قصة مكتوبة عن شخصية جبلة بن الأيهم إحدى قصص تاريخية للاطفال

قصة مكتوبة عن شخصية جبلة بن الأيهم إحدى قصص تاريخية للاطفال

قصة مكتوبة

قصة مكتوبة عن شخصية جبلة بن الأيهم إحدى قصص تاريخية للاطفال

جبلة بن الأيهم

هو آخر ملوك العرب الغساسنة الذين سكنوا قرب حدود بلاد الشام الجنوبية ، واتخذوا مدينة بصرى الشام عاصمة لهم . وكانوا من المسالمين والخادمين لدولة الروم الكبيرة ، التي كانت تحتل سورية وفلسطين ومصر ، واعتنقوا الديانة النصرانية لأجل تقربهم من الروم ،وجعلوها دينهم الرسمي ، وقد أتخذ الروم الغساسنة حراسا لهم على حدود الشام الجنوبية ضد غارات المناذرة حلفاء الفرس ، فكانوا يؤدون هذا العمل على خير وجه إرضاء لأسيادهم الرومان ، وكم من حروب طاحنة حصلت بين الغساسنة والمناذرة - وكلتاهما من العرب - إرضاء لأسيادهما الروم والفرس ، وكان كل خلاف أو صراع بين الدولتين الكبيرتين ، الروم والفرس ، ينعكس أثره السيء على العلاقات بين الغساسنة والمناذرة ، فيؤجج حروبا بينهما ، تزهق فيها الأرواح ، وتهدم المدن ، وتتلف الممتلكات .

الإسلام :

وظهر الدين الإسلامي في الجزيرة العربية ودعت مبادئه إلى التاخي والتراحم ونبذ الظلم والعدوان ، وانضمت القبائل العربية لهذا الدين بعد أن بذل الرسول محمد صلي الله عليه وسلم جهدا كبيرا وتضحية غالية في سبيل نشر هذا الدين ، وعرف الناس أن نعيم الحياة في الدنيا والآخرة لا يتحقق إلا باعتناق هذا الدين ، لذلك دخلوا فيه أفواجا ، فصلحت أمورهم ، وعاشوا متحابين متعاونين ينبذون الظلم والأحقاد ، ويحكمون شرع الله العادل ، ويجعلون هذا الدين طريقهم ومنهجهم في الحياة .

الإسلام يمتد إلى الشام :

ولما قوي الإسلام وظهر في كل أرجاء الجزيرة العربية ، أرسل الخليفة ( أبو بكر الصديق ) رضي الله عنه الجيوش الإسلامية لفتح بلاد الشام ، فانضم الغساسنة إلى حلفائهم الروم وحاربوا بني جلدتهم العرب ، وكان عليهم أن ينضموا إلى المسلمين ، لأنهم عرب مثلهم ، أتوا ليخلصوهم من ظلم الروم ، ومن التبعية والخنوع الأعداء زرعوا الشر والأذى في بلاد الشام وتحكموا فيها ، وهم دخلاء أجانب عن هذه البلاد ، لكن الغساسنة تنكروا لعروبتهم ، وأبوا إلا أن يكونوا مع الدخيل الغاصب ، فسخروا جيوشهم لحرب جيش المسلمين ، لكن الجيش الإسلامي المندفع لتطهير البلاد من الظالمين ، لم يأبه بجيوش الروم ، ولا بجيوش حلفائهم الغساسنة فالتقى معهم في مواقع كثيرة ، كان فيها النصر والغلبة لجيش المسلمين .

معركة اليرموك :

وبعد معارك كثيرة ، دارت بين المسلمين من جهة ، والروم والغساسنة من جهة أخرى ، فكر الروم في معركة كبيرة فاصلة لقتال المسلمين ، فجمعوا الجموع الكثيرة منهم ومن حلفائهم الغساسنة ، وحشدوا هذه الجموع في مواجهة جيش المسلمين قرب نهر يقع بين الأردن وسورية ، يسمى ( نهر اليرموك ) وحشد المسلمون جيوشهم أيضا ، وتقابل الجيشان ، جيس الروم وعدده ضخم سبعمائة ألف مقاتل ، ومعه جيش الغساسنة وعدده ستون ألف مقاتل ، وجيش المسلمين الذي لا يزيد عن أربعين ألف مقاتل ، ولكن المسلمين الذين ملؤوا قلوبهم بالإيمان وحب الشهادة في سبيل الله ، لم يرهبهم جيش عدوهم ، فقاتلوا بصبر وثبات ، فنصرهم الله على عدوهم نصرا مؤزرا ، فقتل من الأعداء الآلاف كما فر منهم الآلاف ، وانهزم الروم وانهزم معهم حلفاؤهم الغساسنة ، وكان قائد الغساسنة في هذه المعركة جبلة بن الأيهم ، الذي رأى وشاهد قتال المسلمين ، واندفاعهم نحو الأعداء ، يطلبون الشهادة في سبيل الله ، ولا يخافون من الموت ، لأن الله تعالى وعد المجاهدين في سبيله بجنان الخلد ، يتنعمون فيها جزاء بما قدموا من أموالهم ودمائهم في سبيل الله ، ورأى جبلة الفرق الكبير بين من يقاتل عن عقيدة وإيمان ، ومن يقاتل طلبا للحياة الدنيا ، أو إرضاء للروم ودفاعا عنهم ، لذلك بدأ يفكر مليا في أمر المسلمين .

جبلة يعتنق الإسلام :

وبعد تفكير عميق في شأن المسلمين ودينهم الذي بدل العرب وغيرهم ، فجعلهم أقوياء بعد ضعف ، وأعزاء بعد ذل ، لهم كلمتهم المسموعة ، ولهم صولتهم وجولتهم في الحروب ، ولم يكونوا من قبل كذلك ، كان العظيم فيهم قبل الإسلام يدخل إلى الملوك ذليلا خائفا من أجل أن يعطوه بعض المال ، واليوم بعد أن دخلوا الإسلام ، رفعوا رؤوسهم عاليا واستغنوا عن المال ، ودقوا أبواب الملوك من القياصرة والأكاسرة بالسيوف والحراب ، لقد تغير هؤلاء كثيرا بفضل هذا الدين ، وبعد أن قلب جبلة الأمر مليا أعلنا إسلامه ، وكان خليفة المسلمين وقتذاك عمر بن الخطاب ، فقبله وقومه إخوانا لهم في الإسلام ، وعاد جبلة مع قومه إلى ديارهم يعيشون في ظل الإسلام ، إلا أن جبلة ظل يعيش في قصره عيشة المترفين ، وظل يتذكر أيامه مع الروم ، ويتمنى أن تعود لهم قوتهم في يهزموا المسلمين ، فاعتناقه الإسلام لم يكن من قلبه ، بل رهبا وخوفا ، إنه ما يزال يحتفظ بعاداته الجاهلية ، والإسلام ينبذ كل عادات الجاهلية ، لقد كان يظن أنه ما يزال ملكا ، لذلك ظل محتفظا بكبريائه وتعاليه على الناس ، فكان يطلب من الناس أن يعظموه ، ويغضب إن لم يفعلوا ذلك ، فهو جبلة الشريف العظيم ، والناس من الصعاليك الفقراء .

لقد نسي جبلة أن الإسلام سوى بينه وبين كل الناس مهما كانوا ، فالرسول محمد ﷺ قال : " لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى " وبناء على هذا الحديث الشريف يصبح جميع المسلمين متساوين فيما بينهم بالحقوق والواجبات ، لكن جبلة الذي لم يدخل الإيمان في قلبه بعد ، لم يفهم هذه المعاني الإسلامية .

جبلة يحج إلى بيت الله الحرام :

ورأى أحد المقربين إلى جبلة ما تنطوي عليه نفسه من الكبر والعجب ، فلما قرب موعد الحج ، عرض عليه الذهاب لأداء فريضة الحج لعله يرق قلبه وينسى ما كان عليه قبل الإسلام ، فيرى هناك التاخي والمحبة والمساواة بين الناس ، فتزول من قلبه الفوارق الطبقية ، والعادات الجاهلية ، فقبل جبلة هذه الفكرة ، واستعد للسفر إلى مكة لأداء فريضة الحج ، ووصل موكب جبلة إلى مكة ، وشرع في أداء أعمال الحج من الطواف حول الكعبة ، والسعي بين الصفا والمروة ، والوقوف بعرفة ، ورمي الحمار في منى ... إلخ .. وبينما كان جبلة يطوف حول الكعبة جارا وراءه رداءه بعظمة وخيلاء ، والناس يطرفون ويتزاحمون لتقبيل الحجر الأسود ، إذا بأحد الأعراب يدوس على طرف رداء جبلة ، فيسقط الرداء على الأرض ، فيغضب جبلة غضبا شديدا ، وتشتعل النار في عينيه لأنه عد هذا العمل إهانة له ، كيف يرضى أن يدوس أعرابي على ردائه ، وهو الذي كان ملكا يعظمه هؤلاء الأعراب ؟ وترجع العصبية الجاهلية إلى نفسه ، فإذا به يشتم الأعرابي ويلطمه على خده لطمة شديدة ، تسيل دم الأعرابي من وجهه وفمه ، ويبكي الأعرابي المسكين ، إنه لا يريد أن يرد على جبلة فيلطمه ، لأن هذا العمل انتهاك لحرمة بيت الله الحرام ( فلا رفت ولا فسوق ولا جدال في الحج ) هكذا يقول الله تعالى ، لكن الأعرابي صمم أن يشكوه لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، وسمع عمر شكوى الأعرابي ، فأرسل عمر رسوله إلى جبلة فورا يطلب منه المثول بين يديه للمحاكمة ، وشهد الشهود العدول باعتداء جبلة ، فحكم عليه عمر بن الخطاب الحكم العادل ، قال الله تعالى : ﴿ وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسين والجروح قصاص )

فيقول عمر للأعرابي : أترضى مالا مقابل هذه اللطمة أم تريد أن تقتص منه وتضربه كما ضربك ؟ فيجيب الأعرابي : بأنه لا يريد مالا بل يريد أن يقتص منه ويضربه مثل تلك اللطمة ، وتدخل بعض الحاضرين ، وألحوا على الأعرابي كي يقبل المال ، أو يطلب منه ما يريد مقابل تلك اللطمة ، إلا أن الأعرابي رفض بشدة ، وقال : إن جبلة ضربني أمام الناس ، وسأضربه أمام الناس ، وخاف جبلة من هذا الحكم الذي لم يعتد على مثله ، وكبر في نفسه أن يقف أمام الناس ليلطمه أعرابي فقير ، ثم عاود جبلة إغراءه بالمال ليعفو عنه ، لكن الأعرابي رفض المال ، وصمم على معاقبة جبلة لكي يعلمه درسا لا ينساه ، وليبين له عاقبة التكبر ، ويفهمه أن الإسلام لا يضيع حقوق أحد من رعاياه ، وأن الإسلام عادل لا يحكم بأهواء الجاهلية ، فالمسلمون في الإسلام سواء ، لا فرق بين قوي وضعيف ، ولا بين غني وفقير ، والدولة المسلمة تحمي حقوق الناس جميعا ، لكن جبلة لم يفهم بعد هذه المعاني السامية في الإسلام ، ولم يفهم قول الله تعالى : ﴿ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) فالمسلم الملتزم بما أمر الل ه، عليه أن يرضى بحكم الإسلام ، وأن يسلم به دون اعتراض .

الهروب :

وحار جبلة في أمره ، ثم فكر في أمر كتمه في نفسه ، خصوصا عندما رأى تصميم أمير المؤمنين على أخذ حق الأعرابي ، فلجأ إلى المراوغة للتهرب من إنفاذ حكم القضاء ، فطلب جبلة من أمير المؤمنين أن يمهله ثلاثة أيام ثم يأتي فيسلم نفسه للقصاص منه ، فقبل عمر وأمهله ثلاثة أيام ثم أرسل يطلبه فلم يجده ، لقد هرب جبلة مع قومه ليلا إلى بلاد الشام ، والتحق بالروم ، وآثر أن يعود للكفر والضلال ، فالجاهلية الحمقاء تناسب طبعه وأخلاقه ، فهو متكبر ، والإسلام ينبذ المتكبرين ، وهو عاص لا يطيع حكم الشرع ، والإسلام يكره العصاة ، لذلك التحق بالروم الذين هم على شاكلة طبعه وأخلاقه ، قوم لا يقيمون للحق ولا للعدل وزنا ، يعيشون في مجتمعهم طبقات الطبقة العليا تتحكم بالطبقة التي هي أدنى منها وتظلمها ، ولا يأخذ ضعيف من قوي حقه أبدا ، ومثل جبلة أمام قيصر الروم وأعلن كفره وارتداده عن الإسلام ، فاستقبله القيصر أحسن استقبال ، وأجلسه قربه على كرسي من ذهب ، وألبسه التاج وقال له : نحن معشر الروم نعرف قدرك ، وعلو منزلتك ، ولكن المسلمين لم يقدروك حق قدرك ، وأرادوا أن يسووك بأعرابي وضيع ، واغتر جبلة بزينة الحياة الدنيا الفانية ، وأثرها على الحياة الأخرى الباقية ، التي فيها يثاب المحسن ويعاقب المسيء ، وأنضم جبلة مرة أخرى إلى جيوش الروم ووضع سيفه في خدمتهم لقتال المسلمين .

الندم والحسرة :

ومضت سنوات على إقامة جبلة بديار الروم ، وهو يقاتل المسلمين معهم ، لكنه كان بحمد الله يشهد هزائمهم المتلاحقة أمام جيوش المسلمين الزاحفة ، وكان بعد كل هزيمة تلحق بالروم يخلو بنفسه في حجرته ساعات طويلة وهو مهموم متألم من حالته وما آلت إليه ، لقد ربط مصيره بالروم ، والروم منهزمون لا محالة ، لذلك بدأ الهم يدخل قلبه ، وبدا أمامه مصير أسود قاتم ، كان دائما يكلم نفسه ، ويقول : ماذا صنعت بنفسي ؟ لقد ألقيت بها في الجحيم ، تركت مجالس قومي ، وحللت في مجالس الروم ، شكلهم غير شكلي ، ولغتهم تختلف عن لغتي ، لقد بدأت أضيق بهم ، وبدأت أشعر بهذا القصر الرحب الذي أعطوني إياه وكأنه سجن مقيت ، لقد رأيت عند المسلمين الطهارة والصدق والعفاف والتقوى والعبادة . ورأيت عند هؤلاء الخبث والخديعة والفسوق والإباحية والشهوات المنحطة ، أين هؤلاء من أولئك الأخيار ؟ ولكن كلما حاول أن يصحح خطأه ، ويصمم على التوبة والعودة ، ينسى ما عقد عليه العزم عندما يقف أمام الشهوات والمغريات ، وأمام إنعام ملك الروم عليه بالهدايا والألقاب السنية ، فيعود الظلام ليعشش في قلبه ، وينسى صوت الإيمان الذي كان يناديه .

مشهد من مشاهد الإيمان :

وفي أحد الأيام ، أحضر جنود الروم معهم بعض الأسرى من المسلمين ، ووضعوهم أمام الملك وهم مكبلون بالسلاسل والأغلال ، وكان جبلة جالسا عن يمين ملك الروم ، فقام الملك وخاطب الأسرى ، وخيرهم بين أمرين : الارتداد عن دين الإسلام والكفر به ، ليطلق سر الحكم ، أو القتل ، فاختاروا جميعا الموت ، وأبوا أن يكفروا بدين الله القويم ، ودعوا الملك إلى الإيمان بالله ، وخوفوه من عقاب الله ، لكن الملك الجبار أحضر جلاده وأمره بقتلهم جميعا ، الواحد تلو الآخر ، وهم صابرون يسبحون ويهللون ، ورأى جبلة بعينه هذه الفئة المؤمنة التي استشهدت دون خوف ، وهم ثابتون على دينهم ، متمسكون به ، فخرج إلى حجرته ، وخلا بنفسه ، وفكر مليا فيما رآه ، واستعرض في مخيلته صور الأسرى الذين خيروا بين الموت والحياة ، فاختاروا الموت على الحياة ، لأن شرط الحياة أن يكفروا فأبوا ، وظلوا محافظين على عقيدتهم حتى لقوا الله ، يا الله ما أروع هؤلاء الناس ما أقوى إيمانهم !. ثم بكى بكاء شديدا وهو يقول : من أجل أن ينال أعرابي مني حقه فزعت وهربت ، وتركت دين الإسلام ، وأزعم أني قوي شديد ، وهؤلاء الأسرى احتملوا القتل وهم متمسكون بدينهم لا يبالون بالموت ، ما أضعفني ؟ إنهم أشد بأسا مني ، لو لم يكن الإسلام دين حق وصدق ، لما ضحى هؤلاء بأرواحهم في سبيله ! . ثم صاح بصوت عال يخالطه البكاء : واحسرتاه ! .

واندماه ..

وسقط على الأرض مغشيا عليه ، ثم مات . واستمرت انتصارات المسلمين لا تأبه لمثل هؤلاء المغرورين ، حتى هزموا الروم ومن والاهم وأخرجوهم من ديار الشام .

اقرأ أيضا

تعليقات