أهمية حسن الخلق وقصة يد الأمّ قصة تربوية مكتوبة للاطفال والناشئة

أهمية حسن الخلق وقصة يد الأمّ قصة تربوية مكتوبة للاطفال والناشئة

أهمية حسن الخلق وقصة يد الأمّ قصة تربوية مكتوبة للاطفال والناشئة

أهمية حسن الخلق وقصة يد الأمّ قصة تربوية مكتوبة للاطفال والناشئة

مع سلسلة مكارم الاخلاق حيث نبين من خلال قصة يد الأم أهمية حسن الخلق ، وهي قصة تربوية مكتوبة للاطفال والناشئة نتمنى أن تنال رضاكم.

قصة يد الأمّ

هتفت أمي قائلة:

- هيا استيقظ يا بني لا تخف؛ إنك ترى كابوسًا، هيا استيقظ !

وعندما أفقت وجدت أمي تكرر عبارتها مرارا وهي تهزني، ووجدت أبي ناحية رأسي وعيناه منتفختان انتفاخا لم أره من قبل، فقال بصوت مليء بالشفقة والقلق :

- ما الذي أوصلك إلى هذه الحالة يا بُنيّ؟ هلا تحكي لنا ما رأيت.

وفي هذه الأثناء أحضرت أمي كوبـا مـن الـمـاء، وما إن الماء ارتشفت رشفة من حتى أخذت تسألني ماذا كنت تقصد بكلامك وأنت نائم «يجب أن أخبرهم، كفى فَلأُخبرهم، فكلُّ ما حدث كان بسببي فأجبتها:

- لا شيء!

حتى إنني لا أتذكر ما رأيت، يبدو أنها كوابيس.

وكانت نفسى تشعر بالندم وأنا أقول ذلك؛ فمن الممكن أن تكون هذه هي الفرصة، فما داموا قد فتحوا الموضوع فَلأُخبرهم بحقيقة الأمر، لكنني لم أستطع أن أخمّن كيف ستكون عاقبة أمري عندما أخبرهم بالحقيقة وقد أيقظتهم في منتصف الليل؛ لهذا أجبت كالمعتاد :

- أشعر الآن بأنني على ما يرام، وأريد أن أعاود النوم ثانيةً بعد إذنكم.

أمّي:

- حسناً كما تحبّ.

ثم بدلت لي فورًا ملابسي المتبلّلة.

أمَّا أبي فكانت شفتاه تُدَنْدِنَانِ بالأدعية والآيات القرآنية، وكان يزفر أنفاسه نحوي بين حين وآخر ؛ وأطفأت أمي النور وبينما كانت تخرج من الغرفة قالت:

- ابنك أحمد هو الذي أوصل الولد إلى هذه الحالة، ألا ترى!

لقد ساء ليل المسكين ونهاره، فأجابها أبي قائلاً:

- لا تقولي هذا يا زوجتي، فأنت تعلميـن مـدى تألفه مع أحمد، والمسكين منذ أن توفيت أمه وهو لين الطبع مطيع.

وكثيرًا ما كانت تدور مثل هذه المناقشات في بيتنا، فأخي الأكبر أحمد فقَدَ أمَّه عندما ولدَتْه، وبعد هذه الواقعة بعامين تزوّج أبي من أمي، وكان أبي لا يفرّق بيننا، أمّا أُمِّي فلم تكن كذلك؛ إذ كانت تدافع عني دائمًا وتصفني بأنّي الأكثر عقلاً وترتيبًا وتنظيمًا واجتهادًا، لكن حقيقة الأمر لم تكن كذلك، فأنا مصدرُ الشقاوة في البيت لكنهم كانوا يوبّخون أخي أحمد بدلاً مني؛ لأنه كبير وعليه أن يرعاني.

كنت أضغط الوسادة على رأسي، وأحاول ألا يُسمع بكائي، وكم كنت أستيقظ في الصباح وأجد نفسي على هذه الحالة؛ كنت أنظر إلى سرير أخي الفارغ نظرة شاردة، ولم يكن بوسعي إلا أن أفكر فيه، فأنا السبب في غيابه.

وكان سببُ بُعْدِ أخي عن البيت هو مزهرية من الخزف الصيني؛ كانت أمي تحب المزهريات كثيرًا، وخصوصًا المزهريات المصنوعة من الخزف الصيني، وربما كانت قيمتها تفوق مكانتي عندها، وكان زجاج الغرفة الذي فيه المزهريات لا يُفتح أبدًا؛ حذرًا من انجرافها بإحدى التيارات الهوائية وسقوطها، أما مزهرية أمي المفضلة فهي التي أحضرها خالي الذي كان مدرسًا في الشرق الأقصى. 

وهذه المزهرية هي أغلى تحفة بيتنا التي تشبه المتحف، وإِنَّما فضَّلَتْها على الأُخْرَيات لكونها هدية خالي المغترب، ولأنها من الخزف الصيني المشهور، فكانت تعرضها لكل من يزورنا، ثم تُمسح وتُلمع وتوضع في مكانها بعناية.

ولم تكن هذه المزهرية أيضًا من النوع الذي يمكن أن يُوضع بداخله الورود والزهور، فقد كان طولها مثل طولي تقريبًا، وكنت أنا أيضًا معجبًا بألوانها وزخارفها، وأنتظر اليوم الذي أنظر فيه من أعلى هذه التحفة القيّمة، فأنا سأكبر يوماً بعد يوم، وستبقى هي على طولها، وإذا لم تعلّقها أمي في السقف فستصبح أقصر مني حتما.

وذات يوم كان أخي أحمد في البيت، فدخلت إلى غرفة الضيوف التي يُمنع دخولنا إليها، وكان باب الغرفة مفتوحًا، فرحتُ ألعب بنفاختي فيها وأُنطَطها بيدي، ولا أدعُهـا تقـع على الأرض؛ ولم أنتبه أنني قريب جدا من المزهرية الصينية، فاصطدمت بها فانكسرت، فولَّيْتُ هاربًا إلى غرفتي، وأخي أحمد يقرأ كتاباً كعادته، فسمع الصوت، ونظر إلى وجهي كأنه يقول:

ماذا حدث؟

، فقلت وأنا أهز كتفيَّ: لا أعرف.

أما أمي فقد أطلقت صرخة كأنها سمعت خبر وفاة أحد أقاربها المقربين؛ فقد سمعت صوت المزهرية المكسورة، وكدت أسمع شهيق أنفاسها وزفيرها من المكان الذي أنا فيه، فجعلت أقول في نفسي: هلكت، انتهيت، ولم أكن أدري ما الذي ستفعله أمي بي؛ فقد أتلفتُ شيئًا أعتقد أنه أغلى عندها مني، وجاءت أمي تصرخ مدويةً كسيارة إطفاء الحريق.

أمسكت أمي بعض حطام المزهرية وكأنه سيف أحـد المقاتلين، وضغطت بشدة على ذلك الحطام الخزفي حتى نزف الدم من يدها؛ واحمرت عيناها وسائر وجهها وهي تسأل – وربما كررت السؤال عشر مرات قائلة:

- من فعل هذا؟

من منكما تجرأ على كسر مزهريتي؟

وقد وجهت أول هذه الأسئلة لي، والتسعة الأخرى لأخي أحمد، ورغم أنها تعلم أنني أنا الذي كنت ألعب بالنفاخة في غرفة الضيوف إلا أنها كانت تتحامل على أحمد، عادة أحمد، ومن أخي أحمـد أنـه يـقــوم لأُمّي إذا دخلت غرفتنا احتراما لها، ولما

وقف دفعته أمي بقوة، فوقع بطوله على السرير دون أن يفهم ماذا حدث.

وأجابها أحمد على آخر سؤال مثلما أجاب على الأسئلة السابقة، فقال:

- لا أعرف كيف كُسرت المزهرية.

فقالت أمي:

- اخرس يـا لـك مـن كـذاب!

فأنت أصلاً لا تتكلم، وإن تكلّمت كذبت، وعندما يأتيك والدك سترى ماذا يفعل بك.

ثم أمسكت بأذنه، وأمرته بتنظيف حطام المزهرية؛ أهانته كثيراً حتى إنني كنت أسمع من غرفتي صوت اللطمات من وقت لآخر؛ وعندما عاد إلى الغرفة لم يقل لي شيئًا قط، وكان خده قد احمر من اللطمات، وإحدى أذنيه محمرة أيضًا وتبدو أنها أطول من الأخرى، وقال لي:

- لا تحزن، ما هي إلا مزهرية، وستشترى واحدة جديدة بدلًا منها، وأنا لن أخبر أحدًا، فلا تحزن.

ورغم أنه يكبرني بثلاثة أعوام فقط إلا أنه كان يتصرف كأنه

أكبر مني بعشرين عامًا، وكان لا يقصر أبدًا في احترامه لأمّي أيضًا، حتى إنه في ذلك اليوم لم يخالف أوامرها ألبتة، لكن أمي ظنت أنه يفعل ذلك لأنه مذنب.

قلت في نفسي:

- يـا إلـهـي!

كنـت أنـا المـذنـب وقـد ضُـرب ووُبّخ مَنْ ليس

له ذنب، ويـا لـه مـن ضـرب مـلأ قلبي خوفًا؟

فأنا لم أستطع أن أقول الحقيقة على الإطلاق، ولو أن أخي أحمد لم يواسني لَمَا استطعت أن أنظر في وجهه مرة أخرى، ورغم كل هذه المواساة إلا أن خجلي منعني أن أعتذر منه.

وعندما أتى أبي في المساء بدأ الاستجواب مرة أخرى، ولما ضغط علي أبي مثلما ضغط على أخي اضطررت أن أقول: أنا لم أفعل، ووقفت أمي معي أيضًا فأُلقيت مسؤولية الحادثة على أخي مرة أُخرى.

لكن اللطمة التي لطمه بها أبي بتحريض من أمي كانت قاسية حتى إنني رأيت أخي يبكي حينئذ، فأنبني ضميري وكدت أعترف بالحقيقة وأقول:

- توقفوا؛ فأنا الذي كسرتها.

لكن عاودني الشعور بالخوف مرة أُخرى، فلم أستطع أن أكسر صمتي، ولم أكن أعرف وقتها أنني سأسأل نفسي يومًا ما قائلاً: لِمَ كنتُ بهذا المستوى، ولم أكن أتوقع أن الليالي ستصبح كابوسًا، ولم أكن أعتقد أن صمت أخي أحمد سيسر إلى أيضًا.

ثم انصرف أخي أحمد إلى الغرفة، وأخذ يبكي ويبكي، وازداد صمته صمتا منذ ذاك اليوم؛ فقد ظُلِمَ ولطم لأول مرة، فتألم كثيرًا، لا سيما أنّ الذي لطمه هو أبي الذي يحبّه.

لم يأكل أخي أحمد في تلك الليلة، وذهب إلى غرفتنا مبكرًا، أما أنا فتناولتُ لُقيمات معدودة؛ فكل ملعقـة حـسـاء حسوتُها كانت تلهب حلقي وكأنها سم، ولم أنهض من المائدة حتى بدأت معدتي تؤلمني، وكانت أمنيتي الوحيدة ذلك اليوم أن يكون أخي نائما عندما أدخل إلى الغرفة.

وبعد الطعام تحدث أبي وأمي عن سوء أخلاق أخي، واتهماه بأنه هو المشاكس عند غياب أبي، وقالا:

- إنّه يحاول أن يُعوّدني على الكذب، وإن خوفه الشديد من أبي يجعله يمسك كتابًا في يده إذا علم بمجيئه.

كان أخي أحمد متفوقًا في دروسه رغم كلّ ما مرَّ به، وكانت أمي بذكائها الحاد تقول لأبي:

- لم يأخذ هذا الولد من صفاتك الوراثية سوى الذكاء. وكانت أمي تخوفني بنظرات مليئة بالتهديد لئلا أعترض على ما تقول.

ومرت ثلاثة أسابيع على هذه الواقعة، وما كسر صمت أخي أحمد سوى إصابته بسعال يزداد يومًا بعد يوم، ورغم كل هذا لم يُسئ إليّ، ولم يعرّض لي يومًا ما بهذا الموضوع، بل كان قلبه يمتلئ بالشفقة عليّ، وكان مستاء جدا من أبي.

وذات يوم تشجّعْتُ واعتذرت له على استحياء، إنّه موقف ورفع أخي رأسه وفي يده كتاب يقرؤه، ثم تبسم، فاعتقدت أنه سامحني، لكن موضوع المزهرية كان يُطرح كلّ يوم تقريبًا للمناقشة، وكلما اتهم بالكذب أحسست بخجل شديد، وما يُحزنه أكثر هو صمتُ أبي خاصًا أنهم ما زالوا يتحدّثون عن الموضوع حتى الآن.

ومرت ثلاثة أشهر على مسألة المزهرية، وذهب أبي بأخي أحمد إلى الدكتور، فسعاله لا ينقطع أبدًا، وبعد إجراء الأشعة والفحوصات والتحاليل خرج من البيت ولم يعد، وكأنَّ صمته انتقل إلى أبي أيضًا، فلم يَعُدْ يكلم أحدًا، وظل وظل معه أسبوعًا في المستشفى، أما أمي فاعتقدَتْ أن أخي فعَلَ كلَّ هذا ليلفت الأنظار إليه.

وفي عطلة الأسبوع ذهبت لزيارته، فوجدته أضعف مما كان عليه في البيت، وقد اصفرّ وجهه كثيرًا، وجاءت أسرة المدرسة لزيارته، فحوّلوا غرفته إلى حديقة زهور، ولما رآني فرح كثيرًا، فهو لم يكلّم أحدًا بكلمة واحدة منذ أيام.

وأشار إلي بيده لأقترب منه وهمس في أذني قائلا:

- إياك أن تحزن من أجلي، فأنا سأكتم السر طول الحياة، وسيُنسى الأمر بعد وقت قصير.

لم أستطع أن أخبر أحدًا بما قاله أخي في ذلك اليوم، ورأى أبي ما حدث بيننا لكنه لم يسألني عن أي شيء، لكن الكوابيس كانت تطاردني طالما أنني ما زلت أكتم ذاك السّر.

وذات صباح جلست بجوار أمي وأبي بعد الفطور، وحكيت لهما حقيقة قصة المزهرية، وأخبرتهم أن أخي أحمد تحمّل مسؤولية الخطأ بدلًا مني، وأنه فعل كل هذا ليحميني، وقلت في نهاية كلامي :

- افعلوا ما شئتم بعد اليوم؛ فأنا المخطئ الحقيقي .

فنظر كل منهما إلى الآخر، واحمر وجه أمّي، وبدأت تَعْرَق ويبدو أنها نادمة على ما فعلَتْ وبادرت بالقول ويدها على كتف أبي :

- وأنا أيضًا سأذهب معك إلى المستشفى، ونأخذ ابننا ونرعاه في البيت فالمسكين لم يتحسن في المستشفى.

سعد أبي كثيرًا بهذا الاقتراح، لكنَّه استغرق في تفكيره دون أن يعرف أحد غير الله بماذا يفكّر، وماذا يريد أن يقول، ولم يستطع أن يملك عينيه وهو خارج من الباب وقال:

- أَمْرَضُنا الولد من أجل مزهرية، وفوق كلّ هذا فالمسكين لا ذنب له حتى يَلْقَى كلّ ما لقي، لكنّ تصرفه ينم عن عقل كبير.

أمي:

معك حق يا أبا الحسن لكن الذي حدث ما هو إلا سوء فهم، هيا نُحضر الولد لنرعاه في البيت.

أبي :

- ابقوا أنتم في البيت فعلاجه سيستمر في المستشفى؛ لأنه صار ضعيفًا، وأرجو أن نأتي به إلى البيت معافى إن شاء الله، وإلا فلن نتخلّص من تأنيب الضمير حتى الموت، وكأنه يقصدني بهذه الجملة.

وفي عطلة الأسبوع التالي زرناه مع أمي.

كانت أمي تحكي لأبي كلّ ليلة عن معاملتها لأخي ثم تبكي، وكانا يتحدثان دائمًا عن مثل هذه الأشياء حينما يعتقدون أني نائم.

عندما دخلت أمي حاول أخي أن يقوم لها إلا أنه لم يتمكن فاندفعت أمي نحوه بعاطفة كبيرة وأرقدته، فكانت هذه أول لمسة حنان من أمي لأخي، وهي أول مرة تلمسه فيها يد أمّ، وكأنّ يد الأم صارت له دواءً.

وبعد خمسة عشر يوماً أخرجنا أخي من المستشفى، وكانت أمي تعتني به ليل نهار وتشعره بحنان الأم الحقيقي، وها هي ذي تناديه من قلبها: «ابني، ولدي ، فكان هذا شيئًا عظيمًا حقًا، وكأنَّ أمي تأثرت بالسنين التي مضت بلا رعاية أو اهتمام.

مرت ستة أشهر وتعافى أخي، وسرى حنان أمي إلينا جميعًا، فعشنا معًا إخوةً متحابين نتقاسم المودّة والحنان ونذاكر ونلعب بكلّ فرح وسرور.

اقرأ ايضا

تعليقات