اسماء الله الحسنى كلها قصة الْكَائِنَاتُ فِي عُرْسِ
اليوم مع قصة جديدة من سلسلة اسماء الله الحسنى وقصة اليوم بعنوان الْكَائِنَاتُ فِي عُرْسِ وهي قصة مكتوبة كلها على لسان الحيوانات نتمنى أن تنال رضاكم.
قصة الْكَائِنَاتُ فِي عُرْسِ
لَبِسَتِ الْأَشْجَارُ أَجْمَلَ الثّيابِ الْخَضْرَاءِ، وَتَزَيَّنَتِ الْأَزْهَارُ كَأَنَّهَا فِي عُرْسِ، وَاصْطَفَتِ الْأَعْشَابُ بِشَكل رائع، وَعَكَسَتِ السَّمَاءُ لَوْنَهَا الْأَزْرَقَ الْقَاتِمَ فِي الْبُحَيْرَةِ، وَازْدَادَ جَمَالُ الْجِبَالِ وَالتِّلَالِ وَالْجَدَاوِلِ، وَاسْتَيْقَظَ مَنْ كَانَ فِي بَيَاتِهِ الشَّتَوِيِّ، وَارْتَسَمَ وَجْهُ الْأَرْضِ وَكَأَنَّهُ لَوْحَةٌ مُزَرْكَشَةُ الْأَلْوَانِ، اَلْكَائِنَاتُ تُغَرِّدُ، وَالْمَوجُودَاتُ تَبْتَهِجُ، اَلْجَمَالُ فِي كُلّ مَكَانٍ، وَأَيْنَمَا تَنْظُرُ تَرَى جَمَالَ صُنْعِ اللَّهِ، تَتَنَاقَلُ النَّحَلَاتُ بَيْنَ الزُّهُورِ، وَالْفَرَاشَاتُ تَلْعَبُ وَتَرْقُصُ بِدُلَّ وَدَلَالٍ، حَتَّى إِنَّ النَّمْلَ قَدْ بَدَأَ فِي الِاسْتِعْدَادِ لِلشَّتَاءِ مِنَ الْآنَ، وَبدَأتِ الطُّيُورُ الْمُهَاجِرَةُ تَعُودُ، وَأَصْبَحَتِ السَّمَاءُ شَمْسِيَّةٌ كَعَادَتِهَا،وَأَشْرَقَتِ الشَّمْسُ بِكُلِّ جَمَالِهَا، وَبَدَأَتِ الْأَرْضُ تُظهِرُ كَرَمَهَا،
وَكَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَتَسَابَقُ فِي أَدَاءِ الْوَظِيفَةِ الَّتِي كَلَّفَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا بِاسْتِخْدَامِ الْخَصَائِصِ الَّتِي مَنَحَهَا لَهُ الْحَقُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. كُلُّ الْكَائِنَاتِ تُحَاوِلُ أَنْ تَعْمَلَ وَفْقًا لِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْحُسْنَى.
كُلُّ شَيْءٍ يَحْكِي وَيَعْكِسُ قُدْرَتَهُ تَعَالَى: اَلْأَعْيُنُ الَّتِي نَرَى بِهَا، وَالْآذَانُ الَّتِي تَسْمَعُ بِهَا، وَالْعُقُولُ الَّتِي نُفَكِّرُ بهَا بَعْدَ أَنِ اسْتَحَمَّتِ الْحَمَامَةُ يَمَامَةُ فِي الْبُحَيْرَةِ قَلِيلًا، انْفَصَلَتْ عَنْ أَصْدِقَائِهَا وَصَعِدَتْ فَوْقَ صَخْرَةٍ مُرْتَفِعَةٍ وَأَخَذَتْ تُفَكِّرُ فِي مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ وَنِعَمِهِ قَائِلَةً فِي نَفْسِهَا:
سُبْحَانَكَ يَا اللَّهُ خَلَقْتَ كُلَّ شَيءٍ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، اَللَّهُمَّ يَا مُحْسِنُ أَصْلِحْ حَالَنَا إِنَّكَ سُبْحَانَكَ مَنْ تُحْسِنُ عَلَى عِبَادِكَ بِكُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى إِنَّكَ تُحْسِنُ عَلَيْنَا بِمَا لَا نَعْلَمُهُ مِنِ احْتِيَاجَاتِنَا، اَللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ!
كَانَتْ تَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى مُتَأَثِرَةً بِكُلِّ هَذَا الْجَمَالِ.
وَكَيْفَ لَهَا أَلَّا تَدْعُوَ؟!
أَلَا تَسْتَوْجِبُ كُلُّ هَذِهِ النِّعَمِ الَّتِي لا تُحْصَى وَكُلُّ هَذَا الْجَمَالِ الْكَثِيرَ مِنَ الشُّكْرِ وَالدُّعَاءِ؟!
إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِي أَحْسَنَ عَلَى عِبَادِهِ، وَكُلُّ هَذَا بِاسْمِهِ الْمُحْسِنِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُرِدْ مِنْ عِبَادِهِ إِلَّا ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ: التَّفَكُرَ، وَالذِكْرَ، وَالشُّكْرَ... التفكر بالتأمل في كُلِّ هَذِهِ النِّعَمِ وَمَعْرِفَةِ قِيمَتِهَا، وَالذِّكْرُ : بِذِكْرِ أَسْمَاءِ اللهِ الْحُسْنَى، وَالدُّعَاءِ إِلَيْهِ تَعَالَى بِخُشُوع، وَالشُّكرُ: بِشَكْرِ الْمُنْعِمِ الَّذِي رَزَقَنَا كُلَّ هَذِهِ النِّعَمِ وَالشُّكْرُ إِمَّا بِاللَّسَانِ وَهَذَا بِقَوْلِنَا: اَلْحَمْدُ لِلَّهِ وَنَحْوِهِ مِنْ أَلْفَاظِ الشُّكْرِ، وَإِمَّا بِالْأَفْعَالِ وَهَذَا بِكُلِّ مَا نَقُومُ بِهِ مِنْ عِبَادَاتٍ وَأَعْمَالِ صَالِحَةٍ خَالِصَةٍ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى.
كَانَتِ الْحَمَامَةُ يَمَامَةُ كُلَّمَا تَفَكَّرَتْ وَتَأَمَّلَتْ فِي كُلِّ مَا حَوْلَهَا؛ تَعَرَّفَتْ عَلَى رَبِّهَا أَكْثَرَ، وَزَادَ حُبُّهَا وَتَعَلُّقُهَا به.
- كُمْ هُمْ سُعَدَاءُ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟!
أَخْرَجَتْ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ الْحَمَامَةَ يَمَامَةَ مِنْ عَالَمِ تَفْكِيرِهَا، فَقَالَتْ :
- أَهْلًا وَسَهْلًا، أَلَمْ تَقُلْ أَنَّكَ سَتَسْتَحِمُ قَلِيلًا؟!
- قُلْتُ فِي نَفْسِي لِأُشَاهِدُ هَذِهِ الْمَنَاظِرَ الْخَلَّابَةَ، سَأَسْتَحِمُ بَعْدَ قَلِيل، هَذَا الْمَكَانُ جَمِيلٌ جدًّا.
- حَقًّا يَا نُغَيْرُ، لَقَدْ خُلِقَ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، إِنَّهُ مَكَانٌ مُنَاسِبٌ تَمَامًا كَيْ نَرَى جَمَالَ صَنْعَتِهِ تَعَالَى فِي مَخْلُوقَاتِهِ، كُنْتُ أُفَكِّرُ في اسْمِ اللهِ تَعَالَى الْمُحْسِنِ، مَا أَكْثَرَ مَا أَحْسَنَ بِهِ عَلَيْنَا دُونَ أَنْ نَطْلُبَ مِنْهُ سُبْحَانَهُ شَيْئًا، نَحْنُ أَصْلًا لَمْ نَكُنْ نَعْرِفُ هَلْ نَحْتَاجُ إِلَى كُلِّ هَذِهِ النِّعَمِ أَمْ لَا ، وَلَكِنْ بَعْدَ الْحُصُولِ عَلَيْهَا نَشْعُرُ بِأَنَّنَا محْتَاجُونَ إِلَيْهَا.
إِنَّ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ الْحُسْنَى أَيْضًا: "الْوَهَّابَ" أَيْ إِنَّهُ يَهَبُ حَتَّى لِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا، وَلَا يَطْلُبُ مِنَّا فِي الْمُقَابِلِ إِلَّا الْعِبَادَةَ، وَالْعِبَادَةُ تَعُودُ مَنْفَعَتُهُ إِلَيْنَا، أَي الَّذِي يَسْتَفِيدُ مِنَ الْعِبَادَةِ نَحْنُ، لِأَنَّ اللَّهَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى عِبَادَتِنَا؛ كُلُّ هَذِهِ الْأُمُورِ تَعْنِي أَنَّهُ تَعَالَى يَعْرِفُنَا أَكْثَرَ مِنْ أَنْفُسِنَا، وَيَعْلَمُ احْتِيَاجَاتِنَا أَكْثَرَ مِنَّا، وَلَا يَقُولُ أَلْبَتةَ لَقَدْ أَعْطَيْتُ الْكَثِيرَ ، هَذَا يَكْفِي، دَائِمًا يَرْزُقُنَا دُونَ أَنْ تَنْفَدَ خَزَائِنُهُ، فَيَدَاهُ سُبْحَانَهُ مَبْسُوطَتَانِ، وَنِعَمُهُ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْنَا لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى.
- أَنْتِ مُحِقَّةٌ يَا يَمَامَةُ، إِنَّ مَا يَحْتَاجُهُ الْكَائِنُ الْحَيُّ يَتَلَخَّصُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، وَهِيَ الْهَوَاءُ وَالْمَاءُ وَالطَّعَامُ... وَلَكِنَّ الله له يَرْزُقُنَا أَكْثَرَ مِنْ هَذَا بِاسْمِهِ الْمُحْسِنِ" فَبَسَطَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَنَا الْأَرْضَ وَزَيَّنَهَا بِأَجْمَلِ زِينَةٍ، وَرَفَعَ السَّمَاءَ وَزَيَّنَهَا بِأَفْضَلِ زِينَةٍ غِذَاءً لِأَعْيُنِنَا، وَأَحْسَنَ عَلَيْنَا بِأَصْوَاتٍ عَذْبَةٍ لِنُطْرِبَ آذَانَنَا، كَمَا أَنْعَمَ عَلَيْنَا بِرَوَائِحَ جَمِيلَةٍ لِتَسْتَمْتِعَ بِهَا حَاسَةُ الشَّمِ عِنْدَنَا.
نَظَرَ الْعُصْفُورُ نُغَير حَوْلَهُ لِفَتْرَةٍ ثُمَّ قَالَ:
- أَيَّ نِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِ اللهِ أُحْصِي؟!
لَوْ فَكَّرْتُ فِي حَصْرِهَا لَانْتَهَى عُمْرِي دُونَ أَنْ أُحْصِيَهَا، وَسَتَبْقَى الْكَلِمَاتُ عَاجِزَةً عَنْ وَصْفِهَا وَإِعْطَائِهَا حَقَّهَا الْكَافِي... أُنْظُرِي إِلَى السَّمَاءِ وَالْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ وَالْجَمَادَاتِ... إِلَى الْمَاءِ وَإِلَى جَمَالِ الزُّهُورٍ ... عَنْ أَي مِنْهَا نَتَحَدَّثُ؟! وَعَنْ أَيَّ مِنْهَا نَتَكَلَّمُ؟!
وَعِنْدَمَا تَحَدَّثَ الْعُصْفُورُ نُغَيْرٌ عَنِ الزُّهُورِ، أَشَارَ إِلَى زُهُورِ الْخَشْخَاشِ، فَقَالَتْ إِحْدَاهُنَّ:
- شُكْرًا جَزِيلًا، هَذَا لُطْفٌ مِنْكَ.
وَشَكَرَتْهُ بَاقِي زُهُورِ الخَشْخَاشِ بنفس الطريقة.
أَخَذَتِ الْحَمَامَةُ يَمَامَةُ تَنْظُرُ إِلَى زُهُورِ الْخَشْخَاشِ بِإِعْجَابِ شَدِيدٍ، إِنَّهَا تَجَمَّعَتْ فِي جُزْءٍ مُحَدَّدٍ مِنَ التَّلِ، وَزَادَتْ هَذَا الْمَكَانَ جَمَالًا عَلَى جَمَالِهِ، فَهِيَ تَتَمَيَّزُ عَنْ بَقِيَّةِ الْأَزْهَارِ بِلَوْنِهَا الْأَحْمَرِ الْفَاتِحِ، كَمَا أَنَّ الْحُبَيْبَاتِ السَّوْدَاءَ الْمَوْجُودَةَ بِوَسَطِهَا تَزِيدُهَا حُسْنًا وَرَوْنَقًا.
قَالَتِ الْحَمَامَةُ:
- مَا شَاءَ اللَّهُ، أَنْتُنَّ جَمِيلَاتٌ جِدًّا.
فَشَكَرَتْهَا الزَّهْرَةُ الَّتِي تَحَدَّثَتْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَقَالَتْ:
- عَنْدَمَا يَكُونُ الْخَالِقُ جَمِيلا يَكُونُ الْمَخْلُوقُ أَيْضًا جَمِيلًا.
أُعْجِبَ الْعُصْفُورُ نُغَيْرٌ كَثِيرًا بِهَذَا التَّعْبِيرِ، وَقَالَ لَهَا:
- مَا أَجْمَلَ حَدِيثَكِ هَذَا!
فَأَجَابَتِ الزَّهْرَةُ:
- عِنْدَمَا يَكُونُ مَنْ وَهَبَنِي الْحَدِيثَ جَمِيلا يَكُونُ الْحَدِيثُ جميلا؟!
نَظَرَ الْعُصْفُورُ نُغَيْرُ وَالْحَمَامَةُ يَمَامَةً لِبَعْضِهِمَا الْبَعْضِ؛ وَازْدَادَ إِعْجَابُهُمَا أَكْثَرَ، فَقَالَتِ الْحَمَامَةُ يَمَامَةُ:
- مَا شَاءَ اللَّهُ، مَا أَجْمَلَ هَذَا الْكَلَامَ، إِنَّهَا تَحْمِلُ مَعَانِيَ كَثِيرَةً وَمُفِيدَةً.
ابْتَسَمَتِ الزَّهْرَةُ، فَصَارَتْ أَكْثَرَ جَمَالًا، وَقَالَتْ :
- مُنْذُ نِصْفِ السَّاعَةِ تَقْرِيبًا وَنَحْنُ نَسْتَمْتِعُ بِحَدِيثِكُمَا الشَّيِّقِ عَنْ هَذَا الْمَنْظَرِ الْبَدِيعِ.
ثُمَّ أَشَارَتِ الزَّهْرَةُ إِلَى الْمَنْظَرِ الرَّائِعِ، وَقَالَتْ:
- إِنَّنَا نُشَاهِدُ هَذَا الْمَنْظَرَ بِإِعْجَابٍ مُنْذُ أَيَّامٍ، كَمْ هُوَ سَاحِرٌ ؟!...
إِنَّ كُلَّ هَذَا الْجَمَالِ يُذَكِّرُنَا دَائِمًا بِخَالِقِنَا الْجَمِيل، وهَذَا يَمْنَحُنَا سَعَادَةً رُوحِيَّةً لَا تُوصَفُ.
أَسْعَدَتْ تِلْكَ الْكَلِمَاتُ الَّتِي تُشْبِهُ الشِّعْرَ الْحَمَامَةَ يَمَامَةَ وَالْعُصْفُورَ نُغَيْرًا.
قَالَ نُغَيْرُ:
- فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّ النَّظَرَ إِلَيْكُنَّ كَافٍ لِنَرَى هَذَا، وَلَوْ نَظَرْتُ إِلَيْكُنَّ أَكْثَرَ رُبَّمَا أُصْبِحُ شَاعِرًا.
فَرَدَّتْ زَهْرَةٌ أُخْرَى قَائِلَةً:
- نَشْكُرُكَ عَلَى هَذِهِ الْمُجَامَلَةِ اللَّطِيفَةِ، وَلَكِنْ إِذَا كُنْتَ تَرَى فِينَا جَمَالَنَا فَقَطْ فَنَحْنُ لَا نَقْبَلُ هَذِهِ الْمُجَامَلَةَ .
فَقَالَتِ الزَّهْرَةُ الَّتِي تَحَدَّثَتْ أَوَّلًا:
- أَجَلْ، نَحْنُ أَثَرُ الصَّنْعَةِ فَحَسْبُ، فَمِنَ الْخَطَةِ التَّعَلُّقُ بِالْأَثَرِ وَتَرْكُ الصَّانِعِ، فَمَنْ مَنَحَنَا هَذَا الْجَمَالَ هُوَ اللَّهُ الْمُحْسِنُ الْجَمِيلُ.
الْحَمَامَةُ يَمَامَةُ:
- مَا شَاءَ اللهُ، أَنْتُنَّ تَتَحَدَّثْنَّ بِأُسْلُوبِ عِلْمِي، كَيْفَ تَعَلَّمْتُنَّ كُلَّ هَذَا؟!
فَانْضَمَّتْ زَهْرَةٌ أُخْرَى لِلْحِوَار قَائِلةً:
- بِالِاشْتِرَاكِ فِي دُرُوسِ الْعِلْمِ، كَمَا يَفْعَلُ الْجَمِيعُ ...
تَعَجَّبَتِ الْحَمَامَةُ يَمَامَةُ كَثِيرًا وَقَالَتْ:
- دُرُوسُ الْعِلْمِ ؟!
نَعَمْ، كَمِثْلِ دُرُوسِكُمْ تَمَامًا.
أَتَعْلَمِينَ بِهَذَا أَيْضًا؟!
- نَعَمْ.
- وَمَنْ يَشْرَحُ لَكُنَّ تِلْكَ الدُّرُوسَ؟!
- السِّنْجَابُ لَطِيفٌ.
نَظَرَ الْعُصْفُورُ نُغَيْرُ إِلَى الْبُحَيْرَةِ قَائِلًا:
- آهِ مِنْكَ يَا لَطِيفُ، لَمْ يَذْكُرْ لَنَا أَيَّ شَيْءٍ عَنْ هَذَا.
وَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ بَدَأَتْ حَالَةٌ مِنَ الذعْرِ عَلَى شَاطِئِ الْبُحَيْرَةِ.
- إِنَّهُ يَغْرَقُ يَغْرَقُ !
- لِيُسَاعِدُهُ أَحَدٌ بِسُرْعَةٍ !
- ضَاعَ السّنْجَابُ ضَاعَ السّنْجَابُ لَطِيفٌ !
أَرْجُوكُمْ سَاعِدُوهُ!
دَبَّ الذَّعْرُ فَوْقَ التَّلَ أَيْضًا.
أَسْرَعَ الْعُصْفُورُ نُغَيْرُ وَالْحَمَامَةُ يَمَامَةُ نَحْوَ الْبحَيرةِ ، أَمَّا زُهُورُ الْخَشْخَاشِ فَأَخَذَتْ تَتَلَوَّى أَلَمًا بِسَبَبٍ عَجْزِهَا عَنْ فِعْلِ أَيِّ شَيْءٍ وَلَوْ بَسِيطٍ، حَتَّى إِنَّ الزُّهُورَ الصَّغِيرَةَ أَخَذَتْ تَبْكِي بِحَرَارَةٍ.
وَعِنْدَمَا وَصَلَ الصَّدِيقَانِ إِلَى الْبُحَيْرَةِ، كَانَتْ حَالَةُ الذعْرِ مَا زَالَتْ مُسْتَمِرَّةً.
فَقَدْ كَانَ السِّنْجَابُ ظَرِيفٌ يَبْكِي بِحُرْقَةٍ.
- قُلْتُ لَهُ لَا تُبْحِـرْ بَعِيدًا، فَلَمْ يَسْتَمِعْ إِلَيَّ، اَللَّهُمَّ سَاعِدْهُ!
أَرْجُوكَ يَا رَبِّ!
قَالَتْ يَمَامَةُ:
- لِنُنَادِ الضَّفْدَعَ وَضَّاحًا، لَا بُدَّ أَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ هُنَا.
فَقَالَ الثعْلَبُ الرَّمَادِيُّ :
- وَضَّاحٌ لَيْسَ هُنَا.
- وَالضّفْدَعُ الْحَكِيمُ؟
- كُلُّ الضّفَدِع ذَهَبَتْ لِلتَّجَوُّلِ فِي الْبُحَيْرَةِ الْمُجَاوِرَةِ.
- وَمَاذَا عَنِ الْأَسْمَاكِ؟
فَقَالَ الْأَرْنَبُ الْحَكِيمُ:
- لَا بُدَّ أَنَّهُمْ نَزَلُوا لِأَعْمَاقِ الْبُحَيْرِةِ لِيَبْحَثُوا عَنْ طَعَامٍ.
انْقَطَعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ، وَأَصْبَحُوا بِلَا حِيلَةٍ، ثُمَّ نَظَرُوا إِلَى زَهْرَةِ النِّيلُوفَرِ، وَلَكِنَّهَا أَيْضًا كَانَتْ مِثْلَهُمْ لَيْسَ بِيَدِهَا حِيلَةٌ.
كَانَ السِّنْجَابُ ظَرِيفٌ فِي حَالَةٍ مِنَ الذعْرِ، فَصَرَخَ بِاضْطِرَابٍ:
- لَقَدْ مَرَّتْ دَقِيقَةٌ، عَلَيْنَا أَنْ نَفْعَلَ شَيئًا!
بَعْدَهَا قَفَزَ بِسُرْعَةٍ فِي الْبُحَيْرَةِ.
- تَوَقَّفُ يَا ظَريفُ أَنتَ لَا تَعْرِفُ السَّبَاحَةَ!
لَمْ يَسْمَعْ ظَرِيفٌ الْعُصْفُورَ نُغَيْرًا، وَغَطَسَ فِي الْمِيَاهِ.
وَقَدْ سَادَتْ حَالَةٌ مِنَ الاِضْطِرَابِ عَلَى شَاطِئِ الْبُحَيْرَةِ.
فَكَانَ هُنَاكَ مَنْ يَبْكِي وَمَنْ يَصْرُخُ وَمَنْ يَتَأَوَّهُ... وَتَحَوَّلَتْ أَنَاشِيدُ السَّعَادَةِ فَجْأَةً إِلَى قَصَائِدِ حُزْنٍ.
وَتَحَوَّلَتْ كُلُّ الْأَنْظَارِ إِلَى الْبُحَيْرَةِ، يَنتَظِرُونَ أَيَّ شَيْءٍ وَلَوْ صَغِيرِ يُعْطِيهِمُ الْأَمَلَ وَالْبُشْرَى.
وَكُلَّمَا مَرَّ الْوَقْتُ تَحَوَّلَ الِانْتِظَارُ إِلَى يَأْسِ...كَانَتِ السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِعِ شَغُوفَةٌ بِشَاطِئِ الْبُحَيْرَةِ، فَدَائِمًا مَا كَانَتْ تَتَحَدَّثُ عَنِ الضَّفْدَعِ وَضَاحِ وَتَمْدَحُهُ، فَأَخَذَتْ سَمَكَةَ الْجَرْيِ مَعَهَا وَاتَّجَهَتْ نَحْوَ الشَّاطِئِ.
لَمْ تُصَدِّقِ السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِعِ عَيْنَيْهَا، وَقَالَتْ فِي نَفْسِهَا: "يَا إِلَهِي مَا هَذَا؟
كَيْفَ يَحْدُثُ هَذَا؟
فَقَدْ رَأَتْ سِنْجَابًا يَنْزِلُ نَحْوَ قَاعَ الْبُحَيْرَةِ مُبَاشَرَةً، وَبَعْدَ قَلِيلِ رَأَتْ سِنْجَابًا آخَرَ يَضْرِبُ بِيَدِهِ فِي الْمَاء“.
ظَنَّتِ السَّمَكَةُ أَنَّهَا تَحْلُمُ ، فَنَظَرَتْ إِلَى سَمَكَةِ الْجَرْيِ فَوَجَدَتْ أَنَّهَا رَأَتْ نَفْسَ الشَّيْءِ، فَقَالَتْ فِي نَفْسِهَا: يَا لَلْحَيْرَةِ، مَاذَا يَفْعَلُ هَذَانِ فِي الْمَاءِ؟“
لَمْ تَسْتَطِعِ السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِعِ أَنْ تُفَسِرَ مَا يَحْدُثُ، وَقَالَتْ:
- مِنَ الْمُؤَكَّدِ أَنَّ هُنَاكَ أَمْرًا هَامَّا !
وَقَالَتْ سَمَكَةُ الْجَرْي:
- فَأَحَدُهُمَا عَلَى وَشْكِ الْغَرَقِ، عَلَيْنَا أَنْ نُسَاعِدَهُمَا عَلَى الْفَوْرِ!
بَدَأَتِ السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِعِ تَدُورُ حَوْلَ السِّنْجَابَيْنِ.
قَالَتْ سَمَكَةُ الْجَرْي:
- اذْهَبِي أَنْتِ لِهَذَا الَّذِي فِي الْأَسْفَل وَأمْسِكِيهِ مِنْ أُذُنِهِ بفَمِكِ، ثُمَّ اسْحَبِيهِ نَحْوَ الشَّاطِئِ بِسُرْعَةٍ، لَنْ يُتْعِبَكِ كَثِيرًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَرَّكُ.
صَاحَتِ السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِعِ بِفَرَحٍ:
- إِنَّهُ حَيَّا قَلْبُهُ مَا زَالَ يَنْبِضُ !
- إِذَا عَلَيْنَا أَنْ تُسْرِعَ ، حَاوِلِي أَنْ تُخْرِجِي رَأْسَهُ مِنَ الْمَاءِ!
وَسَحَبَتْ هي السِّنْجَابَ الْآخَرَ مِنْ قَدَمَيْهِ، وَقَالَتْ لَهُ:
- اصْعَدْ فَوْقَ ظَهْرِي، وَبَعْدَهَا أَمْسِكْ بِخَيَاشِيمِي جَيِّدًا .
حَاوَلَ السّنْجَابُ ظَرِيفٌ فَتْحَ عَيْنَيْهِ بِصُعُوبَةٍ؛ فَقَالَتْ سَمَكَةُ الجري:
- لَا تَخَفْ يَا أَخِي سَنُنْقِذُكُمَا بِإِذْنِ اللَّهِ!
وَعِنْدَمَا اقْتَرَبُوا مِنَ الشَّاطِئِ الْمُقَابِلِ قَالَتْ سَمَكَةُ الْجَرْي لِلسِّنْجَابِ ظَرِيفٍ وَهُوَ قَدْ أَفَاقَ تَمَامًا:
- نَحْنُ لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَتَقَدَّمَ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا، عَلَيْكَ أَنْ تَسْتَجْمِعَ قُوَاكَ بِسُرْعَةٍ، وَتَسْحَبَ صَدِيقَكَ إِلَى الْيَابِسَةِ، وَبِمُجَرَّدِ أَنْ تَصِلَ إِلَى الشَّاطِئِ ارْفَعْ قَدَمَيْهِ إِلَى الْهَوَاءِ وَحَرّكْهُ، فَقَدْ شَرِبَ الْكَثِير مِنَ الْمَاءِ.
بَدَأَتِ السَّمَكَتَانِ تُرَاقِبَانِ السِّنْجَابَ ظَرِيفًا؛ وَقَدْ فَعَلَ ظَرِيفٌ مَا قِيلَ لَهُ بِالضَّبْطِ لَكِنَّ السِّنْجَابَ لَطِيفًا لَمْ يُفِقُ بَعْدُ.
وَقَدْ تَحَيَّرَ ظَرِيفٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ.
وَعَلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ كَانَ الْجَمِيعُ فِي حَالَةٍ مِنَ الْبُكَاءِ وَالْأَنين.
وَكَانَ الْأَرْنَبُ الْحَكِيمُ فِي هَذِهِ الْأَثْنَاءِ يُحَاوِلُ أَنْ يُهَدِّ الْجَمِيعَ مِنْ حَوْلِهِ، قَائِلًا:
- عَلَيْنَا أَنْ نَرْضَى بِالْقَدَرِ يَا أَصْدِقَائِي، فَإِذَا كَانَتِ الْحَيَاةُ حَقِيقَةٌ فَالْمَوْتُ أَيْضًا حَقِيقَةٌ مِثْلَهَا، وَالْمَوْتُ هُوَ الْبِدَايَةُ لِحَيَاةِ جَدِيدَةٍ، إِنَّهُ بَابُ الِانْتِقَالِ مِنْ الدَّارِ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ إِلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ الْبَاقِيَةِ، إِنَّهُ السَّبِيلُ لِلِقَاءِ أَحْبَابِنَا، وَهُوَ جِسْرُ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ لِلْجَنَّةِ، وَبَابُهُمْ لِرُؤْيَةِ جَمَالِ اللهِ تَعَالَى.
وَالْمَوْتُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ نِعْمَةٌ مِنْ أَكْبَرِ النِّعَمِ إِنَّ الْجَمِيلَ الْمُحْسِنَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُحْسِنُ عَلَى عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ فِي الْجَنَّةِ بِكَثِيرٍ مِنَ الْجَمَالِ، وَكُلُّنَا سَنَذُوقُ الْمَوْتَ عَاجِلًا أَوْ آجِلا، اَلْمُهِم أَنْ تَتَزَوَّدَ لِهَذَا الْيَوْمِ بِزَادِ التَّقْوَى.. ثُمَّ مَسَحَ الْأَرْنَبُ دُمُوعَهُ مِنْ عَيْنَيْهِ، وَأَكْمَلَ كَلَامَهُ:
- لَقَدْ رَحَلَ صَدِيقَانَا إِلَى الْآخِرَةِ مُزَوَّدَيْنِ بِالتَّقْوَى إِنْ شَاءَ اللَّهُ مُسْتَعِدين.
- هَا هُمَا قَادِمَانِ هَا قَدْ جَاءَا!
اِتَّجَهَتْ كُلُّ الْعُيُونِ صَوْبَ النَّاحِيَةِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا.
وَاتَّجَهَ الْأَرْنَبُ الْحَكِيمُ وَمَنْ حَوْلَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ دَاعِينَ اللَّهَ :
- اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَرَيْتَنَا مَرَّةً أُخْرَى تَجَلِّي أَسْمَائِكَ الْجَمِيل وَالْمُحْسِنِ وَالْوَهَّابِ، مَا أَجْمَلَ مَا أَحْسَنْتَ بِهِ عَلَيْنَا الْآنَ!!
لَكَ الْحَمْدُ وَالشُّكْرُ يَا إِلَهَنَا.
كَانَ السِّنْجَابُ ظَرِيفٌ يَمْشِي مُتَمَايِلًا، فَلَمْ يَكُنْ قَدْ عَادَ إِلَى رُشْدِهِ بَعْدُ.
هُرِعَ الْجَمِيعُ نَحْوَ ظَرِيفِ، وَتَسَاءَلُوا جَمِيعًا قَائِلِينَ:
- لَطِيفٌ !
أَيْنَ السِّنْجَابُ لَطِيفٌ؟!
لَمْ يَسْتَطِعِ السّنْجَابُ ظَرِيفٌ أَنْ يَقِفَ عَلَى قَدَمَيْهِ، فَسَقَطَ عَلَى الْأَرْضِ، وَقَالَ بِصَوْتٍ خَافِتٍ:
- إِنَّهُ هُنَاكَ!
يَرْقُدُ مَغْشِيَّا عَلَيْهِ، أَنَا بِخَيْرِ، مِنْ فَضْلِكُمْ سَاعِدُوهُ... أَرْجُوكُمْ.
فَانْقَسَمُوا لِمَجْمُوعَتَيْنِ، مَجْمُوعَةٍ بَقِيَتْ بِجِوَارِ السِّنْجَابِ ظَرِيفِ، وَالْأُخْرَى ذَهَبَتْ بِسُرْعَةٍ إِلَى السِّنْجَابِ لَطِيفِ.
بَعْدَ قَلِيلٍ عَادَ ظَرِيفٌ إِلَى صَوَابِهِ، أَمَّا لَطِيفٌ فَلَمْ يَتَحَسَّنْ حَالُهُ بَعْدُ.
تَجَمَّعُوا حَوْلَ السّنْجَابِ لَطِيفٍ، وَكَانُوا يَنْتَظِرُونَ أَنْ يَفْتَحَ عَيْنَيْهِ بِفَارغ الصَّبْرِ، وَكَانَ الْقَلَقُ يُحَاصِرُهُمْ.
مَرَّتْ مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ وَلَمْ يَحْدُثْ أَيُّ تَغَيُّرِ، قَالَتِ الْحَمَامَةُ يَمَامَةُ بِصَوْتٍ حَادٍ:
- لِنَأْخُذْهُ لِأَعْلَى حَيْثُ الْمَكَانُ الصَّخْرِيُّ، فَالْمَكَانُ هُنَاكَ مُشْمِسٌ أَكْثَرُ، كَمَا أَنْ زُهُورَ الْخَشْخَاشِ تَمُوتُ فَلَفًا عَلَيْهِ.
عِنْدَمَا رَأَتْ زُهُورُ الْخَشْخَاشِ السِّنْجَابَ لَطِيفًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، ظَنُّوا أَنَّهُ مَاتَ، فَأَخَذُوا يَبْكُونَ، وَمِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى حَاوَلُوا مُوَاسَاةَ بَعْضِهِمُ الْبَعْضِ.
قَالَتِ الْحَمَامَةُ يَمَامَةُ لِزُهُورِ الْخَشْخَاشِ الصَّغِيرَةِ:
- اُدْعُوا لَهُ، فَاللَّهُ تَعَالَى يَسْتَجِيبُ دُعَاءَ الصَّغَارِ.
وَكَانَ الْجَمِيعُ يَدْعُونَ اللَّهَ تَعَالَى وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ.
وَكَانَتْ هُنَاكَ زَهْرَةٌ صَغِيرَةٌ تَدْعُو اللَّهَ وَتَتَوَسَّلُ إِلَيْهِ زَارِفَةً دُمُوعُهَا قَائِلَةً:
- اَللَّهُمَّ أَنْتَ تُسْعِدُ مَنْ تَشَاءُ وَتُحْزِنُ مَنْ تَشَاءُ، نَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ أَنْ تَشْفِي السّنْجَابَ لَطِيفًا، اَللَّهُمَّ يَا صَاحِبَ الْإِحْسَانِ احْفَظْهُ لَنَا!
- آمین!
- اَللَّهُمَّ إِنَّ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ يَحْمَدُونَكَ عَلَى نِعَمِكَ، اَللَّهُمَّ يَا مُحْسِنُ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَحْمَدُونَكَ عَلَى إِحْسَانِكَ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ!
- آمین!
- أَنْتَ سُبْحَانَكَ مَنْ يُقَدِّرُ لَنَا الْخَيْرَ فِي كُلِّ الْأُمُورِ، اَللَّهُمَّ اشف السِّنْجَابَ !
- آمین آمین !
قَالَتْ زَهْرَةٌ أُخْرَى:
- أَرْجُو اللَّهُ تَعَالَى الْمُحْسِنَ أَنْ يُرِينَا إِحْسَانَهُ بِفَضْلِ هَذَا الدُّعَاءِ الْجَمِيل.
قَالَتِ الزَّهْرَةُ الصَّغِيرَةُ:
- السِّنْجَابُ لَطِيفٌ هُوَ مَنْ عَلَّمَنَا هَذَا الدُّعَاءَ.
ثُمَّ أَخَذَتْ تَبْكِي بِشِدَّةٍ، وَدُمُوعُهَا تَنْهَمِرُ مِنْ عَيْنَيْهَا؛ إِنَّ مِنْ أَفْضَل الدُّعَاءِ الْبُكَاءُ بإخلاص.
مَسَحَتِ الزَّهْرَةُ الصَّغِيرَةُ الدُّمُوعَ مِنْ عَيْنَيْهَا، وَأَكْمَلَتْ:
- لَقَدْ عَلَّمَنَا السِّنْجَابُ لَطِيفٌ أَدْعِيَةً جَمِيلَةٌ مِنَ الْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ عَنْ نَبينا .
شَارَ فُضُولُ الْأَرْنَبِ "طُفَيْلِ لِمَعْرِفَةِ كَلِمَةِ الْمَأْثُورَةِ، كَانَ
يُريدُ أَنْ يَسْأَلَ وَلَكِنَّهُ تَرَاجَعَ عَنْ هَذَا، ظَنَّا مِنْهُ أَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ عَيْبًا فِي هَذَا الْوَقْتِ.
لَا حَظَتِ الْحَمَامَةُ يَمَامَةُ حَرَكَاتِ طُفَيْلِ، فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ بِطَرْفِ عَيْنَيْهَا، وَقَالَتْ :
- مَاذَا بِكَ؟
فَاقْتَرَبَ طُفَيْلٌ مِنْهَا وَقَالَ:
- مَا مَعْنَى الْمَأْثُورَة"؟
اِنْحَنَتِ الْحَمَامَةُ يَمَامَةُ، وَبَدَأَتْ تَشْرَحُ لِطُفَيْلِ فِي أُذُنِهِ بِصَوْتٍ مُنْخَفِضِ، وَفِي نَفْسِ الْوَقْتِ كَانَتْ تُرَاقِبُ السِّنْجَابَ لَطِيفًا بِطَرَفِ عَيْنِهَا، فَقَالَتْ:
- كَلِمَةُ الْمَأْثُورَةِ" تَعْنِي : الْمَنْقُولَةَ وَالْمَرْوِيَّةَ، وَالْأَدْعِيَةُ الْمَأْثُورَةُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هِيَ الْأَدْعِيَةُ الَّتِي دَعَا بِهَا ةِ ۖ وَأَوْصَى أُمَّتَهُ بِأَنْ يَدْعُوا بِهَا، إِنَّ هَذِهِ الْأَدْعِيَةَ لَهَا مِيزَةٌ خَاصَّةٌ لِأَنَّهَا مِنْ كَلَامِ سَيّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَكَلَامُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَفْضَلُ مِنْ كَلَامِ سَائِرِ الْخَلْقِ، عِلَاوَةً عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَدْعِيَةَ بَعْضُهَا مُقْتَبَسَةٌ مِنْ آيَاتِ الْقرْآنِ الْكَرِيمِ.
وَاصَلَتْ حَدِيثَهَا قَائِلَةً:
- وَمِنْ هَذِهِ الْأَدْعِيَةِ الْمُبَارَكَةِ : اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ الْناسَ، اشْفِه وَأَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا، وَالشَّافِي مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ الْحُسْنَى، لِأَنَّ الشَّفَاءَ مِنْهُ تَعَالَى، مِنْهُ وَحْدَهُ شِفَاءُ جَمِيعِ الْأَمْرَاضِ الْمَادِيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ، هَيَّا نَدْعُو لِلسِّنْجَابِ لَطِيفِ بِهَذَا الدُّعَاءِ!
وَبَدَا يَدْعُوَانِ الله:
- اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ الْنَاسَ، اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لاَ شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا.
مَا إِنْ رَدَّدَا الدُّعَاءَ بِضْعَ مَرَّاتٍ حَتَّى تَحَرَّكَ السِّنْجَابُ لَطِيفٌ قَلِيلًا.
وَكَانَتْ كُلُّ الْأَنْظَارِ تُرَاقِبُ السِّنْجَابَ؛ فَإِذَا بِهِ يَفْتَحُ عَيْنَيْهِ شَيْئًا فَشَيْئًا.
وَقَالَ "بِسْمِ اللهِ، ثُمَّ اعْتَدَلَ ، وَنَظَرَ حَوْلَهُ بِذُهُولٍ، وَلَمَّا رَأَى أَصْدِقَاءَهُ فَرَكَ عَيْنَيْهِ بِيَدَيْهِ ثُمَّ نَظَرَ مَرَّةً أُخْرَى وَابْتَسَمَ ابْتِسَامَةً هَادِئَةٌ.
لَقَدْ تَقَبَّلَ اللَّهُ تَعَالَى دُعَاءَهُمْ، وَرَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ لِلسَّمَاءِ شَاكِرِينَ الله تَعَالَى.
وَمَرَّةً أُخْرَى أَحْسَنَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِعَوْدَةِ صَدِيقِهِمْ، وَأَظْهَرَ لَهُمُ اسْمَ الْمُحْسِنِ وَالْوَهَّابِ وَأَنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هُوَ الشَّافِي.