مع تعريف مكارم الأخلاق من خلال قصة السلاح الأثري

مع تعريف مكارم الأخلاق من خلال قصة السلاح الأثري

مع تعريف مكارم الأخلاق من خلال قصة السلاح الأثري

مع تعريف مكارم الأخلاق من خلال قصة السلاح الأثري 

مع قصة جديدة من سلسلة قصص مكارم الأخلاق وقصة اليوم بعنوان السلاح الأثري من خلال القصة سوف نجد تعريف مكارم الأخلاق نتمنى أن تنال رضاكم.

قصة السلاح الأثري مكتوبة

فَقَدَ رجلُ ثَرِيّ سلاحه الأَثَري في إحدى البلدات الساحلية التي أتى إليها ليقضي فيها أسبوعًا من إجازته؛ فهذا السلاح هدية من والده فله قيمة مادية ومعنوية عنده؛ أعلن الرجل أنه سيمنح قدرًا معقولا المكافأة لمن يجد سلاحه متمنيا أن يجده أحد ويعيده إليه.

وكان هناك فتيان - لا يعلمان شيئًا عن المكافأة ولا عن السلاح الثمين- يسيران نحو الخربة التي تُطِلّ على البحر من التلّ، وكانا يأتيان إلى هناك مرتين أو ثلاثا في الأسبوع، فيأكلان البطيخ والطماطم والجبن مع الخبز الصابح الذي أحضروه معهم، ثم يقومان بمسابقة الرمي بالحجر من هذا التلّ إلى البحر، وحتى ذلك اليوم لم يُوفّقا في رمي الحجر في البحر.

وبينما كان الصديقان يتقدَّمان بالكيس في أيديهما وهما سعيدان، رأى أطولهما سلاحًا أسود على الأرض، فضربه بقدمه ظنا منه أنه لعبة، لكنه لم يستطع أن يحركه من مكانه، وتألّم حتى ظن أن أصابع قدمه قد كُسرت، فاللعبة لا تكون ثقيلةً بهذا القدر، فترك كيسه على الأرض، ولما أخذ السلاح في يده قال لصديقه:

- يا أخي كأنه سلاح حقيقي.

یا الله!

سلاح ما الذي أتى به إلى هذا المكان المهجور؟!

وما أدراني يا عزيزي ربما كان أحدهم يتدرب علـى إطلاق النار.

نعم يمكن، وإلا فماذا سيكون غير ذلك؟

فلنأخذه معنا، تعال نأكل أولا ثم نفكر ماذا نفعل به.

وضع الفتى الطويل السلاح في كيس البطيخ، وبعد قليل وصلا إلى الخربة هناك على التل؛ وبينما كانا يتفحصان السلاح لاحظا أنه مُعبّأ ، ففرحا كثيرًا، ووضعا فورًا زجاجة جعلاها هدفًا يرميانه، وأرادا أن يطلقا النيران مناوبة، لكن قد تسمع الشرطة الصوت، فتأتي فورًا ليحققوا معهما طويلا وقد يُحبسان، فوضعا السلاح، وكسَرَا الزجاجة التي كانت هدفا.

يبدو أن شخصًا سكران بات ليله خلف الخربة فسمع حوارهما، فاستيقظ، وأدرك أنّ بأيديهما سلاحًا، فخطرت لـه حيلة، فقرّر أولا أن يقول : إنّه سلاحه، لكنه سرعان ما عدل عن هذا، وقال في نفسه : إنهما لن يُخْدَعا طويلًا بأنَّ شخصًا مُعْدَمًا مثلي يمكن أن يكون لديه سلاح كهذا؛ فتراجع عن هذا القرار، وزحف في أطراف الخربة، وبدأ يتتبع الفتيين كالجاسوس، وقال نفسه: ماذا كان يفعل ولدان بسلاح كهذا؟

أغلب الظن أنهما قد عثرا على هذا السلاح، نعم إنّه من المؤكد أن هناك مكافأة كبيرة لمن يجد هذا السلاح.

حاول الفتيان أن يقذفا الحجر في البحر بعد أن أصابـا الزجاجة الهدف وهما يلوّحان بذراعيهما كأنهما يُطيرانها، لكن رميهما لم تتجاوز المنطقة الصخرية على الساحل.

الفتى القصير:

- لو لم تهب الرياح نحونا لسقط ما أرميه في البحر حتمًا.

الطويل:

يا صاحبي إنها لا تهبّ نحونا أصلا، هلا تنظر إلى أغصان الشجرة على تلك الحافة، مشيرًا إلى شجرة الخوخ على حافة الجرف.

كانت بينهما منافسة خفيّة، واتفقا أن أمهرهما هو من يبلغ بحجره البحر أوَّلا، فاحمرت وجنتا صاحبه، وكلما وصل أحدهما بحجره إلى الجُرُف الذي يقذفان فيه ظنّ أنّه قذفه في البحر، وهذا ما يحصل لكلّ الناس؛ فكادا يظنان بعد محاولات عدة أن هناك قوة تجتذب الحجر نحو البرّ.

أتعب الرمي ذراعيهما تعبًا شديدًا، فَرَاحًا يتحدثان عما سيفعلانه بالسلاح، فاقترب الرجل السكير قليلاً من الجدران المتهدّمة دون أن يُشعرهما، وكتم أنفاسه ليسمع حديثهما كأنه جاسوس محترف.

قال الفتى الطويل القامة:

- ما رأيك أن يبقى هذا السلاح أسبوعًا عندك وأسبوعًا عندي، وإذا عرفنا صاحبه سلّمناه إياه؟

الآخر:

- حسنًا، لكن أين وكيف نَحْبَؤُه؟

- هذا أمر سهل فليبق عندي هذا الأسبوع، فسأخبَؤُه في مخزن الحطب عندنا، فنحن في فصل الصيف، فلن يتردّد إليه أحد، وإذا جاء دورك فسنفكر أين سنضعه؟

ملاً أكياسهما هذه المرة بنفايتهما ، وبدأ ينزلان من الخربة نحو البلدة، وتقلّد أطولهما السلاح، وأنزل عليه قميصه حتى بلغ به سرواله، وكان قلَقُه يَظهر في مشيته؛ إذ ينبغي أن يتسلل إلى مخزن الحطب، ويضعه في مكان آمن دون أن يُشعر به أهل البيت.

وقد سعد الجاسوس جدًّا بمعرفة المكان الذي سيُخْبَأ فيه السلاح، فوجهه المغطى باللحية المغبرة لم يُرَ سعيدًا كهذه المرّة منذ زمن طويل، وبدأ الرجل الذي يبدو وكأنه من العصر الحجري - في تعقب الفتيين وهو يتنفس من فمه بحَشْرَجَة، وكان تعقبهما عملًا شاقًا عليه، فالسير فى الرمل شاق عليه خاصةً أن صحته متدهورة من الخمر والتدخين.

كان يريد أن يتوب ويتخلص من كل هذه الخبائث إلا أنّ أصحابه كانوا يؤثرون عليه، ولو ذهب إلى صلاة الجمعة مرّة أو مرتين استهزؤوا به قائلين: يا الله !

أهلا بك يا سيدنا الشيخ أنت الآن أعلى من أن تجلس معنا !

وأخذ يقول في سره: ليس هذا وقت التفكير في شيء من هذا السلاح السلاح، المكافأة تضيع الحَقِّ يا بني بهذين الفتيين.

وكان عليه أن يُسرع ويستحوذ على السلاح قبل أن يسمع هذان الفتيان عن المكافأة، فراقبهما عن بعد دون أن يُشعرهما، وعرف بيت الفتى الطويل، لكنه كان يجد صعوبة في التنفس، فقال:

- ليس أمامي سوى الانتظار.

ولما أطبق الليل دخل إلى مخزن الحطب كالثعلب الذي يتسلل بمكر إلى خُم الدجاج، وما إن بحث قليلا في ضوء مصباح خافت كان في يده حتى وجد السلاح، وابتعد عن المكان وأسنانه الصفراء تلمع في ضوء القمر، فنبحثه زمزمة من كلاب الشوارع ، فلم يهتم، ولو كان واعيًا لدخل معها في سجال مرير، ولَعَنها في سرّه قائلًا لنفسه: الآن ستُطلع الكلابُ السكان على أمرك، وربما كان هذا السّجال تسلية تلك الكلاب بالليل أيضًا، خاصةً أنه لا أحداث كثيرة تضجّ بها هذه البلدة الهادئة.

وبينما يُضفي وَمِيضُ الشُّعاعات الفوسفورية على البحر سكونًا مختلفًا لليل، وصل الرجل إلى كوخه، وكان أحد أصحابه السُّكَارى يرقد على سريره، وكأنه كان ينتظره، لكن لما أدرك أنه لن يأتي تعشى وأخذه النوم على سريره؛ فرح الرجل كثيرًا بهذا، فالأمور تسير على ما يرام، لكنه أمضى تلك الليلة بمشقة.

وفي نفس الليلة تحدّث أهل بيت الفتى القصير عن المكافأة التي ستُمنح على هذا السلاح القديم، فأبوه قـد سمع عن الموضوع في المقهى، وكان يحكي للجار الذي أتى إليه عما يمكن فعله بهذه المكافأة وهو يبالغ في مدحها، ولما سمع الفتى حديثهم قال في نفسه: إنه هو السلاح الذي عثَرْنَا عليه؛ فأمضى الفتى تلك الليلة بصعوبة كغيره من الناس وعندما استيقظ كان قلبه لا يزال يخفق بشدة، فتسلل إلى جوار أمه وقال:

- هل يمكنني أن أذهب إلى بيت يوسف؟

فأشارت أمه برأسها إلى أبيه - الذي يُطعم الدجاج في الناحية الأخرى من الحديقة- وقالت:

- قد يحتاجك أبوك لتعمل معه، قال لي: ليلحق بنا عندما يستيقظ اذهب إليه وانظر فإن أذن لك فاذهب.

حَزِنَ الفتى من هذا الكلام وفكر قائلا:

- ما هذا الحظ ؟ إن شاء الله لا يستغرق كثيرًا.

وقال لأبيه:

- تفضل يا أبي، ماذا عليَّ أن أفعل؟، فأجابه الأب:

- يا بني نريد جَنْيَ التفاح اليوم، وإلا فسوف يفسد على الشجرة وينقضي أمره، أنا سأجنيه وعليك ترتيبه في القفص، فأنت تحسن هذا العمل جيدًا.

واستمر الأب في كلامه وهو ينظر إلى وجه ابنه ثم قال:

- كنت سأقول شيئاً آخر، تذكرت: اقلـب أنـت ويوسف البلدة رأسًا على عقب، فإن وجدتما السلاح الذي تحدثنا عنه في المساء فأحضراه، فسنشتري أنا ووالد يوسف مزرعة صغيرة لكلّ منا بالمكافأة.

ظنّ الفتى أن نَفَسه سينقطع لكنه لم يستطع أن يقول لأبيه:

- نعم ، نحن وجدناه فالسلاح في مخزن الحطب عند يوسف، وليس بعيدًا أن يُوبَّخا لأنهما لم يخبرا عن السلاح منذ أن عثَرَا عليه وإلا فماذا كانا يفعل الفتيان بسلاح؟

كان في حديقتهم القليلُ من أشجار التفاح، فجَنَوا كلّ التفاح قبيل الظهر ، ورتَّبوه في القفص، وحمد الفتى ربَّه على انتهاء العمل مبكرًا، ولطالما كان يرغب من قبل بأن تكون أشجارهم أكثر من ذلك.

تناول طعام الغداء ثم استأذن أمّه مرة أخرى ليذهب إلى صديقه يوسف، لكن أمه حدّدت له بعض الأعمال في الحديقة، وقالت:

- إذا انتهت فانصرف، وكأنّ أمه وأباه قد اتفقا معا ذلك اليوم، فمنذ الصباح وهما يكلفانه بالأعمال بلا توقف.

تمنّى أن يذهب بسرعة إلى يوسف ليخبره بخبر كأنه قنبلة، فما إن أنهى الأعمال التي كلفته بها أمه حتى أخذ يجري نحو صديقه يوسف، وكانت المسافة بين بيتيهما لا تبعد كثيرًا، وحاول أن يركب الجرار الذي مر به في الطريق، لكنّه فكر أنه لو جرى فسيكون أسرع منه، فنزل وراح يجري.

وأخيرًا وصل إلى بيت صاحبه وعيناه تراقبان مخزن الحطب بسعادة، لكن يوسف لم يكن في البيت، لقد ذهب لصيد السمك، فذهب إليه فورًا، وكان في دلوه سمك كثير، فقال له:

- عزيزي يوسف لدي خبر مهم لك.

يوسف:

- خيرًا إن شاء الله !

إذا كان كذلك فلماذا انتظرت حتى هذه الساعة؟

- أنت لا تعلم أن أبي وأمي قد كلّفاني بأعمال كثيرة جدًّا، وعلى أية حال استمع إلى ما سأخبرك به، خبر كالقنبلة التي ستنفجر، ذلك السلاح الذي عثرنا عليه بالأمس!

- ما له؟

- سقط من رجل ثري كان يقضي إجازته في بلدتنا، وسيعطي عشرة آلاف ليرة لمن يأتيه به، تخيّل يا أخي، سنصبح أغنياء إذا.

ترك يوسف الصنارة وقال:

- ماذا ننتظر؟

هيا بنا ما دام الأمر كذلك.

فانتزعا الدلو فورًا، وعادا إلى البيت، وفي الطريق قرّرا إعطاء السلاح لأسرتيهما وأن يشتريا من المكافأة دراجتين لهما، وأخيرًا وصلا إلى المنزل ودخلا مخزن الحطب، لكنهما لم يجدا السلاح رغم بحثهما الحثيث عنه، فكأن الأرض انشقت وابتلعته، وكان الصديقان مندهشين، ولم يستطع مراد تفسير ما حدث،

شكّ في أن صاحبه تآمر عليه وقال له:

- لقد فكرت في أخذ المكافأة وحدك، أليس كذلك؟

- ما الذي تقوله أنت؟ إنك تعلم أن هذا السلاح سيبقى عندي أسبوعًا، وعندك أسبوعًا أيضًا.

- إذا فأين السلاح ؟

هل يمكن أن تكون أمي قد عثرت عليه، ثم استدرك قائلا: لو أنها عثرت عليه فمن المؤكد أنها كانت ستسألني عن أمره.

لم يعثرا على السلاح في ذلك اليوم، بل لم يكونا يعلمان شيئًا عنه، وكان الرجل الثري قد غادر البلدة في ذلك اليوم.

ثم صار الناس يتحدثون: مـن أيـن اشترى رامز السكير المتسكّع لنفسه دراجة نارية أحدث نموذج؛ وهو يذهب بها الآن إلى ملاه ليلية لم يكن يستطيع أن يصل إليها مشيًا من قبل.

سهر رامز مع أصحابه في الخِرْبة التي عُثر فيها على السلاح، وكثر الكلام، ودار حتى وصل إلى الدين والعقيدة وتجاوز رامز الحدّ وبدأ يستهزئ بالدين والعقيدة فابتهجت لكلامه وجوه عابسة ملتفة حول النار الموقدة على الأرض، وتعالت قهقهتهم. 

وفي نهاية السهرة سلكوا الطريق إلى بيوتهم يتكئ بعضهم على بعض ما عدا رامز ، فإنه ركب دراجته النارية وراح يحلم بأنه سيصل إلى كوخه في طرفة عين، وسينام حتى الظهر، لكنّ القمر لم يكن في وجهته؛ وهو إنما يستبين وجهته وفقًا للقمر، وليس لدراجته النارية مصباح، فكان كلّ شيء يبدو له كأنه عدّة أشياء. 

وأخذ يدوس على دوّاسة البنزين وكلما أصدرت الدراجة صوتًا عاليًا ابتهج أكثر ، وهناك عند الجُرُف الذي كان يقذف فيه يوسف ومراد الحجارة خطر له أن يُسرع أكثر، فرفع عجلتي الدرّاجة عن الأرض وكاد يطير بها، ثم أسرع أكثر فأكثر، ولم يدر أحد بعد ذلك عنه شيئًا، ولا أحد يعلم هل سقط في الجرف أم ابتعله البحر؟

اقرأ ايضا

تعليقات