سلسلة قصص مكارم الاخلاق قصة مشروبات غازيَّةٌ باردة

سلسلة قصص مكارم الاخلاق قصة مشروبات غازيَّةٌ باردة

سلسلة قصص مكارم الاخلاق قصة مشروبات غازيَّةٌ باردة

سلسلة قصص مكارم الاخلاق قصة مشروبات غازيَّةٌ باردة  

مع قصة جديدة من قصص سلسلة قصص مكارم الاخلاق وقصة اليوم بعنوان مشروبات غازيَّةٌ باردة وهي قصة تربوية مكتوبة للاطفال والناشئة نتمنى أن تنال رضاكم.

سلسلة قصص مكارم الاخلاق قصة مشروبات غازيَّةٌ باردة  

كان الجو حارا جدا بالداخل، ولا هـواء يدخل مـن النافذة المفتوحة على مصراعيها، وكنا نَتَنَفَّس بصعوبة في مكان عَمَلِنَا، لأن سقفه منخفض.

ولم نَعُدِ قادرين على تحمل الضّوضاء، واختلاط رائحة الورنيش والصبغة، فغَمَسْتُ الفرشاة في الوعاء على مَضَضِ، ومَرَّرْتُها على سطح الكرسي، ثم أخذتُ استراحةً من العمل، وأخرجتُ منديلا من جيبي، ثم مَسَحْتُ عَرَقي.

كان العمال أيضًا مُتعبين؛ فحرُّ الظهيرة يُرْهِق الإنسان؛ قلت لنفسي :

- لو أن هناك مشروبًا باردًا، لشربناه.

وفتحتُ الصُّنْبُورَ الموجودَ أَسْفَلَ كرمة العنب، وانتظرت قليلا حتى يَبْرُدَ الماء، ولكنه لم يبرد.

أوْصَلْتُ الماء الذي أخذتُه بكفى إلى شَفَتَيْ، وكان فاتِرا وكلما شربْتُ ازداد عَطَشي، فتوقفتُ عـن الشُّرْبِ، ثم غسلت وجهي بالمياه.

خرجَ حَسَن رئيس العمال أيضًا، ومسح وجهه المحترق بالحرارة، وأزال عَرَقَه، ثم نظر إلى السماء الخالية من أيَّة سحابة قد تظلّل سماء المدينة، وقال:

- الجو حار جدا حتى إنه يصعب على الإنسان أن يعمل في الداخل.

مال أبي أيضًا على الصنبور ، ونَثَر المياه على وجهه، وقال:

- أعرف ذلك، ولكن علينا أن نُنْهِيَ العمل قبل نهاية الأسبوع.

ضحك حسن رئيس العمال قائلا:

- لنُواصِل عَمَلَنا في المساء؛ فسيصبح الجو مُنْعِشًا، وسيزداد الإنتاج فيه.

وبينما كنا نتحدث خلال استراحتنا، مَرَّ الصَّبِيُّ بائع المشروبات من الشارع المُقابل، وكان يحمل طبقًا فيه زجاجات مياه غازية باردة فَتَمَنَّيْتُ أن أشرب منها، وانْحَنَيْتُ، وشربتُ قليلًا من المياه الفاترة.

وبينما كان أبي وحسن رئيس العمال عائدين إلى المَشْغَل، نادَيْتُهم قائلا :

- لَيْتَنا أَصْلَحْنا الثلاجة يا أبي؛ فنحن نعاني من العطش، وحينها نستطيع أن نشرب مياها باردة؛ فارتسم على وجههِ الأَسْمَرَ حزن شديد، ومسح عَرَقَه المتجمع على جبهته بمنديل، وقال:

- عندما نُسَلِّمُ غرفة النوم سأشتري لكم ثلاجة جديدة.

ونظرت إليه فوجدته بائسًا تحت شمس الظهيرة، ولم يستطع أن يُكمل كلامه، فندمت على كلامي.

أحْسَسْتُ بحرارة أشعة الشمس المُتَسَرّبَة من بين أوراق كرمة العنب الذابلة المتدلية إلى الأسفل، ثم مَرَّتْ سيارة أُجْرَةٍ من الشارع الخالي من الناس؛ حيث قُل عدد الذاهبين والعائدين، فلم يخرج أحد للتسوق، وكان البخار يتصاعد من بين الأبنية الخراسانية إلى السماء.

وبينما كُنْتُ شارِدَ الذِّهن في كل هذا، قال أبي:

- هَلَّا أَتَيْتَ يا حسين؟

فركضتُ بسرعة إليه، فأعطاني نقودًا أَخْرَجَها من جيبه؛ وبينما كنتُ أمسحُ يَدَيّ المُبْتَلتين، فكرتُ قائلا:

- تُرى هل سأشتري بهذه النقود مشروبًا غازيَّا؟

ولكن قال أبي:

- اشْتَرِ ما في هذه القائمة من بائع الخرداوات.

أخذت النقود الورقية، وكان حَلْقي جافا منذ وقت طويل، ثم خَطَرَ لي أن أطلب منه نقودًا لشراء مشروب غازي، ولكن لم أستطع قَوْلَ أي شيء، وقلت:

- سأذهب فورًا.

وعَبَرْتُ إلى الجهة المقابلة، ثم ناداني أبي قائلا:

- نحن في الجامع، تعال إلينا.

وأَشَرْتُ بيدي قائلًا :

- حسنا .

وجاءَتْ من الجهة المقابلة سيدة عجوز، كانت تسير بصعوبة وهي تحمل بيدها حقيبة السوق، وكان الحرفيون واقفين في ظلّ دكاكينهم ينتظرون الزبائن بهدوء.

وبينما أنا ذاهب باتجاه إشارات المرور، مَرَّ بالطريق الجانبي الصبي بائع المشروبات، فصاح قائلا:

- لدينا لبن رائب، ومياه غازية مثلجة.

فأخرجت من جيبي النقود دون أن أشعُرَ، وسألت نفسي:

- تُرى هل أشتري زجاجة مياه غازية؟

لقد عَطشْتُ كثيرًا، تُرى، هل سيُلاحظ أبي إذا أخذت بعضًا من هذه النقود لشراء مشروب غازي؟

وكان بائع المشروبات يذهب ويعود من جانبي، فظللت أنظر إليه وأنا حائر.

وعندما دخلت إلى دكان بائع الخرداوات الذي كان على بعْدِ ،شارعين، وجدت زبونًا واحدًا، فانتظرت حتى وَدَّع بائعُ الخرداواتِ العجوز الزبون؛ ولما التفت رآني، وقال:

- الجو حار جدا اليوم؛ حتى إن الإنسان يتمنى أن يعيش في الثلاجة. 

ثم انتقل إلى وراء الطاولة، وأكْمَلَ حديثه:

تفضل يا ولدي ماذا تريد؟

قرأتُ الطلبات من الورقة التي بيدي، فضَيَّقَ عينيه الهَرمَتَيْن، وأَنْصَتَ إلى، ثم قال:

- قُلْ لي طلبًا بعد طلب يا ولدي؛ فأنا سريع النسيان، وهكذا الشيخوخة يا ولدي.

وذهب ببطء إلى الرَّفَ وهو يعْرُجُ ثم عاد إليَّ، وقال:

- ماذا طلبت؟

هل تريد ورنيشًا؟

وهب شيء من نسيم البحر ليطرد الحر الخانق بالداخل فكأنما أَنْعَشَ وجوهَنا، فمسحت وجهي المُنْتَعِشَ، وأشَرْتُ برأسي قائلًا:

- نعم.

وقال البائع وهو يصعد السُّلَّم:

- ها هو النسيم، ربما ننتعش قليلًا.

صعد وأحضر العلبة بصعوبة، وأنا أقرأ عليه بيانات الطلب.

وكان آخرُ شيء سآخُذُه موجودًا بالرَّفِ الأعلى.

فأشار بيديه، وقال:

أنا لا أستطيع الصعود إلى الأعلى. هل يمكنك مساعدتي؟

- نعم، يمكننى مساعدتك .

ثم قام بحساب ما اشتريتُه بذِهْنِه، ووضع المُشْتَرَيات في حقيبة بلاستيكية، واختفى النسيم المُنْعِش، وحَلَّتْ مَحَلَّه حرارةٌ خانقة بالداخل مرةً أخرى، ثم عَد البائع النقود التي أعطيتها له، وفتح الخزانة، ووضع نقوده في مكانها، ثم أخذتُ الحقيبة بيدي، فقال لي:

مع السلامة يا ولدي، وبلغ سلامي إلى والدك.

وأعطاني المُتبقي من النقود.

وضعتُ حقائبي التي بيدي على الأرض، ونظرتُ في النقود التي بقبضة يدي مليا.

وعندما راني وأنا غارق في التفكير، سألني قائلا:

- ماذا بك؟

هل نسيت شيئًا؟

تنفس نفسًا عميقًا، ولم أعد قادرًا على التفكير بسبب الحرارة، وقلت:

- لا ولكن احترق رأسي من شدة الحَرّ.

و مسح البائع رقبته بالمنديل الذي بيديه، وقال:

- ماذا أقول؟

رغم ذلك فهو مَوْسِمٌ جميل، وتعال مرة أخرى إذا أردْتَ شيئًا.

عندما خرجتُ من الدكان كان قد اقترب وقت الظهيرة، ومَشَيْتُ في الشارع محاولا أن أحْتَمِي بالظلال القصيرة، وكانت يد الحقيبة قد حزَّتْ يدي حتى احْمَرَّت وجَفَّ ريقي، فوقفْتُ على الرصيف.

انْحَنَيْتُ على الأرض، وهممت بحمل الحقيبة، فسمعت من الرصيف المقابل صوت الصبي بائع المشروبات ينادي مرةً أخرى :

لبن رائب مياه غازية مُثَلجَة .

وبينما كنت سأعْبُرُ إلى الجهة المقابلة للطريق، تذكرتُ النقود التي أعطاني إيَّاها بائع الخرداوات.

وضعتُ الحقيبة البلاستيكية على الأرض بسرعة، وحاولتُ إخراج النقود بصعوبة من جيبي بيدي التي يتساقط منها العَرَقُ، ثم قُمْتُ بِعَدِها؛ فوجدتُ زيادةً في النقود التي أعطاني إيَّاها، ثم حَسَبْتُ المال الذي أخذْتُه مرة أُخرى، فتأكَّدتُ أن فيه زيادة. وبينما كنتُ أفكـر فيـمـا سـأفعله، جَذَبَ انتباهي دكان بائع المُثَلجات، وقد اجتمع الأطفال حوله، بعضهم يشتري مثلجات، وبعضهم يشتري مياها غازية.

التَفَتُ إلى جِهَةِ بائع الخرداوات، وإلى جهة بائع المثلجات، ثم انْحَنَيْتُ ببطء، وأخذت الحقائب، وعَبَرْتُ للجهة المقابلة مُفَكِّرًا في المشروب الغازي البارد الذي سيُبَلّل شَفَتَيَّ بعد قليل ومفكرًا أيضًا:

- من سيدري بالنقود الزائدة؟

- لقد أعطاني أبي نقودًا بِقَدْرِ الأدوات التي سأشتريها، ما الحل؟ لَيْتَ البائع لـم يخطئ في الحساب.

نظرتُ إلى الأطفال الذين يشربون تلك المياه الغازية، فهي تنعش الإنسان في الحرّ، ولكن لم يسمح لي ضميري أن أشتري المياه الغازية، فرجعت إلى دكان بائع الخرداوات، ونظرتُ إلى الداخل باحثًا عن الرجل المُسِن، ثم سمعت صوت سعالٍ من وراء الطاولة، ورأيت بائع الخرداوات العجوز يلْبَس نَظَّارَتَه التي سقطت منه، وعندما عَرَفَني قال:

خيرًا يا ولدي، هل نسيتَ شيئًا ما؟

فابتلعت ريقي الجاف، وقلتُ لبائع الخرداوات:

نعم هناك شيء قد نسيته.

وضعتُ الحقائب في زاوية من زوايا الدكان، ثم أعطيته النقود، وقلتُ:

- لقد أعطيتني زيادة.

وأعطيته القائمة التي كانت بيدي أيضًا، وبينما كان ينظر في القائمة بدقة، خَطَوْتُ خطوة خارج الباب.

بينما كنت أسيرُ بصعوبة، أتى الصبي بائع المشروبات، فمَرَرْتُ بجانبه دون أن أنظر إلى الطَّبَق الذي يحمله، وخطوت خطوة أخرى، فقال بائع الخرداوات:

- من فضلك، هل يمكنك أن تأتي يا صغيري؟

فعُدْتُ، وكان البائع يقول شيئًا ما للصبي بائع المشروبات، فسُررْتُ، ونظرتُ إليهما، فأشار بيده قائلا:

- تَعَالَ.

وبينما كنت عائدًا، أخْرَجَ بائع الخرداوات من الداخل مَقْعَدَيْن، وقال:

- هيا اجلس هنا.

وأعطاني أَحَدَ المقعدين، وحينما جلس قال للصبي:

- افتح لنا من هذه المياه الغازية الباردة لنَنْتَعشَ.

تَدَفَّقَتْ مياه باردة من شَفَتَيَّ إلى جسدي بشكل لا يُمْكِنُ وَصْفُه، ثم ابتلعت ريقي سمعني البائع العجوز وأنا أقول:

- الحمد لله.

كان يشاهدني والزجاجة بيده، وقد امتلأت عيناه بالفرحة وكأنه يستمتع كثيرًا بشُرْبي، وقال:

- اشرب، اشرب... فأنت تسْتَحقُ ذلك.

وبينما كانت المياه الغازية الباردة تروي حَلْقِي الجَافَّ، أَذَّنَ المُؤَذِّنُ لصلاة الظهر، فنهض بائع الخرداوات من مكانه ببطء،وقال:

- إنني ذاهب إلى الجامع اشرب أنت على مهلك.

قلت:

- وأنا سأذهب أيضًا.

وبينما كنت أمر من أمام الأبنية قصيرة الظلال، وأنا ذاهب إلى الجامع، انْشَرَحَ صدري، وكيف لا ينْشَرِحُ وقد شربت زجاجة مياه غازية مثلجة؟، ولما دَخَلْتُ ساحة الجامع، لم أَشْعُرُ بِثِقْل الأحمال التي بيدي أبدًا.

اقرأ ايضا

تعليقات