونَ الْخِبْرَةَ مِنَ التَّجْرِبَةِ وَيُدَاوُونَ الْمَرْضَى بِإِذْنِ اللهِ.
فِي تِلْكَ الْأَثْنَاءِ قَفَزَتْ جَرَادَةٌ بِجَانِبِهِمْ، أَشَارَتْ بِأَحَدٍ أَجْنِحَتِهَا قَائِلةً:
- انْظُرُوا، إِنَّ جَنَاحِي هَذَا قَدْ كُسِرَ الْأُسْبُوعَ الْمَاضِيَ، وَشَفَانِي رَبِّي "الشَّافِي وَعَادَ جَنَاحِي كَمَا كَانَ مِنْ قَبْلُ.
فَرِحَ الْعُصْفُورُ نُغَيْرُ وَقَالَ:
- أَتَقْصِدِينَ أَنْ قَدَمِي الْمَكْسُورَةَ سَتَشْفَى؟
الْحَمَامَةُ:
- بِالطَّبْع سَوفَ تُشْفَى قَبْلَ مُرُورٍ أَسْبُوعِ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَفِي الْأَمْسِ أَصَابَتْنِي شَوْكَةٌ فِي صَدْرِي وَلَمْ أَقُلْ لِصَاحِبِي كَيْ لَا يَحْزَنَ، فَحَزِنْتُ أَنْ يَضِيعُ جَمَالِي، فَنَظَرْتُ إِلَيْهَا فِي الْمَسَاءِ فَإِذَا بِهَا قَدِ اخْتَفَتْ، فَلَمْ أَفْهَمْ كَيْفَ شُفِيتُ.
قَفَزَتِ الْجَرَادَةُ ثَانِيَةً وَدَعَتِ اللَّهَ قَائِلَةً:
- اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَشْفِي الْمَرْضَى، إِنَّنِي أُحِبُّهُ كَثِيرًا، فَالشَّفَاءُ مِنْ عِنْدِهِ، فَلْنَدْعُ، وَنَرْجُهُ أَنْ يَشْفِي أَمْرَاضَنَا، فَإِنَّهُ مُجِيبُ الدُّعَاءِ.
بَعْدَ هَذَا الْحِوَارِ ذَهَبَتِ الْجَرَادَةُ وَاخْتَفَتْ عَنِ الْأَنْظَارِ.
ابْتَسَمَتِ الْحَمَامَةُ قَائِلَةً:
- إِنَّهَا دَائِمًا هَكَذَا، لَا تَقِفُ فِي مَكَانٍ أَكْثَرَ مِنْ دَقِيقَةٍ، سُبْحَانَهُ خَلَقَ الْكَائِنَاتِ عَلَى أَشْكَالٍ مُخْتَلِفَةٍ.
وَبَعْدَ قَلِيلِ جَاءَتِ الْعُصْفُورَةُ الْأُمُّ، وَفَرِحَتْ بِرُؤْيَةِ الْحَمَامَةِ، فَقَالَتْ :
- أهلا وسهلا بك يَا أُخْتِي الْحَمَامَةَ، أَكُنْتِ تَعْلَمِينَ بِهَذَا الْمَكَانِ مِنْ قَبْلُ؟
تَعَجَّبَ الْعُصْفُورُ نُغَيْرُ قَائِلًا:
- هَلْ تَعْرِفَانِ بَعْضَكُمَا؟
قَالَتِ الْعُصْفُورَةُ الأم:
- بِالطَّبْعِ، فَمِنْ أَيْنَ تَعْتَقِدُ أَنَّنِي أَحْصُلُ عَلَى الطَّعَامِ الْجَيْدِ الصحي؟
خَجِلَتِ الْحَمَامَةُ وَقَالَتْ:
- مِنْ فَضْلِكِ يَا أُخْتَاهُ، لَا تُخْجِلِينِي، فَالثَّوَابُ يَنقُصُ بالتَّحَدُّثِ عَمَّا فَعَلْتُهُ مِنْ خَيْرٍ ، فَمَالِكِي هُوَ الَّذِي يُقَدِّمُهُ لِي، وَأَنَا أَتَقَاسَمُهُ مَعَكِ، لَا بُدَّ مِنَ الِاسْتِفَادَةِ مِنَ الْبَشَرِ لِلْبَقَاءِ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ.
قَالَتِ الْعُصْفُورَةُ الْأُمُّ :
- إِنَّنِي قَادِمَةٌ مِنْ بَيْتِ صَاحِبِكِ لِأَحْصُلَ عَلَى مَاءٍ بِهِ دَوَاءٌ.
- هَلْ مَالِكِي كَانَ مَوجُودًا؟
- نَعَمْ، كَانَ يُعِدُّ لَكِ الطَّعَامَ، وَيَبْحَثُ عَنْكِ.
الْتَفَتَتِ الْحَمَامَةُ إِلَى الْعُصْفُورِ نُغَيْرِ وَقَالَتْ:
- لَا تَنْسَ أَنَّ الصَّحَّةَ هِيَ أَفْضَلُ نِعْمَةٍ، وَرِعَايَةُ صِحَّتِنَا هِيَ وَظِيفَتُنَا عَلَيْكَ أَنْ تَنْتَبِهَ لِنَفْسِكَ فِيمَا بَعْدُ لِكَيْلَا يَحْدُثَ لَكِ مَكْرُوهُ، وَأَلَّا تَشْرَبَ الْمِيَاهَ وَأَنْتَ عَرْقَانُ، وَلَا تَأْكُلِ الْأَطْعِمَةَ الضَّارَّةَ، اِلْتَزِمُ دَائِمًا بِالطَّعَامِ الصَّحِي، فَبِذَلِكَ تَحْصُلُ عَلَى الْكَثِيرِ مِنَ الْفَيْتَامِينِ، اَلْمُهِمُ أَنَّكَ تَسْتَفِيدُ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عِنْدَمَا تَكُونُ بِخَيْرٍ، فَالَّذِي يَتَغَذَّى بِاتِّزَانٍ، وَالْمُعْتَنِي بِصِحَّتِهِ، يُصَابُ بِالْقَلِيلِ مِنَ الْأَمْرَاضِ، أَو قَدْ لَا يُصَابُ أَصْلًا.
تَوَقفَتِ الْحَمَامَةُ بُرْهَةً ثُمَّ قَالَتْ:
- إِنَّنِي لَمْ أَشْبَعْ مِنَ الْحَدِيثِ مَعَكُمْ، لَكِنَّنِي لَنْ أُطِيلُ إنْظَارَ مَالِكِيَ الصَّغِيرِ، لِكَيْ لَا يَمْرَضَ مِنَ الْحُزْنِ، أَسْتَوْدِعُكُمُ اللَّهَ.
ثُمَّ بَدَأَتِ الْحَمَامَةُ فِي الطَّيرَانِ مُرَفُرفَةً بِجَنَاحَيْها بلطف.
الْتَفَتَتِ الْحَمَامَةُ لِلْمَرَّةِ الْأَخِيرَةِ وَصَاحَتْ:
- يَا نُغَيْرُ! لَا تَنسَ الدُّعَاءَ مَعَ تَضْمِيدِ الْجُرْحِ.
قَالَ نُغَيْرٌ بِسُرُورٍ :
- حَسَنًا.
وَقَدْ عَلِمَ الْعُصْفُورُ نُغَير أَنْ بِكُلِّ طَعَامٍ دَوَاءٌ مَخْفِيًّا، فَبَداً الدُّعَاء:
"اللَّهُمَّ يَا مَنْ يَشْفِي الْأَمْرَاضَ أَرْجُوكَ أَنْ تَشْفِي قَدَمِي بِسُرْعَةٍ، وَأَنْ أَسْتَطِيعَ الطَّيَرَانَ كَمَا كُنْتُ مِنْ قَبْلُ، وَسَأَحْكِي لِأُخْتِيَ الصَّنَوْبَرَةِ الصَّغِيرَةِ عَنْكَ، وَسَأُعَلِّمُهَا اسْمَكَ الشَّافِي".
أَمَّنَتِ الْعُصْفُورَةُ الْأُمُّ عَلَى دُعَاءِ ابْنِهَا.
ثُمَّ دَخَلَ الْعُصْفُورُ نُغَيْرٌ تَحْتَ جَنَاحَ أُمِّهِ، وَنَسِيَ أَلَمَهُ، وَفَكَّرَ أَنَّ أَجْمَلَ عِلاجِ هُوَ الْبَقَاءُ فِي دِفْءٍ حِضْنِ أُمِّهِ.