الأسماء الحسنى قصة من واهب هذه النَّعم؟

الأسماء الحسنى قصة من واهب هذه النَّعم؟

الأسماء الحسنى قصة من واهب هذه النَّعم؟

الأسماء الحسنى قصة من واهب هذه النَّعم؟

ما زلنا مع قصص الأسماء الحسنى لله عز وجل وقصة اليوم بعنوان من واهب هذه النعم ؟ وهي قصة على ألسنة الحيوانات مكتوبة للاطفال نتمنى أن تنال رضاكم.

قصة من واهب هذه النَّعم؟

بَدَأَتِ الشَّمْسُ تُشْرِقُ لِتَعْرضَ وَجْهَهَا الْجَمِيلَ الَّذِي أَخْفَتْهُ مُنْذُ شُهُورٍ، وَاخْضَرْتِ الْأَعْشَابُ، وَتَفَتَّحَتِ الْأَنْهَارُ الْمُزْدَهِرَةُ بِالْأَلْوَانِ، وَأَوْرَقَتِ الْأَشْجَارُ، وَنَهَضَتِ الْكَائِنَاتُ الَّتِي كَانَتْ تَنَامُ في بَيَاتِهَا الشَّتوِي، وَبَدَأَتْ حَيَاةٌ جَدِيدَةٌ مَعَ أَوَّلِ أَيَّامِ الرَّبِيعِ تُغَرِدُ فَوْقَ التل.

وَقَدْ كَانَتِ الصَّنَوْبَرَةُ الصَّغِيرَةُ تَرْصُدُ كُلَّ مَا يَدُورُ حَوْلَهَا مِنْ تَغَيُّرَاتٍ لَحْظَةٌ بِلَحْظَةٍ، وَتَابَعَتْ كُلَّ مَا حَدَثَ بِمُتْعَةٍ وَاسْتِمْتَاعٍ، ثُمَّ قَالَتْ:

- وَسَيَكُونُ هَذَا الْبَعْثُ فِي هَذَا الْجَوَ السَّعِيدِ بِشَارَةً بِالْجَنَّةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، جَزَى اللهُ كُلَّ عَبِيدِهِ الْجَنَّةَ بِفَضْلِهِ.

أَثَارَ هَذَا الدُّعَاءُ فِي ذِهْنِهَا سُؤَالًا: لِمَاذَا الْبَشَرُ بِهَذِهِ الْأَهَمِّيَّةِ؟!

ثُمَّ أَجَابَتْ نَفْسَهَا:

لِأَنَّ الْإِنْسَانَ هُوَ خَلِيفَةُ اللهِ فِي الْأَرْضِ وَالله خَلَقَ لَهُ كُلَّ مَظَاهِرِ الْجَمَالِ مِنَ الْمَجَرَّاتِ وَالْمَجْمُوعَةِ الشَّمْسِيَّةِ، وَكُلَّ مَا فِي الْكَوْنِ وَعَلَى الْأَرْضِ ، كَمَا أَنَّهُ مَنَحَنَا عَاطِفَةَ حُبِّ الْبَشَرِ، فَعِنْدَمَا يُذْكَرُ الْبَشَرُ أَشْعُرُ وَكَأَنَّ سُرُورًا يَنْصَبُّ فِي قَلْبِي.

- اَلسَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أُخْتِي الصَّنَوْبَرَةَ!.

- وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ .

رَدَّتِ السَّلَامَ وَلَكِنْ مَا زَالَ عَقْلُهَا مَشْغُولاً بِمَا خَطَرَ بِبَالِهَا مُنْذُ قَلِيل.

- مَا لِي أَرَاكِ مُسْتَغْرِقَةً فِي التَّفْكِيرِ؟!

- أأأأ... هَلْ أَنْتِ أُخْتِي يَمَامَةُ؟!

- نَعَمْ، أَنَا!

وَهَلْ نَسِيتِنِي بِسُرْعَةٍ؟!

- أَنَا آسِفَةٌ لَا يُمْكِنُ أَنْ أَنْسَاكِ كُنْتُ أَتَفَكَّرُ فِي مَلَكُوتِ اللَّهِ، فَقَدْ سَمِعْتُ حَدِيثًا شَرِيفًا عَن الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " فِكْرَةُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً " وَأَنَا فِي أَوْقَاتِ الْفَرَاغِ، أَتَفَكَّرُ فِيمَا أَبْدَعَ اللَّهُ مِنْ مَخْلُوقَاتٍ جَمِيلَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَفِي هَذَا الْكَوْنِ الَّذِي يَسِيرُ فِي عَظَمَةٍ وَتَنَاسُقِ.

- أَنْتِ مُحِقَّةٌ يَا أُخْتَاهُ!.

نَظَرَتِ الصَّنَوْبَرَةُ الصَّغِيرَةُ حَوْلَهَا وَقَالَتْ :

- لِمَاذَا جِئْتِ بِمُفْرَدِكِ؟!

أَيْنَ بَاقِي الْأَصْدِقَاءِ؟!.

- سَيَأْتُونَ بَعْدَ قَلِيلِ، إِنَّهُمْ ذَهَبُوا لِلتَّعَرُّفِ عَلَى سَمَكَةٍ أَتَتْ حَدِيثًا إِلَى الْبُحَيْرَةِ الْمُجَاوِرَةِ لَنَا.

كَانَتِ الصَّنَوْبَرَةُ الصَّغِيرَةُ وَالْحَمَامَةُ يَمَامَةُ يَشْتَاقُ بَعْضُهُمَا بَعْضًا، فَوَقَفَا يُمْعِنَانِ النَّظَرَ إِلَى بَعْضِهِمَا الْبَعْضِ فِي صَمْتِ بَعْضَ الْوَقْتِ، إِنَّ الشُّعُورَ بِالْحُبّ وَالتَّحَابُبِ عَظِيمٌ جِدًّا، وَخَاصَّةً الْحُبُّ في اللهِ، فَهُوَ مُتْعَةٌ أُخْرَى، ثُمَّ كَسَرَتِ الصَّنَوْبَرَةُ الصَّغِيرَةُ حَاجِزَ الصَّمْتِ بِقَوْلِهَا :

- لِمَاذَا تَأْخُرُوا يَا تُرى ؟!.

- إِنْ شِئْتِ فَلْتَذْهَبِي إِلَيْهِمْ، فَأَنَا أَيْضًا قَلِقَةٌ عَلَيْهِمْ

- حَسَنًا ! .

خَفَقَتْ يَمَامَةُ بِأَجْنِحَتِهَا قَلِيلًا ثُمَّ شَرَعَتْ فِي الطَّيَرَانِ، لَقَدِ اشْتَاقَتْ إِلَى التَّحْلِيقِ، فَرُؤْيَةُ الْأَرْضِ مِنْ أَعْلَى يُشْعِرُهَا بِمُتْعَةٍ كَبِيرَةٍ، كَمَا أَنَّهَا عِنْدَ رُؤْيَةِ تِلْكَ الْمَخْلُوقَاتِ الْجَمِيلَةِ تَتَذَكَّرُ الْخَالِقَ الْعَظِيمَ؛ لِذَلِكَ نَظَرَتْ إِلَى الزُّهُورِ مُخْتَلِفَةِ الْأَلْوَانِ، وَالْأَشْجَارِ مُخْتَلِفَةِ الْأَحْجَامِ، وَالطُّيُورِ الْمُغَرِدَةِ، وَالْحَشَرَاتِ وَالْفَرَاشَاتِ الطَّائِرَةِ بِتَأَمل وَتَفَكَّرِ، إِنَّ هَذَا الْجَمَالَ الَّذِي يُبْهِرُ الْأَنْظَارَ، وَزُرْقَةَ مِيَاهِ الْبُحَيْرَةِ الْمُجَاوِرَةِ يُشْبِهُ لَوْحَةً رُسِمَتْ بِبَرَاعَةٍ وَإِبْدَاعِ فِي هَذَا الْعَالَمِ سَخَاءٌ ، وَكَرَمٌ لَا حُدُودَ لَهُمَا، وَرَوْعَةُ إِبْدَاعِ فِي خَلْقِ الْأَشْيَاءِ؛ وَكَثْرَةُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْجَمِيلَةِ الْبَدِيعَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَانِعَهَا قَادِرٌ عَلَى خَلْقِهَا هَيَ وَأَمْثَالِهَا بِسُهُولَةٍ وَيُسْرٍ، وَإِلَّا لَمَا كَانَتْ بِهَذَا الْعَدَدِ الْكَبِيرِ.

كَانَتْ يَمَامَةُ تُفَكِّرُ فِي كُلّ هَذَا كُلَّمَا حَلَّقَتْ فِي السَّمَاءِ، وَفِي تِلْكَ الْأَثْنَاءِ رَأَتْ أَرْنَبا يَتَخَبَّطُ عَلَى الْأَرْضِ، نَظَرَتْ إِلَيْهِ بِإِمْعَانٍ فَإِذَا بِهَا تَرَى تُعْبَانًا قَدِ الْتَفَّ عَلَى قَدَمِهِ، ثُمَّ انْخَفَضَتْ قَلِيلًا، فَإِذَا هُوَ الْأَرْنَبُ طَفَيْلَ ابْنُ الْأَرْنبَةِ الْحَكِيمَةِ، نَزَلَتْ عَلَى الْفَوْرِ عَلَى غُصْنٍ شَجَرَةٍ، وَصَاحَتْ قَائِلَةٌ:

- مَاذَا يَحْدُثُ هُنَا؟! .

لَمْ يَسْمَعِ الْأَرْنَبُ الصَّوْتَ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ، أَمَّا الشُّعْبَانُ فَلَمْ يُبَالِ بِالْأَمْرِ.

الثعْبانُ:

- بَيْنَمَا كُنْتُ أَتَشَمَّسُ هُنَا، جَاءَ وَوَطِئَنِي بِقَدَمَيْهِ بِوَقَاحَةٍ، فَفَزِعْتُ كَثِيرًا.

- يَبْدُو أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْتَقِمَ مِنْهُ!

أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟!.

- لَا بُدَّ أَنْ يَنَالَ جَزَاءَ مَا فَعَلَ.

الْأَرْنَبُ :

- لَمْ أَتَعَمَّدْ فِعْلَ هَذَا، إِنَّهُ كَانَ مُخْتَبئا تَحْتَ أَوْرَاقِ الشَّجَرِ، فَتَعَذَّرَ عَلَيَّ رُؤْيَتُهُ.

قَالَ الثّعْبَانُ بِغَضَبٍ:

- كَلَامُكَ هَذَا لَا يُخَفِّفُ مِنْ عِقَابِكَ، كَانَ عَلَيْكَ أَنْ تُمْعِنَ النَّظَرَ جَيْدًا، أَوْ تَتَعَرَّفَ عَلَيَّ مِنْ رَائِحَتِي، لَنْ تَفْلِتَ مِنَ الْعِقَابِ.

بَدَأَ الثَّعْبَانُ يَلْتَفُ حَوْلَ قَدَمِ الْأَرْنَبِ بِشِدَّةٍ، فَقَالَ الْأَرْنَبُ مِنْ شِدَّةِ الْأَلم:

- أتْرُكْنِي، أَرْجُوكَ إِنَّكَ تُؤْلِمُنِي كَثِيرًا.

- بَعْدَ قَلِيْلٍ لَنْ تَشْعُرَ بِشَيْءٍ يَا عَزِيزِي!

فَعِنْدَمَا أَلْفُ ذَيْلِي عَلَى فَمِكَ، لَنْ تَسْتَطِيعَ التَّنَفُسَ، وَعِنْدَئِذٍ سَتَسْتَرِيحُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.

ثُمَّ أَرْحَى الثَّعْبَانُ ذَيْلَهُ، فَأَحَسُ الْأَرْنَبُ بِبَعْضِ الرَّاحَةِ، وَاسْتَجْمَعَ قُوَاهُ لِلْهَرَبِ مِنَ الثَّعْبَانِ، عَلَيْهِ أَنْ يُفْلِتَ مِنْهُ فَجْأَةً، وَلَكِن الشُّعْبَانُ قَدْ فَعَلَ هَذَا عَنْ قَصْدِ، فَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الْأَرْنَبَ سَيُحاول الْهَرَبَ، وَفَجْأَةً لَفَّ الثَّعْبَانُ ذَيْلَهُ ثَانِيَةً عَلَى رَقَبَةِ الْأَرْنَبِ الصَّغِيرِ، وَهَكَذَا لَمْ يَعُدْ لِلْأَرْنَبِ الصَّغِيرِ أَيُّ قُدْرَةٍ عَلَى الْهَرَبِ، وَبَعْدَ عِدَّةِ دَقَائِقَ أَحَسَّ بِضِيقٍ فِي التَّنَفُسِ، وَبَدَأَ يَلْتَقِطُ أَنْفَاسَهُ بِصُعُوبَةٍ.

لَمْ تَعْرِفِ الْحَمَامَةُ يَمَامَةُ كَيْفَ تَتَصَرَّفُ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ، وَلَوْ ذَهَبَتْ لِطَلَبِ الْمُسَاعَدَةِ مِنَ الْأَصْدِقَاءِ بِجِوَارِ الْبُحَيْرَةِ رُبَّمَا تَأَخَّرَتْ، وَلَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَتَدَخَلَ لِضَعْفِهَا؛ لِذَلِكَ تَوَسَّلَتْ لِلثّعْبَانِ قَائِلةً:

- أَرْجُوكَ لَا تَفْعَلْ هَذَا يَا أَخِي !

فَسَتَقْتُلُ نَفْسًا، هَذِهِ النَّفْسُ غَالِيَةٌ جِدًّا، إِنَّهَا إِحْسَانُ كَبِيرٌ مِنَ اللَّهِ الْكَرِيمِ عَلَى مَخْلُوقَاتِهِ، أَرْجُوكَ أَنْ تَعُودَ إِلَى رُشْدِكَ.

تَجَاهَلَ الشُّعْبَانُ مَا تَقُولُهُ الْحَمَامَةُ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهَا قَائِلًا:

- احْتَفِظِي بِهَذِهِ الْمَوْعِظَةِ لِنَفْسِكِ، إِنَّ أَخْطَائِي كَثِيرَةٌ،

وَمَا أَفْعَلُهُ بِالْأَرْنَبِ الْآنَ شَيْئًا لَا يُذْكَرُ.

تَابَعَتِ الْحَمَامَةُ يَمَامَةُ حَدِيثَهَا:

- إِنَّ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْكَرِيمَ وَهُوَ بِمَعْنَى صَاحِبِ النِّعَمِ وَالْإِحْسَانِ ، وَرَبُّنَا يُنْعِمُ وَيُعْطِي مَنْ لَا يَسْتَحِقُ الْإِحْسَانَ مِنْ عِبَادِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ أَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى "الْكَرِيمَ"، يُعْطِي كُلَّ خَلْقِهِ مِنْ نِعَمِهِ، هَلْ وَجَدْتَهُ فِي يَوْمِ مِنَ الْأَيَّامِ قَدْ مَنَعَ عَنَّا الْمِيَاهَ أَوِ الْهَوَاءَ؟!

وَهَلْ مَنَعَ عَنْكَ شَيْئًا مِنْ نِعَمِهِ مَعَ أَنَّكَ مُذْنِبٌ؟!

وَأَيُّ شَيْءٍ أَعْطَاهُ لِغَيْرِكَ وَلَمْ يُعْطِهِ لَكَ؟!.

لَمْ يَتَأَخَّرِ الشُّعْبَانُ بِهَذَا الْكَلَامِ، وَفِي هَذِهِ الْأَثْنَاءِ ظَهَرَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْنَبِ الصَّغِيرِ زُرْقَةٌ مِنْ ضِيقِ التَّنَفُسِ، لَكِنَّ الْحَمَامَةَ لَمْ تَفْقِدْ أَمَلَهَا، فَقَالَتْ لِلثعْبَانِ:

- إِنَّ اللهَ يَمْحُو خَطَايَا الْمُذْنِبِ، وَيَعْفُو عَنْهُ بِفَضْلِ اسْمِهِ الكريم.

نَظَرَ الشُّعْبَانُ إِلَى الْحَمَامَةِ بِلَا مُبَالَاةٍ، وَقَالَ:

- حَسَنًا! لِيَغْفِرْ لِي هَذَا أَيْضًا.

- لا تَقُلْ هَذَا يَا أَخِي !

وَلَا تَسْتَهنَّ بمَا أَقُولُ، إِنَّهُ رَبُّكَ الَّذِي خَلَقَكَ، وَسَوَّاكَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، وَجَعَلَكَ بِهَذَا الشَّكْلِ، فَاحْمَدْهُ عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ، وَابْتَعِدْ عَنِ الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ.

- لَقَدْ مَلَلْتُ مِنْ كَلَامِكِ، ابْتَعِدِي مِنْ هُنَا وَإِلَّا سَتَنَالِينَ سَخَطِي!.

كَانَتِ الْحَمَامَةُ مِنْ نَاحِيَةٍ تُحَاوِلُ أَنْ تَكْسِبَ وَقْتًا، وَمِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى تَسْتَمِرُّ فِي الْحِوَارِ مَعَ الثَّعْبَانِ دُونَ أَنْ يَنْقَطِعَ أَمَلُهَا، فَقَالَتْ لَهُ:

- أَخِي الثّعْبَانَ !

أَنْصِتْ إِليَّ جَيِّدًا، مَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ، ومَنْ جَحَدَ النِّعْمَةَ فَلْيَعْلَمُ بِأَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْهُ لَا يَحْتَاجُ لِشُكْرِ أَحَدٍ، وَكَرِيمٌ فِي عَطَائِهِ، فَهَيَّا يَا أَخِي!

تُبْ وَارْجِعْ عَنْ هَذَا الْعِنَادِ.

لَمْ يَتَأَثَرِ الشُّعْبَانُ بِكُلّ هَذَا ، بَلْ عَلَى الْعَكْسِ زَادَ مِنْ ضَغْطِهِ عَلَى قَدَمِ الْأَرْنَبِ.

وَفِي النِّهَايَةِ اسْتَجْمَعَتِ الْحَمَامَةُ كُلَّ قُوَّتِهَا وَهَجَمَتْ عَلَى الثّعْبَانِ، وَضَرَبَتْهُ فِي رَأْسِهِ بِمِنْقَارِهَا، وَلَمْ يَكَدِ الثَّعْبَانُ يُصَدِّقُ بِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي فَعَلَتْ هَذَا، فَقَدْ جُرِحَ، وَبَدَأَتْ رَأْسُهُ وَعَيْنَاهُ تَدُورَانِ، فَتَرَكَ طَفَيْلًا مُتَأَثِرًا بِهَذَا الْأَلَمِ الْقَاتِلِ.

كَانَ الْأَرْنَبُ غَائِبًا عَنِ الْوَعْي، يَلْتَقِطُ أَنْفَاسَهُ بِصُعُوبَةٍ، وَأَقْبَلَتِ الْحَمَامَةُ نَحْوَهُ ، وَأَخَذَ الثَّعْبَانُ يَلْتَفِتُ حَوْلَهُ بَعْدَ أَنْ أَفَاقَ مِنْ ضَرْبَتِهِ، فَاسْتَدَارَ مِنْ وَرَاءِ الْحَمَامَةِ وَالْتَفَّ حَوْلَ قَدَمِهَا فَجْأَةً، ارْتَعَدَ الْأَرْنَبُ الصَّغِيرُ كَثِيرًا، وَحَاوَلَتِ الْحَمَامَةُ الْفِرَارَ مِنْهُ، لَكِنَّهَا فَشِلَتْ فِي ذَلِكَ، وَظَهَرَ غَضَبُ الثَّعْبَانِ كَثِيرًا، وَعَصَرَ قَدَمَ الْحَمَامَةِ بِكُلِّ مَا أُوتِيَ مِنْ قُوَّةٍ، وَكَانَتِ الْحَمَامَةُ تَضْرِبُهُ هُوَ الْآخَرُ بِمِنقَارِهَا كُلَّمَا سَنَحَتْ لَهُ فُرْصَةً.

لَكِنَّ الْحَمَامَةَ لَمْ تَكُنْ لُقْمَةً سَائِغَةً مِثْلَ الْأَرْنَبِ الصَّغِيرِ، بَلْ اسْتَمَرَّتْ فِي ضَرْبِهِ بِمِنْقَارِهَا، وَقَدْ تَأَلَّمَ الثَّعْبَانُ حَتَّى أَرْخَى ذَيْلَهُ عَنْ قَدَمِ الْحَمَامَةِ، لَكِنَّ الْحَمَامَةَ لَمْ تَتَوَقَّفْ عَنْ ضَرْبِهِ حَتَّى شَعَرَتْ بِأَنَّ الثَّعْبَانَ قَدْ تَعِبَ؛ لِأَنَّهَا لَوْ اسْتَمَرَّتْ فِي ضَرْبِهِ لَمَاتَ.

وَلَكِنَّ الثَّعْبَانَ عِنْدَمَا رَأَى الْحَمَامَةَ تَوَقَّفَتْ عَنْ ضَرْبِهِ، أَخَذَ يَعْصِرُ قَدَمَهَا ثَانِيَةً، وَيَجْمَعُ السُّمَّ فِي فَمِهِ، لِكَي يَلْدَغَ الْحَمَامَةَ فِي الْوَقْتِ الْمُنَاسِبِ، وَكَانَ الْأَرْنَبُ الصَّغِيرُ يَرَى مَا يَفْعَلُهُ الثعْبَانُ مِنْ مَكَانِهِ الْمُخْتَبِئ بِهِ، وَفَهِمَ سُوءَ نِيَّةِ الثعْبَانِ عِنْدَمَا رَآهُ يُدْخِلُ لِسَانَهُ وَيُخْرِجُهُ، فَرَكَضَ بِسُرْعَةٍ نَحْوَ الْقُنْفِذِ النَّائِمِ تَحْتَ شَجَرَةٍ، وَطَلَبَ مِنْهُ الْمُسَاعَدَةَ.

فَاتَّجَهَ الْقُنْفُذُ مُسْرِعًا وَانْقَضَّ عَلَى الثعْبَانِ، لَكِنَّ الثعْبَانَ اسْتَعَدَّ لِيَلْدَغَ الْقُنْفُذَ مِنْ رَأْسِهِ، لَكِنَّ الْقُنْفُذَ أَدْخَلَ رَأْسَهُ فِي قَوْقَعَتِهِ بِسُرْعَةٍ، وَأَدْخَلَ أَشْوَاكَهُ فِي فَمِ الثَّعْبَانِ، وَقَدْ تَرَكَ الثعْبَانُ الْحَمَامَةَ بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَ أَنَّهُ لَنْ يَسْتَطِيعَ أَنْ يَقِفَ أَمَامَ الْقُنْفُذِ، وَهَرَبَ إِلَى الْجُحْرِ.

شَكَرَتِ الْحَمَامَةُ الْقُنْفُذَ قَائِلَةً:

- شُكْرًا لَكَ يَا أَخِي الْقُنْفُذَ.

لَا تَشْكُرِينِي وَلَكِنِ اشْكُرِي الْأَرْنَبَ الصَّغِيرَ، فَلَوْلَاهُ لَكُنتُ نَائِمًا إِلَى الْآنَ.

لَمْ تَسْتَطِعِ الْحَمَامَةُ الْوُقُوفَ عَلَى قَدَمَيْهَا؛ لِأَنْ قَدَمَهَا مَا زَالَتْ تُؤْلِمُهَا، وَحَزِنَ الْأَرْنَبُ الصَّغِيرُ كَثِيرًا عَلَى مَا أَصَابَ الْحَمَامَةَ، وَقَالَ لَهَا:

- هَلْ تَشْعَرِينَ بِالْأَلم؟

الْحَمَامَةُ:

- لا، إِنَّ قَدَمِي هِيَ الَّتِي تُؤْلِمُنِي فَقَطْ ، وَسَيَزُولُ الأَلَمُ عَنْ قَدَمِي بَعْدَ قَلِيلِ بِإِذْنِ اللَّهِ.

تَابَعَتِ الْحَمَامَةُ حَدِيثَهَا قَائِلَةً:

أَتَعْلَمُ يَا أَخِي !

إِنَّنِي أَحْزَنُ عَلَى مَا فَعَلْتُهُ بِهِ، عَلَيْنَا أَلَّا تُؤْذِي الْآخَرِينَ مَهْمَا كَانَ.

- مَا تَقُولِينَهُ صَحِيحٌ، لَكِنَّهُ يَسْتَحِقُ هَذَا.

- لَكِنْ مِنَ الْمُؤَكَّدِ أَنَّ لَهُ نَوَاحِيَا إِيجَابِيَّةً، فَرَبُّنَا لَمْ يَخْلُقُ شَيْئًا عَبَثًا.

نَظَرَتِ الْحَمَامَةُ إِلَى الْجُحْرِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ الثّعْبَانُ، وَقَالَتْ فِي حُزْنٍ:

- يَا تُرَى !

هَلْ يَشْعُرُ الْمِسْكِينُ بِأَلَمٍ شَدِيدٍ؟!

- لَا تَحْزَنِي يَا أُخْتَاهُ !

فَلَنْ يُصِيبَهُ مَكْرُوهُ، إِنَّهُ سَيَتَحَسَّنُ بِإِذْنِ اللهِ لأَنَّ جُرُوحَهُ لَيْسَتْ خَطِيرَةً.

قَالَتِ الْحَمَامَةُ:

- أَنَا أَعْتَقِدُ أَنَّ مَا فَعَلَهُ كَانَ فِي لَحْظَةٍ غَضَبٍ، وَلَو أَنَّهُ فَكَّرَ بِهُدُوءٍ عِنْدَمَا وَطِئَهُ الْأَرْنَبُ دُونَ قَصْدٍ، لَمَا وَصَلَ الْأَمْرُ إلَى هَذَا الْحَدِ.

قَالَ الْقُنْفُذُ :

- لَكِنَّهُ كَانَ سَيَلْدَغُكِ بِسُمِّهِ.

- لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا، إِنَّ وُجُودَكَ هُنَا فِي هَذَا الْوَقْتِ لَمْ يَكُنْ صُدْفَةً؛ فَرَبَّنَا هُوَ مَنْ أَرْسَلَكَ إِلَيْنَا، وَهُوَ الْكَرِيمُ" الَّذِي أَنْقَذَنَا، وَأَنْتَ مُجَرَّدُ سَبَبٍ لإنْقَاذِنَا، عَلَيَّ أَنْ أَشْكُرَكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّكَ أَلْقَيْتَ نَفْسَكَ فِي الْخَطَرِ مِنْ أَجْلٍ مُسَاعَدَتِنَا.

- كَمَا قُلْتِ يَا أُخْتِي الْحَمَامَةَ !

نَحْنُ مُجَرَّدُ أَسْبَابٍ، وَمَا حَدَثَ كَانَ بِفَضْلِ الْكَرِيمِ الْوَاسِع رَبَّنَا .

نَظَرَتِ الْحَمَامَةُ إِلَى الْقُنْفُذِ نَظْرَةَ امْتِنَانِ، وَقَالَتْ لَهُ:

مَا اسْمُكَ يَا أَخِي؟!

إِنَّنَا إِلَى الْآنَ لَا نَعْرِفُ اسْمَكَ!.

تَبَسَّمَ الْقُنْفُذُ، وَقَالَ:

- لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ بِاسْمِي لَضَحِكْتُمْ عَلَيَّ إِنَّهُ اسْم اخْتَارَهُ لي أَصْدِقَائِي لِلْفُكَاهَةِ، وَالْكُلُّ يُنَادِينِي بِهَذَا الِاسْمِ.

هَيَّا!

أَخْبِرْنَا بِهَذَا الِاسْمِ الْفُكَاهِي.

لَمْ يَتَمَالَكِ الْقُنْفُذُ نَفْسَهُ مِنَ الضَّحِكِ، وَقَالَ:

- اسْمِي ذُو الشَّعْرِ النَّاعِمِ.

ضَحِكَ الْأَرْنَبُ وَالْحَمَامَةُ، وَرَدَّدَا فِي دَهْشَةٍ:

- ذُو الشعر الناعم !.

- أَلَمْ يُعْجِبْكُمُ اسْمِي ؟!

إِنَّهُ أَنسَبُ اسْمِ يُطْلَقُ عَلَى مَنْ لَهُ شَعْرٌ نَاعِمٌ مِثْلِي.

ثُمَّ أَخَذَ الْقُنْفُذُ يَضْحَكُ مَعَهُمْ، وَفِي هَذِهِ الْأَثْنَاءِ أَخْرَجَ الثّعْبَانُ رَأْسَهُ مِنَ الْجُحْرِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ قَبْلَ قَلِيل، وَقَالَ غَاضِبًا:

- أَنَا مُتَأَكِدٌ أَنَّكُمْ تَضْحَكُونَ لِمَا أَصَابَنِي!

أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟!

سَنَرَى هَلْ سَتَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَضْحَكُوا ثَانِيَةً بَعْدَ أَنْ أُخْبِرَ أَصْدِقَائِي بِمَا فَعَلْتُمُوهُ بِي.

اَلْحَمَامَةُ:

- لَقَدْ أَخْطَأْتَ فَهُمَنَا يَا أَخِي !

فَنَحْنُ لَمْ نَكُنْ نَضْحَكُ عَلَيْكَ.

- لَا تَكْذِبِي مِنَ الْوَاضِح جدًّا أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَضْحَكُونَ عَلَيَّ.

دَعْكَ مِنَ الْعَدَاوَةِ يَا أَخِي فَكَمَا أَنْ لَكَ أَصْدِقَاءَ فَإِنْ

لَنَا أَصْدِقَاءَ أَيْضًا وَهُمْ كَثِيرُونَ عَلَى ضِفَّةِ الْبُحَيْرَةِ، لَوْ نَادَيْتُهُمْ لَأَوْسَعُوكَ وَأَصْدِقَاءَكَ ضَرْبًا، وَلَكِنْ مَا الْفَائِدَةُ مِنَ الْعَدَاوَةِ؟!.

بَدَا الْخَوْفُ عَلَى الثَّعْبَانِ، فَتَابَعَتِ الْحَمَامَةُ حَدِيثَهَا:

- أنْظُرْ إِلَى الْعَالَمِ مِنْ حَوْلِكَ، كَمْ هُوَ وَاسِعٌ رَبُّنَا الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الْكَرِيمُ قَدْ خَلَقَ لَنَا كُلَّ هَذِهِ النِّعَمِ الَّتِي لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى، وَزَيَّنَ الْعَالَمَ بِكُلِّ مَظَاهِرِ الْجَمَالِ الَّتِي تَتَرَاءَى مِنْ حَوْلِكَ؛ فَهَذِهِ النِّعَمُ لَا تَنْفَدُ، أَنْظُرْ إِلَى هَذَا الْمَرْعَى كَمْ هُوَ وَاسِعٌ !

إِنَّهُ يَسَعُ الْمَلَايِينَ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ أَمْثَالِنَا، كُلُّنَا نَتَشَارَكُ فِيهِ، فَمَا الدَّاعِي لِلشَّجَارِ فِيمَا بَيْنَنَا؟! .

تَأَثَّرَ الثَّعْبَانُ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ الْجَمِيلَةِ كَثِيرًا، لَكِنَّهُ حَاوَلَ أَنْ يُخْفِيَ هَذَا، فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ فِي الْجُحْرِ كَيْلَا يَرَى أَحَدٌ وَجْهَهُ.

قَالَ الْقُنْفُذُ لِلْحَمَامَة :

- إِنَّكِ أَتعَبْتِ نَفْسَكِ دُونَ دَاعٍ؛ إِنَّهُ لَنْ يَتَأَثَرَ بِمَا تَقُولِينَ أَبَدًا.

تَبَسَّمَتِ الْحَمَامَةُ لِلْقُنْفُذِ، وَقَالَتْ:

- سَيَتَأَثَرُ يَا أَخِي لَا بُدَّ أَنَّهُ سَيَتَأَثَرُ، وَكَمَا قَالَ أَجْدَادُنَا: "الْكَلَامُ الْعَذَبُ يُخْرِجُ الثَّعْبَانَ مِنْ جُحْرِهِ، هَذَا الْمَثَلُ لَمْ يُقَلْ مِنْ فَراغ.

- لَا أَعْتَقِدُ هَذَا، فَإِنَّ هَذِهِ الثعَابِينَ لَا تَفْهَمُ الْكَلَامَ الْعَذْبَ.

- لَا تَحْكُمْ عَلَيْهِ بِهَذَا الشَّكْل كُلُّ مَا عَلَيْنَا فِعْلُهُ هُوَ أَنْ نُخْبِرَهُ بِالصَّحِيحِ، وَنُحَذِرَهُ مِنَ الْخَطَأ، وَالْعَاقِبَةُ لِلَّهِ .

- أَنْتِ عَلَى حَقِّ يَا أُخْتَاهُ!.

كَانَتِ الْحَمَامَةُ فِي هَذِهِ الْأَثْنَاءِ تَنْظُرُ إِلَى جُحْرِ الثعْبَانِ مِنْ بَعِيدٍ، وَهِيَ مُتَأَكِدَةٌ أَنَّهُ يَسْمَعُهَا؛ لِذَلِكَ تَابَعَتْ كَلَامَهَا:

- إِنَّ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى "الْكَرِيمَ"، وَهُوَ يَعْنِي أَنَّهُ ذُو الْكَرَمِ وَالْإِحْسَانِ الْكَبِيرِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَجَلَّى اسْمُ الْكَرِيمِ عَلَى عِبَادِهِ؛ لِذَلِكَ عَلَيْنَا أَنْ نُعِينَ الْآخَرِينَ وَنُسَاعِدَهُمْ وَنُكْرِمَهُمْ دُونَ مُقَابِلِ، وَأَنْ نَعْفُو عَمَّنْ أَخْطَأَ فِي حَقِنَا وَنَصْفَحَ عَنْهُ، وَأَنْ نُقَابِلَ السَّيِّئَةَ بالْحَسَنَةِ، وَأَنْ نَعْمَلَ عَلَى تَرْكِ السُّلُوكِيَّاتِ السَّيِّئَةِ، وَأَلَّا تُؤْذِي الآخرين.

دَخَلَ الثَّعْبَانُ فِي أَعْمَاقِ الْجُحْرِ خَجَلًا مِمَّا سَمِعَهُ، وَاسْتَمَرَّتِ الْحَمَامَةُ فِي كَلَامِهَا:

- إِنَّ كَرَمَ اللَّهِ وَعَفْوَهُ كَبِيرٌ جِدًّا لِمَنْ لَمْ يَنْقَطِعْ أَمَلُهُ مِنْهُ، فَلَوْلَا كَرَمُهُ تَعَالَى وَإِحْسَانُهُ لَمَا وَجَدْنَا لُقْمَةً وَاحِدَةً أَوْ قَطْرَةَ مَاءٍ قَطُّ .

كَانَ القُنْفُذُ يَنْظُرُ إلَى الْحَمَامَةِ بِإِعْجَابٍ كَبِيرٍ، فَهُوَ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ كُلَّ مَا تَحَدَّثَتْ عَنْهُ أَيْضًا، بَلْ نَدِمَ عَلَى مَا قَالَهُ، وَفَهِمَ أَنَّ الثعْبَانَ كَانَ يَتَصَرَّفُ بِكُلِّ هَذَا مِنْ شِدَّةِ جَهْلِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُفَكِّرْ مِنْ أُفِقٍ وَاسِع كَمَا فَعَلَتِ الْحَمَامَةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى قَدْرٍ مِنَ الْعِلْمِ كَالْحَمَامَةِ.

الْحَمَامَةُ:

- يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْرِفَ اللَّهَ بِأَسْمَائِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفِ الْعَبْدُ رَبَّهُ بِأَسْمَائِهِ، كَانَتِ الْعَلَاقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ نَاقِصَةٌ؛ فَالْمُدَاوَمَةُ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ بِأَسْمَائِهِ شِفَاءٌ لِلْقَلْبِ.

تَوَقفَتِ الْحَمَامَةُ فَجْأَةً إِذْ خَطَرَ بِبَالِهَا شَيْءٌ، ثُمَّ قَالَتْ:

- مِنَ الْمُؤَكَّدِ أَنَّ الصَّنَوْبَرَةَ الصَّغِيرَةَ زَادَ قَلَقُهَا عَلَيْنَا، مِنْ فَضْلِكَ أَيُّهَا الْأَرْنَبُ اذْهَبْ إِلَى الصَّنَوْبَرَةِ وَاحْكِ لَهَا مَا حَدَثَ، وَأَنَا سَأَلْحَقُ بِكَ مَعَ أَخِي الْقُنْفُذِ بَعْدَ قَلِيلٍ.

ذَهَبَ الْأَرْنَبُ لِإِخْبَارِ الصَّنَوْبَرَةِ، وَاتَّجَهَتِ الْحَمَامَةُ مَعَ الْقُنْفُذِ نَحْوَ حَافَةِ الْبُحَيْرَةِ، فَقَالَ لَهَا الْقُنْفُذُ:

- أَتَظُنِّينَ أَنَّ التَّعْبَانَ سَيَفْعَلُ مَا قُلْتِهِ؟!

أَمْ سَيَجْمَعُ أَصْدِقَاءَهُ لِلشَّجَارِ مَعَنَا؟!.

- لَا أَعْتَقِدُ هَذَا؛ لِأَنَّهُ نَدِمَ عَلَى مَا فَعَلَ أَيْضًا، لَكِنَّ كِبْرِيَاءَهُ جَعَلَهُ لَا يُظْهِرُ ذَلِكَ عَلَى أَيَّةِ حَالٍ سَنَتْرُكُهُ يُفَجِّرُ مَعَ نَفْسِهِ، لَقَدْ أَدَّيْنَا الْوَاجِبَ عَلَيْنَا.

وَعِنْدَمَا وَصَلَا قُرْبَ الْبُحَيْرَةِ وَجَدَا مَجْمُوعَةٌ كَبِيرَةً مِنَ الْأَصْدِقَاءِ الْعُصْفُورِ نُغَيْرِ، وَالْأَرْنبِ الْحَكِيمِ، وَبَاقِي الْأَصْدِقَاءِ الْجَمِيعُ يَجْلِسُ عَلَى حَافَةِ الْبُحَيْرَةِ، وَالْأَسْمَاكُ تُحِلُّ عَلَيْهِمْ مِنَ الْبحَيْرَةِ، وَكَانَ الْأَرْنَبُ الْحَكِيمُ يَقْرَأُ عَلَيْهِمْ شَيْئًا.

- اَلسَّلَامُ عَلَيْكُمُ يَا أَصْدِقَاءُ.

الْجَمِيعُ:

- وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ.

الْحَمَامَةُ:

- هَذَا صَدِيقِي الْقُنْفُذُ يُدْعَى ذَا الشَّعْرِ النَّاعِمِ.

ضَحِكَ الْجَمِيعُ لَمَّا سَمِعُوا هَذَا الِاسْمَ، فَأُخْرَجَتِ الْحَمَامَةُ كَثِيرًا مِنْ هَذَا، لَكِنَّ الْقُنْفُذَ لَمْ يُبَالِ، بَلْ نَظَرَ إِلَى الْحَمَامَةِ، وَقَالَ:

- لَقَدْ أَخْبَرْتُكِ أَنَّنِي اعْتَدْتُ ذَلِكَ، فَأَيُّ قُنْفُذٍ يَحْمِلُ هَذَا الاِسْمَ لَا بُدَّ أَنْ يُطِيقَ كُلَّ مَا سَيُلَاقِيهِ مِنْ مَوَاقِفَ.

ثُمَّ شَارَكَهُمْ الضَّحِكَ أَيْضًا، فَزَادَ ضَحِكُ الْجَمِيعِ.

عَدَّلَ الْأَرْنَبُ الْحَكِيمُ وَضْعَ نَظَّارَتَهِ، وَقَالَ:

- هَيَّا يَا أَصْدِقَائِي لِمُكْمِلِ الْقِرَاءَةَ، كُنَّا نَقْرَأُ عَن اسْمِ اللهِ " الْكَرِيمُ" قَبْلَ مَجِيئِكُمْ.

بَدَا السُّرُورُ عَلَى الْحَمَامَةِ، وَفَكَّرَتْ فِي نَفْسِهَا قَائِلَةً:

- سُبْحَانَ اللهِ! .

الْقُنْفُذُ:

- نَعَمْ، سُبْحَانَ اللَّهِ!

يَا لَهَا مِنْ مُصَادَفَةٍ!.

الْحَمَامَةُ:

- إِنَّهَا لَيْسَتْ مُصَادَفَةٌ بَلْ هِيَ مُوَافَقَةٌ، وَسَأَشْرَحُ لَكَ مَعَنَى الْمُوَافَقَةِ بَعْدَ الْمُسَامَرَةِ.

ثُمَّ الْتَفَتَتْ نَحْوَ الْأَرْنَب الحكيم، وَقَالَتْ:

- لَا تُؤَاخِذْنِي يَا أَخِي!

لَقَدْ قَاطَعْنَا حَدِيثَكُمْ، تَابِعْ مِنْ فَضْلِكَ.

أَخَذَ الْأَرْنَبُ الْحَكِيمُ يَقْرَأُ شَيْئًا فَشَيْئًا:

- تَعَالَ لِنَنْظُرْ إِلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ بِإِمْعَانٍ فَهَا هُوَ فَصْلُ الرَّبِيعِ قَدْ أَقْبَلَ !

لَقَدْ نَبَتَتْ أَوْرَاقُهَا الْخَضْرَاءُ، وَأَزْهَارُهَا الْجَمِيلَةُ، وَنَضِجَتْ ثِمَارُهَا بِحِكْمَةٍ وَكَرَمٍ مِنَ اللهِ، فَكُلُّ مَا فِي الْكَوْنِ مِنْ نِظَامٍ وَاتِّزَانٍ وَقِيَاسِ بَدِيعِ، وَكُلُّ مَا فِي الْكَائِنَاتِ مِنْ نَفْسٍ وَفَنِّ وَأَلْوَانِ وَأَذْوَاقٍ، وَرَائِحَةٍ فَوَّاحَةٍ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي السَّمَاءِ، هُوَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ الْحَكِيمِ الْكَرِيمِ الرَّحِيمِ، ذِي الْفَضْلِ وَالْمِنَّةِ، الْمُعْطِي الرَّزَّاقِ.

نَظَرَتِ الْحَمَامَةُ إِلَى مَنْ حَوْلَهَا وَاحِدًا تِلْوَ الْآخَرِ، فَإِذَا الْجَمِيعُ هائم في التفكير، ثُمَّ قَالَ الْأَرْنَبُ الْحَكِيمُ:

- أَمَلَلْتُمْ ؟ أَتَوَقفُ إِنْ شِئتُمْ؟!.

- نَرْجُوكَ أَكْمِلْ، لَا تَتَوَقَّفُ مَا تَقْرَأَهُ عَلَيْنَا مُمتع جدًّا.

- إِنَّهُ سُبْحَانَهُ يُوَفِّرُ احْتِيَاجَاتِ كُلَّ الْكَائِنَاتِ، وَخَاصَّةُ الضَّعِيفَةِ مِنْهَا، وَالصَّغِيرَةِ فِي الْمَاءِ وَالْهَوَاءِ بِطُرُقٍ عَظِيمَةٍ مُخْتَلِفَةٍ.

إِنْتَبَهَتِ الْأَسْمَاكُ الصَّغِيرَةُ أَكْثَرَ عِنْدَمَا سَمِعَتْ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ.

- يَخْلُقُ سُبْحَانَهُ تِلْكَ الْأَشْيَاءَ مِنَ الْبُذُورِ الْمُتَشَابِهَةِ، وَمِنْ قَطَرَاتِ الْمِيَاهِ، وَذَرَّاتِ التُّرَابِ؛ فَالْأَسَدُ الشَّرِسُ يَرْعَى صِغَارَهُ، وَصِغَارُ الْبَشَرِ وَالْحَيَوَانَاتِ تُغَذِّيهِمْ أُمَّهَاتُهُمْ بِلَبَن صَافِ يَخْرُجُ مِنْ ثَدْيِهَا، وَيُرْسِلُ اللهُ رِزْقَهُ إِلَى الْأَسْمَاكِ وَغَيْرِهَا مِمَّنْ يَعِيشُ فِي الْمَاءِ، وَيُزَيِّنُ وَيُجَمِلُ الْيَابِسَةَ لِلمَخْلُوقَاتِ الَّتِي تَعِيشُ عَلَيْهَا، وَيُوَفِّرُ لَهُمْ رِزْقَهُمْ.

الْأَرْنَبُ الْحَكِيمُ:

- الآنَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنتَبهوا!

فَسَتَعْرِفُونَ رَبَّكُمُ الْكَرِيمَ جَيْدًا.

ثُمَّ تَابَعَ حَدِيثَهُ قَائِلًا:

- بَيْنَمَا تُدَفِّئ الشَّمْسُ الْكَوْنَ بِحَرَارَتِهَا وَضَوْئِهَا، فَهِيَ فِي نَفْسِ الْوَقْتِ تُسَاعِدُ فِي نُضْحِ الثَّمَارِ.

اِسْتَمَعَ الْقُنْفُذُ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ فِي نَفْسِهِ: كَمْ كَانَ هَذَا الْكَلَامُ مُقْنِعًا وَجَمِيلًا، فَهُوَ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مِنْ قَبْلُ أَنَّ الشَّمْسَ تُسَاعِدُ فِي نُضج الثَّمَارِ حَقًّا إِنَّ كُلَّ الْحَيَوَانَاتِ لَا تَحْتَاجُ

إِلَى طَهْي طَعَامِهَا قَبْلَ الْأَكْلِ، حَتَّى إِنَّ الْإِنْسَانَ يَأْكُلُ كَثِيرًا مِنَ الْأَطْعِمَةِ النَّاضِجَةِ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ إلَى طَهي.

اِسْتَمَرَّ الْأَرْنَبُ الْحَكِيمُ فِي الْقِرَاءَةِ، وَالْكُلُّ يُنْصِتُ بِإِمْعَانٍ، إِلَى أَنْ حَلَّ الظُّلَامُ، فَقَالَ:

- لَقَدْ حَلَّ الظَّلَامُ، نَحْنُ نَشْتَاقُ كَثِيرًا إِلَى الْقِرَاءَةِ وَلَكِنْ يَكْفِي هَذَا الْقَدْرُ الْيَوْمَ.

الْحَمَامَةُ:

- إِذَا فَلْننْهِهِ بِالدُّعَاءِ.

- اَللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا فَضْلَكَ وَكَرَمَكَ يَا كَرِيمُ !

يَا اَللهُ !.

الْجَمِيعُ فِي صَوْتٍ وَاحِدٍ:

- آمين.

اقرأ ايضا

تعليقات