اسماء الله الحسنى للاطفال قصة على ألسنة الحيوانات بعنوان كَمْ أَنَا ضَعِيفٌ عَاجِز!
مع قصة جديدة من سلسلة قصص اسماء الله الحسنى وقصة اليوم بعنوان كَمْ أَنَا ضَعِيفٌ عَاجِز! وهي قصة مكتوبة على ألسنة الحيوانات للاطفال نتمنى أن تنال رضاكم.
قصة كم أنا ضعيف مكتوبة
انْتَهَى فَضْلُ الشَّتَاءِ الْقَارِسِ، وَجَاءَ الرَّبِيعُ بِكُلِّ جَمَالِهِ، ذَابَتِ الثلوج، وَتَكَوَّنَتِ الْجَدَاوِلُ الصَّغِيرَةُ ، فَسَلَكَتْ طُرُقًا مُخْتَلِفَةً، وَالْتَقَتْ عِنْدَ الْبُحَيْرَةِ، حَتَّى امْتَلَأَتْ بِالْمِيَاهِ الْقَادِمَةِ مِنَ الْجَدَاوِلِ وَقِمَمِ التِّلَالِ، وَسَعِدَتِ الْبُحَيْرَةُ بِذَلِكَ، لِأَنَّ تَدَفُّقَ الْمِيَاهِ فِيهَا بِشَارَةٌ لَهَا بِالْأَيَّامِ الْمُزْهِرَةِ، وَهُوَ فِي نَفْسِ الْوَقْتِ مَصْدَرُ غِذَاءٍ لِمَنْ يَعِيشُ فِيهَا .
انْتَعَشَتِ الْبُحَيْرَةُ، وَزَادَتِ الْحَرَكَةُ فِي قَاعِهَا؛ فَالْأَسْمَاكُ تَفْرَحُ بِالْغِذَاءِ الَّذِي تَحْمِلُهُ الْمِيَاهُ، ثُمَّ ابْتَسَمَتِ الْبُحَيْرَةُ، وَقَالَتْ لِلْأَسْمَاكِ الصَّغِيرَةِ:
- اِنْتَبِهُوا يَا صِغَارُ! فَقَدْ يَكُونُ فِي الْأَطْعِمَةِ نُفَايَاتٌ ضَارَّةٌ.
كَانَتِ السَّمَكَةُ سِمْسِمَةُ تُفَكِّرُ فِي الْأَمْرِ ذَاتِهِ؛ إِذْ كَانَتْ تُنَبِّهُ الْأَسْمَاكَ الصَّغِيرَةَ مِرَارًا وَتَكْرَارًا، لَكِنْ دُونَ فَائِدَةٍ، وَاشْتَكَتْ إِلَى الْبحَيْرَةِ قَائِلةً:
- إِنَّهُمْ لَا يُصْغُونَ إِلَيَّ يَا صَدِيقَتِيَ الْبُحَيْرَةَ يَا تُرَى مَاذَا عَلَيْنَا أَنْ نَفْعَلَ؟!.
قَالَتِ الْبُحَيْرَةُ:
- يُمْكِنُكِ أَنْ تُخْبِرِي السَّمَكَةَ ذَاتَ الْقِشْرِ اللَّامِع ؛ فَمِنَ الْمُحْتَمَل أَنْ يَخَافُوا مِنْهَا.
- يَا صَدِيقَتِي الْبُحَيْرَةَ إِنَّهُمْ لَا يَعُونَ هَذَا؛ فَهُمْ صِغَارٌ، لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْخَطَأَ وَالصَّوَابِ، وَإِذَا أَخْبَرْتُ السَّمَكَةَ ذَاتَ الْقِشْرِ اللَّامِعِ فَإِنَّهَا قَدْ تُعَامِلُهُمْ بِقَسْوَةٍ.
- أَنْتِ مُحِقَّةٌ، إِذًا هَذِهِ هِيَ مُهِمَّتُكِ.
حَسَنًا صَدِيقَتِي الْبُحَيْرَةَ نَادِيهِمْ؛ لِيَجْتَمِعُوا.
الْبُحَيْرَةُ:
- حَسَنًا ! .
وَاهْتَزَّتِ الْبُحَيْرَةُ فَحَدَثَتْ مَوْجَةٌ كَبِيرَةٌ، وَازْدَادَتِ الْفُقَاعَاتُ، وَخَافَتِ الْأَسْمَاكُ الصَّغِيرَةُ كَثِيرًا، وَحَاوَلَتِ الْبُحَيْرَةُ أَنْ تُهَدِّئَ مِنْ رَوْعِهَا، وَقَالَتْ:
- لَا تَخَافُوا يَا صِغَارُ! فَسَأَهْدَأُ الْآنَ.
غَضِبَتِ السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِعِ، وَصَاحَتْ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ:
- هَلْ أَنْتِ مَنْ فَعَلَ هَذَا؟!
أَلَا تَعْلَمِينَ أَنِّي نَائِمَةٌ؟!.
- سَامِحِينِي يَا صَدِيقَتِي!.
كَانَتِ السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِعِ تُحِبُّ الشَّجَارَ كَثِيرًا؛ لِذَلِكَ طُرِدَتْ مِنَ الْبُحَيْرَةِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعِيشُ فِيهَا مِنْ قَبْلُ، لَكِنَّهَا عَادَتْ إِلَيْهَا مُنْذُ بِضْعَةِ أَيَّامٍ، لَكِنَّهَا لَمْ تَتَخَلَّ عَنْ سُلُوكِهَا السَّيِّنِ هَذَا، وَهَذِهِ الْبُحَيْرَةُ يَغْلِبُ عَلَيْهَا الْهُدُوءُ؛ فَلَا مَجَالَ فِيهَا لِلْمَخَاطِرِ.
نَادَتْهَا السَّمَكَةُ سِمْسِمَةُ قَائِلَةً:
- تَعَالَيْ؛ لِنَتَحَدَّثْ فِي مَكَانٍ هَادِيَّ، أَنْتَظِرُوا هُنَا يَا أَصْدِقَائِي! سَآتِيكُمْ بَعْدَ قَلِيلٍ.
اِصْطَحَبَتْهَا سِمْسِمَةُ إِلَى مَكَانٍ هَادِيَّ، وَقَالَتْ:
- يَا ذَاتَ الْقِشْرِ اللَّامِعِ أُرِيدُ أَنْ أُعْلِمَكِ أَنَّنَا لَا نُحِبُّ هَذَا السُّلُوكَ، وَإِنْ لَمْ تَتَخَلَّ عَنْهُ فَارْحَلِي عَنَّا.
- مَاذَا فَعَلْتُ؟! لِمَ كُلُّ هَذَا؟!.
- أَنْتِ تَعْرِفِينَ جَيْدًا مَاذَا فَعَلْتِ!
لَا تَنْسَيْ أَنَّكِ قَضَيْتِ الشَّتَاءَ الْمَاضِيَ وَحِيدَةً فِي الْبُحَيْرَةِ الَّتِي كُنْتِ فِيهَا؛ فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَتَحَدَّثُ مَعَكِ، عُودِي إِلَيْهَا ثَانِيَةً إِنْ أَرَدْتِ قَبْلَ أَنْ يَذُوبَ الثلْجُ؛ لِأَنَّ الثلْجَ إِذَا ذَابَ وَتَفَرَّقَتْ مِيَاهُهُ فَلَنْ تَسْتَطِيعِي الْعَوْدَةَ إِلَى الْبُحَيْرَةِ الصَّغِيرَةِ، حَتَّى وَلَو كُنْتِ تَرْغَبِينَ فِي ذَلِكَ.
طأطأت السمكَةُ ذَاتُ القشر اللامع رَأْسَهَا، وَقَالَتْ:
- إِنَّنِي أَوَدُّ البقاء هنا، وَلَا أَرْغَبُ فِي الرَّحِيلِ عَنْكُمْ.
- إِذَا أَرْجُوكِ أَنْ تَلْتَزِمِي بِالْقَوَانِين مَعَنَا؛ لِئَلَّا تَكُونَ نَمُوذَجًا سَيْئًا لِلصَّغَارِ.
السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِعِ رَغْمًا عَنْهَا:
- حَسَنًا سَأَنْتَبِهُ لِتَصَرُّفَاتِي مِنَ الْآنَ فَصَاعِدًا.
عَادَتِ السَّمَكَةُ سِمْسِمَةُ إِلَى الْأَسْمَاكِ الصَّغِيرَةِ، فَتَجَمَّعُوا حَوْلَهَا، وَسَلَّمَتْ عَلَيْهِنَّ وَاحِدَةً تِلْوَ الْأُخْرَى، ثُمَّ ابْتَسَمَتْ قَائِلَةً:
- لَقَدْ خِفْتُمْ قَلِيلًا أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟!
فَالْحَيَاةُ كَمَا فِيهَا السَّعَادَةُ فِيهَا الْحُزْنُ؛ وَلَوْ أَطَالَ اللهُ عُمُرَكُمْ فَسَتَجِدُونَ حَيَاةً وَاسِعَةً تُوَاجِهُونَ فِيْهَا الْكَثِيرَ وَالْكَثِيرَ ، وَمَا تَتَعَلَّمُونَهُ مِنْ سُلُوكِيَّاتٍ فِي هَذِهِ السِّنِّ فَسَيَكُونُ سَبَبًا فِي سَعَادِتِكُمْ أَوْ شَقَائِكُمْ فِيمَا بَعْدُ، فَاصْغُوا جَيِّدًا لِآبَائِكُمْ، وَلَا تَعْصُوا لَهُم أَمْرًا؛ لِأَنَّ الْمَخَاطِرَ تُحِيطُ بِنَا، فَانْتَبِهُوا لِأَنْفُسِكُمْ.
سَكَتَتِ السَّمَكَةُ سِمْسِمَةُ قَلِيلًا، وَنَظَرَتْ إِلَى الْأَسْمَاكِ الصَّغِيرَةِ، ثُمَّ أَكْمَلَتْ حَدِيثَهَا:
- إِنَّ قَاعَ الْبُحَيْرَةِ مَلِيءٌ بِالنُّفَايَاتِ الضَّارَةِ، وَإِيَّاكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا أَيَّ شَيْءٍ تَجِدُونَهُ؛ فَالْأَسْمَاكُ الْكَبِيرَةُ هِيَ الَّتِي سَتُخْبِرُكُمْ بِمَا يَنْبَغِي أَنْ تَأْكُلُوهُ.
سَمَكَةٌ صَغِيرَةً جَمِيلَةٌ:
- أَنَا خَائِفَةٌ جِدًّا، لِمَاذَا جِئْنَا إِلَى هَذَا الْعَالَمِ الْمَلِي بِالْمَخَاطِرِ؟!.
سَمَكَةٌ أُخْرَى:
- نَعَمْ، إِنَّ صَدِيقَتِي مُحِقَّةٌ فِيمَا تَقُولُ، لَقَدْ كُنَّا فِي رَاحَةٍ تَامَّةٍ دَاخِلَ الْبَيْضِ، وَمَا إِنْ خَرَجْنَا إِلَى هَذَا الْعَالَمِ حَتَّى أَصْبَحْنَا نَخَافُ مِنَ النُّفَايَاتِ الضَّارَةِ، وَنَهْرُبُ مِنَ الْأَسْمَاكِ الْكَبِيرَةِ، وَلَمْ نَعُدْ نَجِدُ رَاحَةُ فِي هَذَا الْعَالَم.
اِبْتَسَمَتِ السَّمَكَةُ سِمْسِمَةُ، فَقَدْ كَانَتِ الْأَسْمَاكُ الصَّغِيرَةُ لَطِيفَةٌ جدًّا، ثُمَّ قَالَتْ:
- لَا تَيْأَسُوا يَا أَطْفَالُ فَإِنَّ لَذَّةَ الْحَيَاةِ تَكْمُنُ فِي تِلْكَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَرَوْنَهَا عَقَبَاتٍ، وَعِنْدَمَا تَكْبُرُونُ سَتَفْهَمُونَ ذَلِكَ جَيْدًا.
كَانَتِ السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِعِ تَسْمَعُ حَدِيثَهُمْ فِي خَفَاءٍ، وَتُحَاوِلُ انْتِهَازَ الْفُرْصَةِ لِتَحْرِيفِ مَا قَالَتْهُ السَّمَكَةُ سِمْسِمَةُ؛ لِذَلِكَ دَارَتْ حَوْلَ الْأَسْمَاكِ لِتُشْعِرَهُمْ بِوُجُودِهَا، وَفَهِمَتِ السَّمَكَةُ سِمْسِمَةُ مَا تُبَيِّتُهُ السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِعِ مِنْ نِيَّةٍ سَيِّئَةٍ، فَأَرَادَتْ أَنْ تُحَذِرَهَا مِنْ فِعْلِهَا هَذَا، لَكِنَّهَا رَأَتْ أَلَّا تَتَشَاجَرَ مَعَهَا أَمَامَ الصِّغَارِ، وَقَالَتْ فِي نَفْسِهَا:
- مِنَ الْأَفْضَل أَنْ أَغْضَ الطَّرْفَ عَنْهَا الْآنَ.
فَشِلَتِ السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِعِ فِي جَذْبِ الْأَنْظَارِ إِلَيْهَا، فَكَرَّرَتِ الْحَرَكَةَ ثَانِيَةً، وَلَكِنَّهَا فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ هَزَّتْ زَعَانفَهَا وَذَيْلَهَا بِشَكل أقْوَى وَأسْرَعَ، وَهُوَ مَا أَثَارَ الْمِيَاه فِي نَاحِيَتِهِ، وَأَزْعَجَ الْأَسْمَاكَ الْأُخْرَى.
تَمَالَكَتِ السَّمَكَةُ سِمْسِمَةُ نَفْسَهَا بِصُعُوبَةٍ، وَخَافَتِ الْأَسْمَاكُ الصَّغِيرَةُ كَثِيرًا ، وَاسْتَمَرَّتِ السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِعِ فِي تَصَرُّفِهَا، وَعِنْدَمَا لَمْ تَجِدْ عِنْدَهُمْ صَدًى لِمَا فَعَلَتْهُ، سَأَلَتْ نَفْسَهَا قَائِلَةٌ، كَيْفَ يَتَجَاهَلُونَنِي؟!
ثُمَّ قَامَتْ بِمُضَاعَفَةِ سُرْعَتِهَا، وَهُوَ مَا هَيَّجَ الْمِيَاهَ أَكْثَرَ مِنْ قَبْلُ.
وَقَدِ ازْدَادَ تَوَتُّرُ السَّمَكَةِ سِمْسِمَةَ كَثِيرًا، وَبَدَأَ صَبْرُهَا يَنْفَدُ، لَكِنْ عَلَيْهَا أَلَّا تَقَعَ فِي الْفَحْ فَالْوَاجِبُ فِي مِثْل هَذِهِ الْأَحْوَالِ هُوَ الْهُدوء.
السَّمَكَةُ سِمْسِمَةُ:
- هَيَّا يَا صِغَارُ لِنَرْحَلْ مِنْ هُنَا، فَالْمَكَانُ هُنَا تَكَدَّرَ.
السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِعِ:
- أَتَمَنَّى أَلَّا يَكُونَ عَقْلُكِ هُوَ الَّذِي تَكَدَّرَ!.
أَثَارَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ غَضَبَ السَّمَكَةِ سِمْسِمَةَ، وَكَأَنَّ صَعْقَةً كَهْرَبَائِيَّةً أَصَابَتْهَا؛ فَقَالَتْ وَالْغَضَبُ ظَاهِرٌ عَلَى وَجْهِهَا:
- إِنَّكِ تَجَاوَزْتِ حَدَّكِ، فَقَدْ حَذَّرْتُكِ قَبْلَ قَلِيلِ، وَالْآنَ أَرْجُوكِ أَنْ تَرْحَلِي مِنْ هُنَا؛ فَإِنَّ صَبْرِي قَدْ نَفِدَ.
- اَلْمُهِمُ أَلَّا يَنْفَدَ مَاءُ الْبُحَيْرَةِ، وَلَيْسَ صَبْرُكِ.
- يَا صَبُورُ يَا اللَّهُ رَبِّ أَفْرِغْ عَلَيَّ صَبْرًا!
قُولِي لِي: مَاذَا تَسْتَفِيدِينَ مِنْ إِيذَاءِ الْآخَرِينَ؟!.
- إِنَّ سُلُوكِي لَيْسَ سَيْئًا.
- حَسَنًا فَهِمْتُ إِنَّهُ لَا يَنْفَعُ مَعَكِ الأسلوب الجيد، إذا فَلْتَذْهَبِ الْآنَ، وَلْنَحُلَّ هَذِهِ الْمُشْكِلَةَ فِيمَا بَعْدُ.
أَخَافَتْ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ السَّمَكَةَ ذَاتَ الْقِشْرِ اللَّامِعِ نَوْعًا مَا؛ لأَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ تَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهَا مَعْنَى التَّهْدِيدِ.
- مَا الَّذِي سَنَحُلُّهُ فِيمَا بَعْدُ؟!.
- سَتَعْرِفِينَ عَمَّا قَرِيبٍ.
اَلسَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِعِ فِي نَفْسِهَا: كَمْ هِيَ صَبُورَةٌ !.
فَشَلَتِ السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِعِ فِي الْوُصُولِ لِغَايَتِهَا، إِنَّهَا تَعْرِفُ أَنَّهُ مِنَ الْمُسْتَحِيلِ أَنْ يَتَصَرَّفَ الْمَرْءُ بِشَكْلٍ مَنْطِقِي وَهُوَ غَاضِبٌ؛ لِذَلِكَ اسْتَخْدَمَتْ هَذِهِ الْحِيلَةَ، وَنَجَحَتْ فِي ذَلِكَ، لَكِنَّ السَّمَكَةَ سِمْسِمَةَ لَمْ تَقَعْ فِي هَذَا الْفَخّ، وَلَمْ تَكُنْ مِثَالًا سَيِّئًا أَمَامَ الْأَسْمَاكِ الصَّغِيرَةِ، وَلَمْ تُقْحِمْ نَفْسَهَا فِي الْمَشَاكِلِ.
وَقَدْ عَلِمَتِ السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِعِ أَنَّهَا لَنْ تَتَمَكَّنَ مِنَ التَّحَكُم فِي الْبُحَيْرَةِ دُونَ أَنْ تُهِينَ كَرَامَةَ السَّمَكَةِ سِمْسِمَةَ، لَكِنَّهَا فَشِلَتْ فِي ذَلِكَ، وَمَا زَالَتْ تَأْمُلُ أَنْ تَجِدُ فُرْصَةً أُخْرَى لِلْقِيَامِ بِذَلِكَ، لَكِنَّ عِبَارَةَ أَتَمَنَّى أَلَّا يَكُونَ عَقْلُكِ سَبَبًا فِي شَقَائِكِ، شَغَلَتْ بَالَهَا كَثِيرًا؛ إِنَّهَا كَانَتْ تُحَاوِلُ أَنْ تُغْضِبَ السَّمَكَةَ سِمْسِمَةَ، لَكِنَّ الْأَمْرَ انْقَلَبَ عَلَيْهَا.
- يَا تُرَى فِيمَ كَانَتْ السَّمَكَةُ سِمْسِمَةُ تُفَكِّرُ؟!.
وَبَيْنَمَا كَانَتِ السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِعِ تُفَكِّرُ فِي هَذَا، رَحَلَتِ السَّمَكَةُ سِمْسِمَةٌ مَعَ مَنْ كَانَ مَعَهَا، وَبَدَأَتْ بِمُسَامَرَةٍ جَدِيدَةٍ، وَقَالَتْ لِلْأَسْمَاكِ الصَّغِيرَةِ:
- أَتَمَنَّى أَلَّا تَكُونُوا قَدْ تَأَثَرْتُمْ بِمَا حَدَثَ، فَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَخَافُونَ مِنْ مِثْل تِلْكَ الْأُمور.
السَّمَكَةُ ذَاتُ النَّيْلِ الْأَبْيَضِ:
- نَعَمْ، إِنَّهَا سَمَكَةٌ سَيِّئَةٌ.
- إِنَّ مَا قُلْتِهِ لَيْسَ جَيَّدًا؛ فَمِنَ الْخَطَأَ أَنْ نَغْتَابَ الْآخَرِينَ بِهَذَا الشكل.
- أَنَا آسِفَةٌ جِدًّا، لَنْ أُكَرِّرَ هَذَا ثَانِيَةً.
- أَحْسَنْتِ، هَذَا هُوَ الْمُنْتَظَرُ مِنْ سَمَكَةٍ لَطِيفَةٍ مُؤَدَّبَةٍ مِثْلِكِ. أَسْعَدَتْ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ السَّمَكَةَ ذَاتَ الذَّيْلِ الْأَبْيَضِ، ثُمَّ نَظَرَتِ السَّمَكَةُ سِمْسِمَةُ بِسَعَادَةٍ إِلَى الْأَسْمَاكِ الصَّغِيرَةِ، وَقَالَتْ:
- سَوْفَ تُصْبِحُ بُحَيْرَتُنَا جَمِيلَةً وَنَظِيفَةً إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَالْأَيَّامُ الْجَمِيلَةُ تَنْتَظِرُكُمْ فِي هَذِهِ الْبُحَيْرَةِ.
- وَمَاذَا عَنِ الْمَخَاطِرِ؟.
- لَيْسَ هُنَاكَ مَكَانٌ خَالٍ مِنَ الْمَخَاطِرِ، فَلَا تَخْشَوْهَا، إِنَّهَا تَزِيدُ مِنْ مَهَارَاتِكُمْ، وَتَمْنَحُكُمُ التَّجْرِبَةَ فِي الْحَيَاةِ؛ فَرَبُّنَا مَا خَلَقَ لَنَا الْمَخَاطِرَ وَالأَمَانَ، وَإِذَا مَا انْتَبَهنَا لَهَا، وَتَجَنَّبْنَاهَا، وَاتَّبَعْنَا الْقَوَانِينَ، وَسِرْنَا بِحَذَرٍ فَلَنْ يُصِيبَنَا مَكْرُوهُ بِإِذْنِ اللَّهِ.
- هَلْ هَذَا مَا فَعَلْتِهِ مُنْذُ قَلِيل؟!.
الْتَفَتَتِ السَّمَكَةُ سِمْسِمَةُ إِلَى الْجَانِبِ الَّذِي أَتَى مِنْهُ الصَّوْتُ، فَالْتَقَتْ عَيْنَاهَا بِعَيْنَي السَّمَكَةِ ذَاتِ الْقِشْرِ اللَّامِعِ، وَقَالَتْ لَهَا:
- أَنْتِ ثَانِيَةً!.
- نَعَمْ أَنَا، أَلَا يُعْجِبُكِ الْأَمْرُ؟!.
- أَرْجُوكِ أَنْ تَتْرُكِينَا وَشَأْننا.
- لَنْ أَسْمَحَ لَكِ أَنْ تَفْرِضِي سَيْطَرَتَكِ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّغَارِ.
- لَيْسَتْ هَذِهِ بَيْنِي، مَا أُرِيدُهُ هُوَ أَنْ يَتَحَلَّوْا بِالْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ.
- الْأَخْلَاقُ الْحَسَنَةُ أَنْتِ مَنْ سَيُعَلِّمُهُمْ إِيَّاهَا؟!
إِذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ سَيُفْتَدَى بِهِ فِي الْأَخْلَاقِ فَهُوَ أَنَا.
- أَيُّ سُلُوكِ أَخْلاقِي سَيَتَعَلَّمُونَهُ مِنْكِ؟!
أَتَعْتَقِدِينَ أَنَّكِ سَتَحْصُلِينَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ بِالْفَظَاظَةِ، إِنَّكِ تُثِيرِينَ الْمَشَاكِلَ دَائِمًا، فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَنْتِ أَفْضَلُ مِنَّا؟!.
- أَنَا سَمَكَةٌ مِنْ نَوْعِ غَالٍ، أَمَّا أَنْتِ فَمِنَ السَّمَكِ الْعَادِيِّ.
- وَمَاذَا فِي ذَلِكَ؟!.
- إِنَّنِي وُلِدْتُ فِي الْبَحْرِ، أَي أَنَا سَمَكَةٌ قَادِمَةٌ مِنَ الْمِيَاه الْمَالِحَةِ، وَعِنْدَمَا خَرَجْتُ لِلتَّنَزُهِ ضَلَلْتُ الطَّرِيقَ، فَلَمْ أَسْتَطِعِ الْعَوْدَةَ إِلَى دِيَارِي ثَانِيَةً، وَبَدَأْتُ الْعَيْشَ فِي الْبُحَيْرِةِ، أَتَرَيْنَ إِنَّنِي يُمْكِنُنِي الْعَيْشَ فِي الْمِيَاهِ الْمَالِحَةِ وَالْعَذْبَةِ! فَهَلْ يُمْكِنُكِ الْعَيْشَ فِي مِيَاهِ الْبِحَارِ الْمَالِحَةِ؟!.
تَحَيَّرَتِ السَّمَكَةُ سِمْسِمَةُ، وَقَالَتْ:
- أَتَعْتَبِرِينَ الْقُدْرَةَ عَلَى الْعَيْشِ فِي مِيَاهِ الْبِحَارِ الْمَالِحَةِ هِيَ سَبَبُ الْأَفْضَلِيَّةِ؟!.
- نَعَمْ، إِنَّ الْبَحْرَ أَكْبَرُ مِنَ الْبُحَيْرَةِ، وَمِنْ ثَمَّ فَإِنَّ الْأَسْمَاكَ الَّتِي تَعِيشُ فِي الْبِحَارِ أَكْبَرُ وَأَعْلَى مَنْزِلَةً مِنَ الَّتِي تَعِيشُ فِي الْبُحَيْرَةِ؛ لِذَلِكَ سَأَكُونُ أَنَا صَاحِبَةَ الْكَلِمَةِ فِي هَذِهِ الْبُحَيْرَةِ.
فِي هَذِهِ الْأَثْنَاءِ نَظَرَتْ سَمَكَةٌ ضَخْمَةٌ بِغَضَبٍ إِلَى السَّمَكَةِ ذَاتِ الْقِشْرِ اللَّامِعِ، وَقَالَتْ لَهَا:
- أَلَمْ يَطْرُدُوكِ مِنَ الْبُحَيْرَةِ الْأُخْرَى بِسَبَبٍ هَذِهِ الْأَفْعَالِ؟!
إِنَّكِ لَنْ تَسْتَطِيعِي أَن تَفْرِضِي نَفْسَكِ بِهَذَا الشَّكلِ، فَأَخْلَاقُكِ تَسُوءُ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ أُرِيدُكِ أَنْ تَعْلَمِي جَيْدًا أَنَّهُ لَا أَحَدَ فِي هَذِهِ الْبُحَيْرَةِ يُحبُّك.
غَضِبَتِ السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِعِ كَثِيرًا، وَأَخَذَتْ تَغْدُو وَتَرُوحُ بِسُرْعَةٍ، وَصَاحَتْ بِأَعْلَى صَوْتِهَا:
- أَنْتُمْ مُجْبَرُونَ عَلَى حُبِّي!.
ثُمَّ دَخَلَتْ وَسَطَ الْأَسْمَاكِ الصَّغِيرَةِ بَسُرْعَةٍ، وَهِيَ تَصْطَدِمُ بِمَنْ يَأْتِي أَمَامَهَا، وَقَالَتْ:
- أَنْتُمْ مُجْبَرُونَ عَلَى حُبي؛ لِأَنَّنِي أَفْضَلُ مِنْكُمْ.
اِشْتَدَّ غَضَبُ السَّمَكَةِ الضَّخْمَةِ، وَقَالَتْ:
- لِمَ هَذَا الْكِبْرُ؟!
أَنْظُرِي إِلَى جِسْمِي، أَتَرَيْنَ ذَيْلِي هَذَا؟!
لَو ضَرَبْتُكِ بِهِ لَرَمَيْتُ بِكِ فِي الْيَابِسَةِ خَارِجَ الْبُحَيْرَةِ.
اِزْدَادَ خَوْفُ الْأَسْمَاكِ الصَّغِيرَةِ فَاسْتَجْمَعَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمْ قوَاهَا، وَقَالَتْ:
- لَقَدْ سَئمْنَا هَذَا الشَّجَارَ، لَمْ نَعُدْ نَرْغَبُ الْعَيْشَ فِي الْمِيَاهِ، وَنُرِيدُ الْعَيْشَ عَلَى الْيَابِسَةِ، فَعِيشُوا أَنْتُمْ فِي الْبُحَيْرَةَ، وَلْتَرْحَلْ نَحْنُ يَا صِغَارُ !.
ابْتَسَمَتِ السَّمَكَةُ سِمْسِمَةُ، وَمَازَحَتْهَا قَائِلَةً:
- إِنَّ الْيَابِسَةَ هَادِئَةٌ جِدًّا، سَتَلْهَوْنَ وَتَرْكُضْنَ هُنَاكَ.
- أَجَلْ سَنَرْكُضُ وَنَلْهُو، وَلِمَ لا؟!
فَعَلَى الْأَقَلَّ لَنْ تَجِدَ السَّمَكَةَ ذَاتَ الْقِشْرِ اللَّامِعِ هُنَاكَ.
لَمْ تَتَمَالَكِ السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِعَ نَفْسَهَا مِنْ شِدَّةِ الْغَضَبِ، فَقَالَتِ:
- انْظُرِي أَيَّتُهَا الصَّغِيرَةُ إِنَّ لِسَانَكِ أَطْوَلُ مِنْكِ، سَأَقْطَعُهُ لَكِ الْآنَ !.
اِخْتَبَأتِ السَّمَكَةُ الصَّغَيرَةُ وَرَاءَ السَّمَكَةِ سِمْسِمَةَ، فَأَشْفَقَتِ السَّمَكَةُ الْكَبِيرَةُ عَلَيْهَا، وَصَاحَتْ قَائِلَةً:
- ارْحَلِي مِنْ هُنَا أَيَّتُهَا السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللامع !
وَإِلَّا.
- وَإِلَّا مَاذَا؟!
تَدَخَلَتِ السَّمَكَةُ سِمْسِمَةُ:
- اهْدَئِي يَا أُخْتَاهُ فَنَحْنُ لَا نُرِيدُ شِجَارًا؛ لِئَلَّا نُفْسِدَ هُدُوءَ البحيرة.
- وَقَدْ أَصْبَحَ الْمَكَانُ لَا يُطَاقُ مُنْذُ أَنْ جَاءَتِ السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِعِ إِلَى هُنَا، فَلْتَعُدْ مِنْ حَيْثُ أَتَتْ؛ فَنَحْنُ لَا نُرِيدُهَا بَيْنَنَا.
لَمْ تَتَخَلَّ السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِعِ عَنْ غَطْرَسَتِهَا، وَقَالَتْ:
- أَنْتُمْ لَا تُرِيدُونَنِي بَيْنَكُمْ، لِكَوْنِي أَفْضَلَ مِنْكُمْ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟! .
نَفِذَ صَبْرُ السَّمَكَةِ الْكَبِيرَةِ، فَطَوَتْ ذَيْلَهَا ثُمَّ ضَرَبَتِ السَّمَكَةَ ذَاتَ الْقِشْرِ اللَّامِع ضَرْبَةً قَوِيَّةً فَطَارَتْ فِي الْهَوَاءِ مِنْ شِدَّةِ الضَّرْبَةِ، وَسَقَطَتْ عَلَى حَافَّةِ الْبُحَيْرَةِ.
حَزِنَتِ السَّمَكَةُ سِمْسِمَةُ مِنْ صَنِيع السَّمَكَةِ الْكَبِيرَةِ، وَقَالَتْ لَهَا:
- مَاذَا فَعَلْتِ يَا أُخْتَاهُ؟!.
- حَدَثَ مَا حَدَثَ إِنَّنِي لَمْ أَتَمَالَكْ نَفْسِي، وَأَنَا آسِفَةٌ يَا صِغَارُ!
فَقَدْ أَفْزَعْتُكُمْ.
- كَانَ عَلَيْكِ أَنْ تَتَحَلَّيْ بِالصَّبْرِ مَهْمَا كَانَ الْأَمْرُ، فَالسَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِعِ سَتَمُوتُ عَمَّا قَلِيلٍ.
إِحْدَى الْأَسْمَاكِ الصَّغِيرَةِ:
- لَقَدْ تَخَلَّصْنَا مِنْهَا، فَلْتَعِشْ هُنَاكَ عَلَى الْيَابِسَةِ.
السَّمَكَةُ سِمْسِمَةُ:
- اَلْأَسْمَاكُ لَا تَعِيشُ عَلَى الْيَابِسَةِ يَا صَغِيرَتِي!
لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُؤَهَّلَةً لِذَلِكَ، عَلَيْنَا أَنْ تُنْقِذَهَا عَلَى الْفَوْرِ، إِنَّهَا لَنْ تَتَحَمَّلَ الْبَقَاءَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
اَلسَّمَكَةُ الْكَبِيرَةُ فِي حُزْنٍ شَدِيدٍ:
- أَنَا مَنْ فَعَلْتُ هَذَا بِهَا؟
وَعَلَيَّ أَنْ أُصَحِحَ خَطَئِي وَأُنْقِذَهَا.
صَرَخَتِ السَّمَكَةُ سِمْسِمَةُ فِي وَجْهِ السَّمَكَةِ الْكَبِيرَةِ قَائِلَةً:
- كَيْفَ سَتُنْقِذِينَهَا؟!
إِنَّنِي رَأَيْتُ الضِفْدَعَةَ عَلَى حَافَّةِ الْبُحَيْرَةِ، فَلْيُنَادِهَا.
ذَهَبَتِ السَّمَكَةُ سِمْسِمَةُ مُسْرِعَةً، فَإِذَا الضّفْدَعَةُ بِجِوَارِ السَّمَكَةِ ذَاتِ الْقِشْرِ اللَّامِعِ بِمُجَرَّدِ أَنْ عَلِمَتْ بِالْأَمْرِ، وَكَانَتِ السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشر اللامع تَتَنَفَّسُ بِصُعُوبَةٍ، وَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهَا بِالدُّمُوع، وَهِيَ تُحَاوِلُ الْقَفْرَ إِلَى الْمَاءِ لَكِنَّهَا لَا تَقْدِرُ، وَعِنْدَمَا رَأَتِ الضّفْدَعَةَ إِلَى جِوَارِهَا، تَوَسَّلَتْ إِلَيْهَا قَائِلَةٌ:
- أَرْجُوكِ أَنْ تُلْقِينِي فِي الْبُحَيْرَةِ، أَكَادُ أَمُوتُ، فَأَنْفَاسِي تَقِلُ، وَأَشْعُرُ بِدُوَارٍ فِي رَأْسِي.
تَجَمَّعَتْ كُلُّ الْأَسْمَاكِ عَلَى حَافَةِ البحيرةِ، فَنَظَرَتْ إِلَيْهِمُ السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِع بدَهْشَةٍ، وَأَخَذَتِ الضّفْدَعَةُ ذَيْلَ السَّمَكَةِ ذَاتِ الْقِشْرِ اللَّامِعِ بِفَمِهَا، وَقَالَتْ لَهَا:
- تَمَالَكِي نَفْسَكِ، فَسَأَرْمِيكِ إِلَى الْبُحَيْرَةِ بَعْدَ قَلِيلٍ.
نَفِدَتْ طَاقَةُ السَّمَكَةِ ذَاتِ الْقِشْرِ اللَّامِعِ، وَلَمْ تَعُدْ قَادِرَةً عَلَى التَّحَرُّكِ، وَحَاوَلَتِ الضّفْدَعَةُ أَنْ تَجُرَّ السَّمَكَةَ لَكِنَّهَا لَمْ تَسْتَطِعْ، فَقَامَتِ الْأَسْمَاكُ الْأُخْرَى بِتَحْفِيزِ الضِفْدَعَةِ لِتَزِيدَ مِنْ قُوَّتِهَا قَائِلَاتِ:
- هَيَّا يَا أُخْتَاهُ تَسْتَطِيعِينَ جَرَّهَا، هَيَّا! قَرِبِيهَا إِلَيْنَا وَسَنُسَاعِدُكِ!.
صَاحَتِ الضّفْدَعَةُ وَهِيَ غَارِقَةٌ فِي عَرَقِهَا:
- لَا أَسْتَطِيعُ، لَا يُمْكِنُنِي جَرُّهَا.
أَثْنَاءَ ذَلِكَ انْخَفَضَ مُعَدَّلُ تَنَفُسِ السَّمَكَةِ ذَاتِ الْقِشْرِ اللَّامِعِ بِشَكْلِ كَبِيرٍ، وَتَلَفَّتَتِ الضّفْدَعَةُ يَمِينًا وَيَسَارًا بَاحِثَةً عَنْ أَحَدٍ يُسَاعِدُهَا، لَكِنَّهَا لَمْ تَجِدْ أَحَدًا.
بَدَأَتِ السَّمَكَةُ الْكَبِيرَةُ تَبْكِي، ثُمَّ بَكَى بَاقِي الْأَسْمَاكِ، وَدَعَتِ السَّمَكَةُ سِمْسِمَةُ رَبَّهَا قَائِلَةٌ:
- اَللَّهُمَّ يَا مُتَعَالِ سَاعِدْنَا !
اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْهَا تَمُوتُ هَكَذَا!
فَهُنَاكَ الْكَثِيرُ مِمَّا لَمْ تَتَعَلَّمْهُ بَعْدُ ، لَا تُمِنْهَا قَبْلَ أَنْ تَعْرِفَكَ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ، وَتُصْلِحَ أَخْطَاءَهَا، إِنَّمَا أَمْرُكَ إِذَا أَرَدْتَ شَيْئًا أَنْ تَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ؛ فَقُدْرَتُكَ لَا حَدَّ لَهَا حَتَّى إِنَّنَا لَا يُمْكِنُنَا أَنْ نُدْرِكَهَا، وَقُدْرَتُكَ لَا تُقَارَنُ بِقُدْرَةِ أَحَدٍ، إِنَّكَ أَنْتَ الْمُتَعَالِ، وَعَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، نَرْجُوكَ أَنْ تُسَاعِدَنَا.
ثُمَّ عَادَتِ السَّمَكَةُ سِمْسِمَةُ إِلَى الْبُكَاءِ، وَقَفَزَتِ السَّمَكَةُ الْكَبِيرَةُ فِي مَكَانِهَا، ثُمَّ قَالَتْ:
- دَعِينَا مِنَ الْبُكَاءِ، وَلْنَقْتَرِبْ مِنْ حَافَّةِ الْبُحَيْرَةِ أَكْثَرَ، وَادْفَعِي يَا أُخْتِي الضّفْدَعَةَ السَّمَكَةَ ذَاتَ الْقِشْرِ اللَّامِعِ نَحْوَنَا.
لَا تَزَالُ الضّفْدَعَةُ تُحَاوِلُ جَرَّ السَّمَكَةِ ذَاتِ الْقِشْرِ اللَّامِع، فَقَالَتْ لَهَا السَّمَكَةُ الْكَبِيرَةُ:
- لَا تُحَاوِلِي جَرَّهَا يَا أُخْتِي الضّفْدَعَةَ !
ادْفَعِي جَنْبَهَا نَحْوَنَا كَمَا قُلْتُ لَكِ، ضَغَطَتِ الضّفْدَعَةُ قَدَمَيْهَا عَلَى الْأَرْضِ وَحَاوَلَتْ دَفْعَهَا، وَنَجَحَتِ الْخُطَّةُ أَخِيرًا ، إِذْ بَدَأَتْ تُدَحْرِجُهَا نَحْوَ الْمَاءِ، وَاسْتَمَرَّتْ فِي ذَلِكَ إِلَى أَنْ أَوْصَلَتْهَا إِلَى الْمَاءِ، وَقَامَتِ الْأَسْمَاكُ بِجَرِهَا دَاخِلَ الْبُحَيْرَةِ، ثُمَّ فَتَحَتِ السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِعِ عَيْنَيْهَا، وَحَمِدُوا اللهَ تَعَالَى لِأَنَّهُ أَنْقَذَهَا.
بَعْدَ قَلِيلِ اسْتَيْقَظَتِ السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِعِ، لَكِنَّ السَّمَكَةَ الْكَبِيرَةَ لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَنْظُرَ فِي عَيْنَيْهَا، شَعَرَتِ السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِعِ بِهَذَا فَاقْتَرَبَتْ مِنْهَا، وَقَالَتْ:
- لَا تَحْزَنِي يَا أُخْتَاهُ! فَهَذَا مَا كُنْتُ أَسْتَحِقُهُ مِنْ قَبْلُ.
السَّمَكَةُ الْكَبِيرَةُ:
- سَامِحِينِي يَا أُخْتِي لَقَدْ آذَيْتُكِ، وَكِدْتِ تَمُوتِينَ بِسَبَبِي.
- عَلَيَّ أَنْ أَطْلُبَ مِنْكُمُ السَّمَاحَ، لَقَدْ أَسَأْتُ مُعَامَلَتَكُمْ، وَالْآنَ تَعَلَّمْتُ كَمْ أَنَا كَائِنْ ضَعِيفٌ عَاجِزٌ.
خَجِلَتِ السَّمَكَةُ الْكَبِيرَةُ كَثِيرًا، وَلَمْ تَتَمَالَكْ نَفْسَهَا، وَقَالَتْ: كَيْفَ ضَرَبْتُ نَفْسًا؟!
إِنَّنِي لَنْ أُسَامِحَ نَفْسِي؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيَّ أَلَّا أَفْعَلَ هَذَا مَهْمَا حَدَثَ ، وَجَاءَتِ السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِعِ أَمَامَ الْجَمِيعِ وَوَعَدَتْهُمْ قَائِلَةً:
- أَعِدُكُمْ بِأَنِّي لَنْ أَتَكَبَّرَ عَلَيْكُمْ بَعْدَ الْيَوْمِ، وَلَنْ أُخِيفَ أَحَدًا وَلَنْ أُزْعِجَهُ.
كَانَتِ الضّفْدَعَةُ تَلْهَثُ مِنَ التَّعَبِ، فَالْتَفَتَتْ إِلَى السَّمَكَةِ ذَاتِ الْقِشْرِ اللَّامِعِ، وَقَالَتْ:
- نَعَمْ، يَنْبَغِي أَلَّا تَقُولِي لِأَحَدٍ أَنَّكِ أَفْضَلُ مِنْهُ؛ فَالْأَفْضَلِيَّةُ لَيْسَتْ بِالْكَلامِ، وَلَا بِالْحَسَبِ وَالنَّسَبِ، وَلَا بِالْجَمَالِ وَالْغِنَى، إِنَّمَا الْأَفْضَلِيةُ بالتَّقْوَى.
سَأَلَتْهَا السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِع:
مَا مَعْنَى التَّقْوَى؟
كَتَمَتِ الضّفْدَعَةُ أَنْفَاسَهَا، وَأَجَابَتْهَا بِبُطْءٍ:
فِي الْحَقِيقَةِ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ تَحْتَاجُ إِلَى شَرْحٍ كَبِيرٍ، لَكِنَّنِي سَأَذْكُرُهَا لَكِ بِاخْتِصَارِ، عَلَيْنَا أَلَّا نَتَكَبَّرَ عَلَى الْآخَرِينَ، وَأَنْ نُسَاعِدَ الْجَمِيعَ ، وَلَا نُقَصِّرَ فِي عِبَادَتِنَا، وَنَحْمَدَهُ تَعَالَى عَلَى مَا أَعْطَانَا مِنْ نِعَمِ كَثِيرَةٍ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى.
لَمْ تَفْهَمْ إِحْدَى الْأَسْمَاكِ الصَّغِيرَةِ مَا قَالَتْهُ الضَّفْدَعَةُ؛ لِذَلِكَ قَاطَعَتْ حَدِيثَهَا، وَقَالَتْ:
- لِمَاذَا كَانَتِ السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِعِ سَتَمُوتُ عَلَى الْيَابِسَةِ؟!
أَلَمْ تَكُنْ تَسْتَطِيعُ الْعَيْشَ عَلَى الْيَابِسَةِ؟!.
الْتَفَتَتْ إِلَيْهَا الْأَسْمَاكُ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهَا غَضِبَ مِنْ مُقَاطَعَتِهَا حَدِيثَ الضّفْدَعَةِ، وَتَدَخَلَتِ الضّفْدَعَةُ قَائِلَةٌ:
- لَا تَغْضَبُوا يَا أَصْدِقَاءُ!
إِنَّهَا مَا زَالَتْ صَغِيرَةً، وَسَتَعَلَّمُ آدَابَ التَّعَامُلِ بِمُرُورِ الْوَقْتِ.
فَهِمَتِ السَّمَكَةُ الصَّغِيرَةُ خَطَأَهَا، فَحَزِنَتْ، لَكِنَّ الضَّفْدَعَةَ طيِّبَتْ خَاطِرَهَا وَقَالَتْ:
لَا دَاعِي لِلْحُزْنِ، فَسَتَتَعَلُّمِينَ كُلِّ شَيْءٍ مَعَ الْوَقْتِ، أَنْتِ تَسْأَلينَ لِمَاذَا كَادَتِ السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللامع تمُوتُ عَلَى الْيَابِسَةِ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟!.
- بَلَى.
- - هَذَا بِسَبَبٍ أَنَّ الْأَسْمَاكَ خُلِقَتْ لِتَعِيشَ فِي الْمَاءِ، فَاللَّهُ خَلَقَ لِكُلِّ كَائِنِ مِيزَاتٍ خَاصَّةٍ بِهِ.
الْتَفَتَتِ الضّفْدَعَةُ إِلَى بَاقِي الْأَسْمَاكِ الصَّغِيرَةِ بَعْدَ أَنْ أَنْهَتْ حَدِيثَهَا، وَقَالَتْ:
- أَمَا زِلْتُمْ تُرِيدُونُ الْعَيْشَ عَلَى الْيَابِسَةِ؟!
إِذَا كُنْتُمْ تُرِيدُونُ، فَهَيَّا اخْرُجُوا !
وَأَنَا سَأُسَاعِدُكُمْ عَلَى الْخُرُوج، وَلْتَرَ مَاذَا سَيَحْدُثُ لَكُمْ!.
فَهمَتِ الْأَسْمَاكُ الصَّغِيرَةُ أَنَّ الضّفْدَعَةَ تَتَهَكَّمُ بِهِمْ، فَقَالَتْ جَمِيعًا قَوْلًا وَاحِدًا:
- لَا، لَا نُرِيدُ، نَحْنُ سَعِيدُونَ بِالْعَيْشِ فِي بُحَيْرَتِنَا.
السَّمَكَةُ سِمْسِمَةُ:
- أَلَا تَعْلَمُونَ أَنَّ كُلَّ الْمَخْلُوقَاتِ لَهَا قُدْرَةٌ مَحْدُودَةٌ، وَاللَّهُ هُوَ وَحْدَهُ الَّذِي لَا حَدَّ لِقُدْرَتِهِ؛ فَهُوَ الْمُتَعَالِ، إِنَّهُ قَدِيرٌ وَعَظِيمٌ بِقَدْرٍ لَا نَسْتَطِيعُ تَخَيَّلَهُ، وَرَبُّنَا لَا يُمْكِنُ مُقَارَنَتُهُ بِمَخْلُوقَاتِهِ؛ فَقُوَّتُهُ وَقُدْرَتُهُ لَا حَدَّ لَهُمَا، وَهُوَ الْمُتَعَالُ الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ .
لَمْ تَكُنِ السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِعِ تَعْرِفُ الْكَثِيرَ عَنِ الْخَالِقِ ، لَكِنَّهَا الْآنَ لَدَيْهَا رَغْبَةٌ كَبِيرَةٌ فِي التَّعَلُّمِ؛ لِذَلِكَ أَنْصَتَتْ بِإِمْعَانٍ إلَى مَا تَقُولُهُ الضّفْدَعَةُ، ثُمَّ قَالَتْ:
- أَفْهَمُ مِنْ كَلَامِكَ أَنَّ اللهَ َأَقْوَى مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟!
قَالَتِ الضّفْدَعَةُ:
- إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى "اَلْمُتَعَالِ، وَلَو كَانَ فِي الْبَشَرِ مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ، لَقَالُوا: فِي يَومٍ مَا سَتَضْعُفُ قُوَّتُهُ ، لَكِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي حَقِّ اللَّهِ، فَهُوَ مُنَزَّهُ عَنْ كُلَّ نَقْصٍ وَعَجْزِ وَعَيْبٍ.
كَانَتِ السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِعِ تَسْتَمِعُ إِلَى الضّفْدَعَةِ بِإِعْجَابٍ كَبِيرٍ، فَكَّرَتْ فِي نَفْسِهَا مُتَسَائِلَةً: لَقَدْ ضَيَّعْتُ عُمْرِي هَبَاءَ، كَمْ هُمْ مَحْظُوظُونَ لأَنَّهُمْ عَرَفُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ مُنْذُ صِغَرِهِمْ!
الضّفْدَعَةُ:
- إِذَا أَدْرَكْنَا أَنْ النَّقْصَ وَالْعَجْزَ وَالْعَيْبَ فِينَا، تَكُونُ قَدْ فَهِمْنَا اسْمَهُ تَعَالَى الْمُتَعَالِ، وَأَنَا أَيْضًا قَدْ أَدْرَكْتُ هَذَا مُؤَخَّرًا، لَقَدْ ضَيَّعْتُ كَثِيرًا مِنْ عُمُرِي هَبَاءً، فِي الْعَجْرَفَةِ وَإِيذَاءِ الْآخَرِينَ وَجَرْح مَشَاعِرِهِمْ، وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّنِي عَرِفْتُهُ مُؤَخَّرًا، فَإِنَّنِي الْآنَ فِي طُمَأنِينَةٍ.
أَحَسْتِ السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِعِ بِرَاحَةٍ وَطُمَأْنِينَةٍ بَعْدَ أَنْ سَمِعَتْ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ، وَقَالَتْ:
- هَلْ أَنتِ أيضًا كنتِ مِثْلِي مُتَكَبَرَةً مُتَعَجْرفَةً تُحِبْينَ الشَّجَارَ؟!
لَكِنَّ الشَّخْصَ لَا يَتَذَكَّرُ عَجْزَهُ وَيَعُودُ إِلَى رُشْدِهِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَقْتَرِبَ مِنَ الْمَوْتِ.
الضّفْدَعَةُ:
- لَا أُرِيدُ أَنْ أَتَذَكَّرَ مَا مَضَى أَحْمَدُ اللَّهَ الْمُتَعَالِ الَّذِي هَدَانِي الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، وَنَجَّانِي مِمَّا كُنْتُ فِيهِ؛ لِأَنَّنِي عِنْدَمَا عَرَفْتُهُ عَرَفْتُ نَفْسِي، وَعِنْدَمَا أَحْبَبْتُهُ أَحْبَبْتُ كُلَّ شَيْءٍ، وَأَدْرَكْتُ عَظَمَتَهُ وَمَدَى عَجْزِي، وَعَلِمْتُ أَنَّهُ يَرَى مَا لَا نَسْتَطِيعُ رُؤْيَتَهُ وَيَعْلَمُ مَا لَا نَسْتَطِيعُ عِلْمَهُ، فَهُوَ عَظِيمٌ مُتَعَالِ، وَمَا نَرَاهُ وَنَعْلَمُهُ هُوَ بِقَدْرِ مَا أَرَادَ سُبْحَانَهُ أَنْ نَرَاهُ وَنَعْلَمَهُ.
كَانَتِ السَّمَكَةُ سِمْسِمَةُ تُنْصِتُ إِلَى الضّفْدَعَةِ بِإِعْجَابٍ كَبِيرٍ، مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ تَخَافُ مِنْهَا كَثِيرًا، وَالْكُلُّ كَانَ يَتَجَنَّبُ خُلُقَهَا السَّيِّئَ، وَيَنْفُرُ مِنْ غُرُورِهَا وَكِبْرِهَا، وَقَالَتْ فِي نَفْسِهَا:
- إِنَّ الْإِيْمَانَ نِعْمَةٌ كَبِيرَةٌ، وَقَدْ عَلِمْتُ مَرَّةً أُخْرَى أَنَّ الْإِيْمَانَ يَجْعَلُ الْإِنْسَانَ إِنْسَانًا، بَلْ يَجْعَلُهُ سُلْطَانًا، لَكِنَّ هَذِهِ الْمَقُولَةَ لا تَخْتَصُّ بِالْبَشَرِ فَقَط ، بَلْ تَعْمُ الْكَائِنَاتِ كُلْهَا، وَالْإيْمَانُ" هُوَ دَوَاءُ كُلّ الْأَمْرَاضِ وَالْعِلَلِ، وَها هي السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللامع بَدَأَتْ تَشْعُرُ بِلَذَّةِ الْإِيمَانِ.
وَرَفَعَتِ السَّمَكَةُ سِمْسِمَةُ صَوْتَهَا دُونَ أَنْ تَشْعُرَ:
- أَشْكُرُكَ يا مُتَعَالِ! يَا اللَّهُ!
وَعِنْدَمَا اقْتَرَبَ مَنْ حَوْلَهَا نَحْوَهَا، قَالَتْ:
- لَا تُؤَاخِذُونِي، فَقَدْ شَرَدَ ذِهْنِي.
السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِعِ:
- إِنَّكِ تَذْكُرِينَهُ حَتَّى عِنْدَ شُرُودِ ذِهْنِكِ!
كَمْ أَنْتِ مَحْظُوظَةٌ!
السَّمَكَةُ سِمْسِمَةُ:
- أَسْتَغْفِرُ اللهَ إِنَّنِي عَبْدٌ ضَعِيفٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ ، فَنَحْنُ كُلَّمَا أَدْرَكْنَا عَظَمَتَهُ، اسْتَمْتَعْنَا بِحَيَاتِنَا أَكْثَرَ، وَحِيْنَئِذٍ سَنَتَذَوَّقُ الطَّعْمَ الْحَقِيقِي لِلسَّعَادَةِ، وَعَلَيْنَا أَنْ تَذْكُرَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَلَا تَنْسَى أَنَّ اللهَ هُوَ الْمُعْطِي الْخَالِقُ الْمُحْيِي.
أَحَشتِ السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشر اللامع بطْمَأْنِينَةٍ أَكْثَرَ، وَقَالَتْ:
- أَشْكُرُكَ شُكْرًا كَثِيرًا يَا مُتَعَالِ!
يَا اللَّهُ!.
لَمْ تَسْتَطِعِ السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِعِ أَنْ تُكْمِلَ حَدِيثَهَا، وَبَدَأَتِ الدُّمُوعُ تَنْهَالُ مِنْ عَيْنَيْهَا، وَتَرَسَّختْ كَلِمَاتُ السَّمَكَةِ سِمْسِمَةَ - وَلَا نَنْسَى أَنَّ اللهَ وَ هُوَ الْمُعْطِي الْخَالِقُ الْمُحْيِي - فِي عَقْلِهَا، ثُمَّ مَسَحَتِ الدُّمُوعَ مِنْ عَيْنَيْهَا، وَنَظَرَتْ إِلَى أَصْدِقَائِهَا نَظْرَةَ امْتِنَانِ، وَقَالَتْ لَهُمْ:
- كَمْ نَحْنُ مَحْظُوظُونَ أَنَّ لَنَا رَبَّا مُتَعَالِيًا!
يَسْمَعُ كُلَّ شَيْءٍ، وَيَرَى كُلَّ شَيْءٍ، وَيَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ، لَقَدْ عَرَفْتُهُ تَعَالَى، وَتَعَلَّمْتُ اسْمَهُ الْمُتَعَالِ" بِفَضْلِكُمْ، فَمَهْمَا شَكَرْتُكُمْ لَا أُوَفِّيكُمْ مَا فَعَلْتُمُوهُ مِنْ أَجْلِي أَدْعُو الله أنْ يُسْعِدَكُمْ بِقَدْرِ مَا أَسْعَدْتُمُونَنِي.
هَذِهِ الْكَلِمَاتُ جَعَلَتِ الْمِيَاهَ تَمُوجُ دَاخِلَ الْبُحَيْرَةِ، كَأَنَّ الْمَاءَ الْكَدِرَ قَدْ صَفَا.