اسرار اسماء الله الحسنى على ألسنة الحيوانات قصة مَنْ يَحْمِيكَ؟
مع قصة جديدة من سلسلة اسماء الله الحسنى واليوم مع سر من اسرار الأسماء الحسنة من خلال قصة بعنوان مَنْ يَحْمِيكَ؟ وهي قصة مكتوبة للاطفال على ألسنة الحيوانات نتمنى أن تنال رضاكم.
قصة مَنْ يَحْمِيكَ؟
كَانَتْ فِي الْبُحَيْرَةِ حَيَاةٌ مَلِيئَةٌ بِالْأَسْرَارِ، بِهَا الْأَسْمَاكُ الصَّغِيرَةُ وَالْكَبِيرَةُ، وَالطَّحَالِبُ الخَضْرَاءُ، وَالنَّبَاتَاتُ مُتَعَدِّدَةُ الْأَنْوَاعِ، وَالضَّفَادِعُ... وَالْعَدِيدُ مِنَ الْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ وَسَطَ تِلْكَ الْأَسْرَارِ، وَقَدْ هَيَّأَ اللهُ تَعَالَى لَهُمْ مُنَاخًا جَمِيلًا لِيَتَمَكَّنُوا مِنَ الْعَيْشِ فِيهِ، وَلَا يُمْكِنُ لِمَنْ يَعِيشُ عَلَى الْيَابِسَةِ أَنْ يَعْلَمَ كَيْفِيَّةَ الْحَيَاةِ فِي أَعْمَاقِ الْمِيَاهِ، وَلَا كَيْفِيَّةَ حَيَاةِ الْكَائِنَاتِ بِهَا.
كَانَ الضّفْدَعُ وَضَاحٌ وَالضَّفْدَعُ الْحَكِيمُ وَفَصِيلَةُ الضَّفَادِع يَعْلَمُونَ جَيّدًا الْفُرُوقَ وَالتَّشَابُهَاتِ بَيْنَ حَيَاةِ الْمِيَاهِ وَالْيَابِسَةِ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَعِيشَ عَلَى الْيَابِسَةِ وَفِي الْمَاءِ أَيْضًا، وَلَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرَبِّحَ وَاحِدَةً عَلَى الْأُخْرَى، فَتَعِيشُ أَحْيَانًا فِي الْمَاءِ وَأَحْيَانًا فِي الْيَابِسَةِ.
وَكَانَتْ "زَهْرَةُ زَنْبَقِ المَاء" أَيْضًا مِمَّنْ تَعَرَّفَ الْحَيَاةَ عَلَى الْيَابِسَةِ وَفِي الْمَاءِ؛ لِأَنَّ جُذُورَهَا فِي الْمَاءِ، كَمَا كَانَتْ بَعْضُ الْمَوَادِ الَّتِي تَنْمُو عَلَى جُذُورِهَا غِذَاءً لِمَنْ يَعِيشُونَ فِي الْمَاءِ.
وَكَانَتْ زَهْرَةُ زَنْبَقِ الْمَاءِ تَرَى نَفْسَهَا سَعِيدَةَ الْحَقِّ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَسْتَفِيدَ مِنْ نِعَمِ الْعَالَمَيْنِ عَالَمِ الْبَرِّ وَعَالَمِ الْمَاءِ _، فَكَانَتْ تَشْكُرُ اللهَ تَعَالَى دَائِمًا عَلَى كُلِّ هَذِهِ النِّعَمِ.
كَانَ يَعِيشُ بِجِوَارِ زَهْرَةِ زَنْبَقِ الْمَاءِ نَبَاتُ الْبَرْدِي ، وَهُوَ أَيْضًا كَانَ مَحْظُوظًا مِثْلَهَا ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُدْرِكُ الْعَدِيدَ مِنَ الْأَشْيَاءِ، وَبِحَالِهِ هَذِهِ لَمْ يَكُنْ يَخْطُرُ عَلَى بَالِهِ الشُّكْرُ عَلَى كُلِّ هَذِهِ النِّعَمِ وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ مُحَاوَلَةِ زَهْرَةِ زَنَبقِ الْمَاءِ أَنْ تَشْرَحَ وَتُوَضَحَ لَهُ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَسْتَمِعُ لَهَا.
اقْتَرَبَ وَقْتُ الظَّهِيرَةِ، وَانعَكَسَتْ أَشِعَةُ الشَّمْسِ عَلَى الْبُحَيْرَةِ، فَصَارَتِ الْمِيَاهُ دَافِئَةً، وَقَدْ أَرْخَتْ هَذِهِ الْمِيَاهُ السَّاخِنَةُ أَجْسَامَ سَاكِنِي الْبُحَيْرَةِ؛ أَمَّا نَبَاتُ الْبَرْدِي فَقَدْ أَغْلَقَ عَيْنَيْهِ وَكَادَ يَنَامُ.
بَعْدَ قَلِيلِ سُمِعَ نِدَاءُ الْأَذَانِ بِكُلِّ عَظَمَتِهِ مِنَ الْقَرْيَةِ الْمُجَاوِرَةِ.
كَانَتْ زَهْرَةُ زَنْبَقِ الْمَاءِ تَسْتَمِعُ لِلْأَذَانِ دُونَ حَرَكَةٍ، وَكَانَ يَبْدُو عَلَيْهَا أَنَّهَا تَسْتَمْتِعُ بِسَمَاعِ الْأَذَانِ .
بَدَأَ تَبَاتُ الْبَرْدِي يَسْتَمِعُ هُوَ أَيْضًا وَكَانَتْ زَهْرَةُ زَنْبَقِ الْمَاءِ كُلَّمَا سَمِعَتِ الْأَذَانَ تَشْعُرُ فِي دَاخِلِهَا بِارْتِيَاحِ شَدِيدٍ، وَكَانَتْ تَشْعُرُ بِسَعَادَةٍ مَعْنَوِيَّةٍ لَمْ تَشْعُرُ بِهَا مِنْ قَبْلُ.
بَعْدَ انْتِهَاءِ الْأَذَانِ تَغَيَّرَ حَالُهَا، لَقَدْ تَأَثَّرَتْ بِالْأَذَانِ كَثِيرًا، إِنَّهَا سَمِعَتِ الْأَذَانَ لِمَرَّاتٍ عَدِيدَةٍ حَتَّى هَذَا الْيَوْمِ، وَلَكِنَّ الْيَوْمَ كَانَ مُخْتَلِفًا تَمَامًا.
قَالَتْ زَهْرَةُ زَنْبَقِ الْمَاءِ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ أَدَّتْ صَلَاتَهَا بِلِسَانِ حَالِهَا، وَبَعْدَ أَنِ انْتَهَتْ مِنْ صَلَاتِهَا بَدَأَتِ الدُّعَاءَ.
وَقَدْ سَمِعَ نَبَاتُ الْبَرْدِيَ الدُّعَاءَ حَتَّى النِّهَايَةِ.
وَبَيْنَمَا كَانَتْ زَهْرَةُ زَنْبَقِ الْمَاءِ تَدْعُو رَفَعَ نَبَاتُ الْبَرْدِي يَدَهُ وَأَمْنَ خَلْقَهَا.
وَبَعْدَ أَنِ انْتَهَى الدُّعَاءُ شَعَرَ نَبَاتُ الْبَرْدِي بِرَاحَةٍ وَسَعَادَةٍ بِدَاخِلِهِ، وَسَأَلَ زَهْرَةَ زَنْبَقِ الْمَاءِ قَائِلًا:
- مَا الَّذِي كُنْتِ تَقْرَئِينَهُ؟
فَأَجَابَتْهُ زَهْرَةُ زَنْبَقِ الْمَاءِ:
- إِنِّي أَذْكُرُ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ أَسْمَاءَ اللَّهِ الْحُسْنَى.
تَبَاتُ الْبَرْدِي:
- لَقَدِ اسْتَمْتَعْتُ كَثِيرًا وَأَنَا أَسْمَعُهَا، لَيْتَكِ قَرَأْتِهَا بِصَوْتٍ مُرْتَفِع مِنْ قَبْلُ أَتَعْرِفِينَ مَعْنَى كُلّ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الَّتِي قَرَأْتِهَا؟
- أَعْرِفُ أَغْلَبَهَا.
- فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ جَمِيلَةٌ وَأَثَارَتِ اهْتِمَامِي كَثِيرًا.
فَرِحَتْ زَهْرَةُ زَنْبَقِ الْمَاءِ بِاهْتِمَامِ نَبَاتِ الْبَرْدِي.
فَلَقَدْ أَقَامُوا بِجِوَارِهِ الدُّرُوسَ مَرَّاتٍ عَدِيـدَةً، وَكَانَ الضَّفْدَعُ وَضَّاحُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَصْدِقَاءِ قَدِ اخْتَارُوا هَذَا الْمَكَانَ بِالذَّاتِ لِلدُّرُوسِ، وَلَكِنَّ نَبَاتَ الْبَرْدِي لَمْ يَكُنْ يَسْتَمِعُ إِلَى أَحَادِيثِهِمْ، بَلْ إِنَّهُ كَانَ يُظْهِرُ انْزِعَاجَهُ مِنْ هَذِهِ الدُّرُوسِ أَحْيَانًا.
وَلَكِنَّ الْيَوْمَ كَانَ مُخْتَلِفًا ، فَقَالَ لِزَهْرَةِ زَنْبَقِ الْمَاءِ بِشَغَفَ: - ذَكَرْتِ بَيْنَ أَسْمَاءِ اللَّهِ " الْعَلِيَّ " وَ " الْعَظِيمَ ".
- نَعَمْ؟
- لَكِنْ لِمَاذَا نَظَرْتِ حَوْلَكِ وَأَنْتِ تَقُولِينَ هَذَا؟
كَانَتْ زَهْرَةُ زَنْبَقِ الْمَاءِ سَعِيدَةً جِدًّا بِهَذِهِ الْأَسْئِلَةِ، فَلَقَدْ سَمِعَتْ قَبْلَ ذَلِكَ مَقُولَةٌ مُفَادُهَا: "إِنَّ الْأَسْئِلَةَ الَّتِي تُسْأَلُ مِنْ أَجْل التَّعَلُّم، هِيَ مِفْتَاحُ الْقَلْبِ، وَهَذَا يَعْنِي أَنْ قَلْبَ نَبَاتِ الْبَرْدِي بَدَأَ يَنْفَتِحُ.
- لَا عَظَمَةً فَوْقَ عَظَمَتِهِ تَعَالَى، وَنَظْرَتِي تِلْكَ أَعْنِي بِهَا أَنَّكَ يَا رَبِّ أَعْلَى وَأَعْظَمُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ وَأَشَاهِدُهُ مِنْ حَوْلِي.
- هَلْ هُوَ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا الْجَبَلِ الضَّخْمِ أَيْضًا؟
- إِنَّ عَظَمَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تُقَارَنُ بِالْمَخْلُوقَاتِ أَبَدًا، لِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ مَنْ خَلَقَ الْجِبَالَ وَكُلَّ الْمَخْلُوقَاتِ.
- إذا إِنَّهُ أَعْظَمُ مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَالنُّجُومِ الَّتِي فِي السَّمَاءِ؟
- نَعَمْ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ مَنْ خَلَقَ النُّجُومَ فِي السَّمَاءِ وَالنَّمْلَ فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ تَعَالَى أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَإِنَّهُ أَعْلَى مِنْ كُلِّ الْمَخْلُوقَاتِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُمِيتَ جَمِيعَ الْمَخْلُوقَاتِ فِي لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ لَفَعَلَ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَهُمْ ثَانِيَةً لَفَعَلَ، إِنَّهُ تَعَالَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ؛ وَقُدْرَتُهُ وَعَظَمَتُهُ لا تُقَارَنُ بِقُدْرَةِ الْمَخْلُوقَاتِ أَبَدًا، فَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، كُلُّ الْمَخْلُوقَاتِ تخْضَعُ لَهُ.
تَفَحصَتْ زَهْرَةُ زَنْبَقِ الْمَاءِ مَا حَوْلَهَا مَرَّةً أُخْرَى، وَحَسَّنَتْ صَوْتَهَا جَيْدًا ثُمَّ قَالَتْ:
- إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْلَى مِنْ كُلِّ الْمَخْلُوقَاتِ، وَتَظْهَرُ عَظَمَتُهُ وَعُلُوهُ عَلَى مَخْلُوقَاتِهِ بِقُدْرَتِهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.
كَانَتْ زَهْرَةُ زَنْبَقِ الْمَاءِ سَعِيدَةً جِدًّا بِاهْتِمَامِ نَبَاتِ الْبَرْدِيِّ، فَأَكْمَلَتْ كَلَامَهَا بِحَمَاسٍ:
- إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَزَلِيٌّ أَبَدِيٌّ، وَهُوَ الَّذِي مَنَحَ لِلْعَالِمِينَ عِلْمَهُمْ... وَفِي تِلْكَ الْأَثْنَاءِ جَاءَتِ السَّمَكَةُ الْعَيْنَاءُ وَالسَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِعِ وَسَمَكَةُ الْقَرْمُوطِ، وَكَانَ يَبْدُو عَلَيْهِمُ الاضْطِرَابُ الشَّدِيدُ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يُقَاطِعُوا كَلَامَ زَهْرَةِ زَنْبَقِ الْمَاءِ وَانْتَظَرُوا حَتَّى تَنْتَهِيَ مِنْ حَدِيثِهَا.
نَظَرَتْ لَهُمْ زَهْرَةُ زَنْبَقِ الْمَاءِ بِطَرَفِ عَيْنِهَا، فَلَاحَظَتْ اضْطِرَابَهُمْ.
فَالْتَفَتَتْ إِلَيْهِمْ وَسَأَلَتْ:
- مَا الْأَمْرُ؟
مَاذَا حَدَثَ؟
فَقَالَتِ السَّمَكَةُ الْعَيْنَاءُ بِحُزْنٍ:
- هُنَاكَ حَيَوَان غَرِيبٌ يَتَجَوَّلُ فِي الْبُحَيْرَةِ، وَالْكُل يَخَافُ مِنْهُ جِدًّا.
- هَلْ أَضَرَّ أَحَدًا؟
- لَا، وَلَكِنَّهُ يَنْظُرُ لِلْجَمِيعِ بِشَكْلٍ مُخِيف.
- لَا تَقْلَقُوا، لِنَفْهَمْ مَا يَحْدُثُ أَوَّلًا، رُبَّمَا تَكُونُ نِيَّتُهُ حَسَنَةٌ.
وَبَعْدَ مُدَّةٍ جَاءَتْ سَمَكَةٌ مِنَ الْأَسْمَاكِ الصَّغِيرَةِ نَحْوَهُمْ وَهِيَ تَصْرُخُ قَائِلَةً:
- النَّجْدَةَ، اَلنَّجْدَةَ، أَنْقِذُونِي!
ذَهَبَتِ السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِعِ إِلَيْهَا بِسُرْعَةٍ وَقَالَتْ:
- مَاذَا حَدَثَ !
لِمَاذَا تَصْرُخِينَ هَكَذَا؟
- خَرَجَ أَمَامِي فَجْأَةً، وَكَادَ يَبْلَعُنِي، إِنَّهُ مُخِيفٌ جِدًّا...
سَأَلَتْهَا السَّمَكَةُ الْعَيْنَاءُ:
- أَيْنَ أَصْدِقَاؤُكِ الْآخَرُونَ؟
- عِنْدَمَا رَأَيْنَاهُ خِفْنَا كَثِيرًا، وَتَفَرَّقَ الْجَمِيعُ، وَأَنَا جِئْتُ إِلَى هَذِهِ النَّاحِيَةِ، وَلَا أَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ ذَهَبَ بَاقِي أَصْدِقَائِي.
نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ.
قَالَتْ زَهْرَةُ زَنْبَقِ الْمَاءِ:
- لِنَجْمَعُ سَاكِنِي الْمُحَيْرَةِ هُنَا، وَنُنَاقِشِ الْأَمْرَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ .
اجْتَمَعَ سَاكِنُو الْبُحَيْرَةِ فِي وَقْتٍ قَصِيرٍ بِجِوَارِ زَهْرَةِ زَنْبَقِ الْمَاءِ وَنَبَاتِ الْبَرْدِي.
وَلَكِنَّ غِيَابَ السَّمَكَةِ ذَاتِ الذَّيْلِ الْأَبْيَضِ أَثَارَ الْخَوْفَ وَالْقَلَقَ عَلَى أَهْل الْبُحَيْرَةِ.
فَقَالَتْ سَمَكَةٌ مِنَ الصَّغَارِ :
- إِنَّنِي مُتَأَكِدٌ أَنَّ الْحَيَوَانَ الْغَرِيبَ ابْتَلَعَهَا، وَبَعْدَ قَلِيلِ سَيَأْتِي الدَّوْرُ عَلَيْنَا نَحْنُ أَيْضًا، سَيَقْضِي عَلَيْنَا جَمِيعًا.
قَالَتْ وَاحِدَةٌ مِمَّنْ رَأَتْهُ:
- نَعَمْ، إِنَّهَا مُحِقَّةٌ فِيمَا تَقُولُهُ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَتَحَرَّكُ بِخِفَّةٍ، وَهُوَ لَا يُشْبِهُ الضّفْدَعَ وَلَا يُشْبِهُ السَّمَكَ، لَدَيْهِ أَرْجُلٌ كَبِيرَةٌ جِدًّا، وَرَأْسُهُ يُشْبِهُ رَأْسَ الثَّعْبَانِ الْكَبِيرِ .
قَالَتْ زَهْرَةُ زَنْبَقِ الْمَاءِ:
- أَيْنَ الضِفْدَعُ وَضَاحٌ وَالضِفْدَعُ الْحَكِيمُ، لَمْ أَرَهُمَا مُنْذُ أَيَّامٍ؟
أَجَابَ أَحَدُهُمْ:
- لَقَدْ ذَهَبَا إِلَى الْبُحَيْرَةِ الْمُجَاوِرَةِ، وَلَمْ يَرْجِعَا بَعْدُ. كَانَ مِنَ الْمُفْتَرَض أَنْ يَعُودَا بِالْأَمْسِ، يَا تُرى هَلْ أَكَلَهُمَا ذَلِكَ الْحَيَوَانُ الْغَرِيب؟
اعْتَرَضَتْ إِحْدَى الْأَسْمَاكِ الصَّغِيرَةِ عَلَى هَذَا قَائِلَةً:
- لَا أَعْتَقِدُ أَنَّهُ أَكَلَهُمَا؟
قَالَتِ السَّمَكَةُ ذَاتُ الْقِشْرِ اللَّامِعِ:
- يَا أَصْدِقَاءُ لِنَدَعْ هَذِهِ التَّعْلِيقَاتِ، لَيْسَ هُنَاكَ أَيُّ خَبَرٍ عَنِ السَّمَكَةِ ذَاتِ الذَّيْلِ الْأَبْيَضِ لِنَبْحَثُ عَنْهَا قَبْلَ حُلُولِ الظَّلَامِ .
بَقِيَتِ الْأَسْمَاكُ الصَّغِيرَةُ بِجِوَارِ زَهْرَةِ زَنْبَقِ الْمَاءِ، وَخَرَجَ بَاقِي الْأَسْمَاكِ لِلْبَحْثِ عَن السَّمَكَةِ ذَاتِ الذَّيْلِ الْأَبْيَضِ.
كَانَتِ الْأَسْمَاكُ الصَّغِيرَةُ مُضْطَرِبَةً جِدًّا، لِدَرَجَةِ أَنَّهُنَّ إِذَا سَمِعْنَ أَيَّ صَوْتٍ خِفْنَ كَثِيرًا.
زَهْرَةُ زَنْبَقِ الْمَاءِ:
- لَا تَخَفْنَ، اقْتَرِبْنَ مِنِّي، هَيَّا بِسُرْعَةٍ مَاذَا تَنْتَظِرْنَ!
تَجَمَّعَتِ الْأَسْمَاكُ الصَّغِيرَةُ حَوْلَ زَهْرَةِ زَنْبَقِ الْمَاءِ وَنَبَاتِ الْبَرْدِي، فَاطْمَأَنُوا إِلَى حَدٍ مَا.
نَظَرَتْ لَهُمْ زَهْرَةُ زَنْبَقِ الْمَاءِ بِعَطْفِ وَشَفَقَةٍ، وَقَالَتْ فِي نَفْسِهَا:
- إِنَّهُنَّ مُحِفَّاتٌ فِي خَوْفِهِنَّ هَذَا، لِأَنَّهُنَّ مَا زِلْنَ صَغِيرَاتٍ يُحَاوِلْنَ مَعْرِفَةَ الْحَيَاةِ، وَاكْتِشَافَ مَا حَوْلَهُنَّ شَيْئًا فَشَيْئًا.
قَالَتْ زَهْرَةُ زَنْبَقِ الْمَاءِ:
- لَيْسَ هُنَاكَ دَاعِ لِلْخَوْفِ، لَنْ يُصِيبَكُنَّ أَحَدٌ بِسُوءٍ إِلَّا مَا كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكُنَّ فَلَا تَقْلَقْنَ؛ إِنَّهُ تَعَالَى مُسَبِّبُ الْأَسْبَابِ، وَخَالِقُ الْأَفْعَالِ، وَخَالِقُ كُلّ شَيْءٍ، لَا تُوجَدُ قُوَّةً فَوْقَ قُوَّتِهِ، وَلَا إِرَادَةٌ فَوْقَ إِرَادَتِهِ، لِأَنَّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ...
وَبَعْدَ مُدَّةٍ مِنَ الْوَقْتِ سُمِعَ صَوْتُ جَرَيَانِ مِيَاه مِنْ نَاحِيَةِ شَاطِئِ الْبُحَيْرَةِ، فَسَكَتَتْ زَهْرَةُ زَلْبَقِ الْمَاءِ وَنَظَرَتْ بِدِقَةٍ نَحْوَ الْجِهَةِ الَّتِي يَأْتِي مِنْهَا الصَّوْتُ، لَكِنَّهَا لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَرَى شَيْئًا، فَأَشِعَّةُ الشَّمْسِ تَحُولُ دُونَ رُؤْيَتِهَا، فَسَأَلَتْ نَبَاتَ الْبَرْدِي قَائِلَةً:
- هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَرَى شَيْئًا هُنَاكَ يَا أَخِي؟
- مَعَ الْأَسَفِ أَنَا أَيْضًا لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرَى شَيْئًا.
فَاخْتَبَأتِ الأَسْمَاكُ الصَّغِيرَةُ، وَأَمْسَكْنَ جَيْدًا بِجُذُورٍ زَهْرَةِ زَنْبَقِ الْمَاءِ.
وَكَانَ الصَّوْتُ يَقْتَرِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَتَعَالَتِ الْأَصْوَاتُ:
- لَقَدْ جَاءَ!
هَا قَدْ وَصَلَ!
- مَنْ سَيُنْقِذُنَا مِنْهُ؟
اَلنَّجْدَةَ!
- إِنَّهُ قَوِيٌّ جِدًّا لَيْسَ هُنَاكَ حَيَوَانٌ أَقْوَى مِنْهُ!
بَدَأَتِ الْأَسْمَاكُ الصَّغِيرَةُ يَتَنفُسُنَ بِصُعُوبَةٍ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ، حَتَّى إِنَّهُنَّ لَمْ يَكُن يَسْمَعْنَ كَلامَ زَهْرَةِ زنبق الْمَاءِ وَأَصَابَهُنَّ الْقَلقُ :
- لِمَاذَا جِئْنَا إِلَى هَذِهِ الدُّنْيَا؟ وَلِمَاذَا نُوَاجِهُ الْمَشَاكِلَ فِي كُلِّ وقت؟!
فَرَفَعَتْ زَهْرَةُ زَنْبَقِ الْمَاءِ صَوْتَهَا قَائِلَةً:
- دَعْكُنَّ مِنْ هَذَا الصُّرَاحَ لِنَسْمَعَ، لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُحَدِّدَ صَاحِبَ تِلْكَ الْأَصْوَاتِ!
وَمِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ صَمَتَ الْجَمِيعُ، وَأَخَذُوا يَتَسَامَحُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
وَمَا زَالَتْ زَهْرَةُ زنبق الْمَاءِ تَقُولُ لَهُمْ:
- لا تَخَافُوا إِنَّ اللهَ مَعَنَا، إنَّهُ يَحْفَظْنَا.
وَفِي لَحْظَةٍ انْقَطَعَتِ الْأَصْوَاتُ، وَعَمَّ الْمَكَانَ صَمْتُ رَهِيبٌ. وَاتَّجَهَتْ كُلُّ الْأَنْظَارِ صَوْبَ نَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَكِنْ مَرَّتْ مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ وَلَيْسَ هُنَاكَ أَيَّةُ حَرَكَةٍ.
ثُمَّ ظَهَرَتْ حَرَكَةٌ مَرَّةً أُخْرَى.
- نَحْنُ جِثْنَا! اَلسَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَصْدِقَاءُ.
كَانَ الضّفْدَعُ وَضَاحٌ وَالضّفْدَعُ الْحِكِيمُ هُمَا القَادِمَيْنَ.
تَعَجَّبَ الضّفْدَعُ الْحَكِيمُ مِمَّا رَآهُ، فَقَدْ كَانَا يَنْتَظِرَانِ الْفَرَحَ مِنْ أَصْدِقَائِهِمَا لِرُؤْيَتِهِمَا، لَكِنَّهُمَا قُوبِلَا بِشَكْلٍ مُخْتَلِفٌ.
فَقَالَ الضّفْدَعُ الْحَكِيمُ:
- مَا الْأَمْرُ؟
أَلَمْ تَفْرَحُوا لِرُؤْيَتِنَا مَعَ أَنَّنَا اشْتَقْنَا إِلَيْكُمْ كَثِيرًا !
كَانَ هُنَاكَ شَيْءٌ غَيْرُ طَبِيعِي، قَلِقَ الضَّفْدَعُ وَضَاحٌ وَسَأَلَهُمْ:
- هَلْ وَقَعَ مَكْرُوهُ لِأَحَدٍ؟ أَيْنَ بَاقِي الْأَصْدِقَاءِ؟
حَكَتْ زَهْرَةُ زَنْبَقِ الْمَاءِ مَا حَدَثَ لَهُمْ بِالتَّفْصِيلِ، فَقَالَ الضّفْدَعُ وَضَاحٌ مُبْتَسِمًا:
- ظَنَنْتُ أَنَّ شَيْئًا حَدَثَ، عَلَى مَا يَبْدُو أَنَّكُمْ ضَخَّمْتُمُ الْأَحْدَاثَ قليلًا، مَاذَا سَيَكُونُ فِي الْبُحَيْرَةِ؟!
لَا يَأْتِي هُنَا دُبِّ وَلَا ذِئْبٌ كَمَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ إِلَى هُنَا سَمَكَةً قِرْشِ مِنَ الْمُحِيطَاتِ الْبَعِيدَةِ.
قَالَتْ زَهْرَةُ زَنْبَقِ الْمَاءِ:
- أتَّفِقُ مَعَكَ، أَنْتَ مُحِقِّ فِيمَا تَقُولُهُ، وَأَنَا أَشْرَحُ لَهُمْ هَذَا مُنْذُ سَاعَاتٍ، وَلَكِنِّي لَمْ أَسْتَطِعْ إِقْنَاعَهُمْ.
نَظَرَ الضّفْدَعُ الْحَكِيمُ لِأَصْدِقَائِهِ بِشَوْقٍ، ثُمَّ قَالَ:
- لَقَدِ اشْتَقْتُ إِلَيْكُمْ كَثِيرًا...
قَالَتْ سَمَكَةٌ مِنَ الْأَسْمَاكِ الصَّغِيرَةِ:
- إِنَّ ذَلِكَ الْحَيَوَانَ الْغَرِيبَ سَيَأْكُلُنَا جَمِيعًا وَلَنْ يَتْرُكَ أَحَدًا فِي هَذِهِ الْبُحَيْرَةِ الْجَمِيلَة.
ابْتَسمَ الضّفْدَعُ الْحَكِيمُ وَقَالَ:
- إِنَّ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْعَلِيَّ، وَهَذَا الاسْمُ يَعْنِي رَفِيعَ الْقَدْرِ الَّذِي لَا رُتْبَةَ فَوْقَ رُتْبَتِهِ، وَلَا تُوجَدُ قُوَّةً فَوْقَ قُوَّتِهِ، إِنَّهُ تَعَالَى هُوَ مَنْ يَجْعَلُكُمْ تَنَامُونَ فِي الْمَاءِ دُونَ أَنْ تُغْلِقُوا أَعْيُنَكُمْ، إِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَحْمِينَا.
تَدَخلَ الضَّفْدَعُ وَضَاحٌ فِي الْكَلَام لِيُكْمِل حَدِيثَ الْحَكِيمِ، فَقَالَ:
- وَلَوْ عَرَفْنَا أَثَرَ صَنْعَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِينَا حَقَّ الْمَعْرِفَةِ؛ لَأَدْرَكْنَا عَظَمَتَهُ، وَعَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ؛ أَنْتُمْ تَعِيشُونَ تَحْتَ الْمَاءِ بِوَاسِطَةِ الْخَيَاشِيمِ الَّتِي مَيَّزَكُمُ الله تَعَالَى بِهَا، تَتَنَفسُونَ الْأَكْسُجِينَ مِنَ الْمَاءِ وَلَا تُلَوثُونَهُ؛ لأَنَّكُمْ تُخْرِجُونَ ثَانِي أُكْسِيدِ الْكَرْبُونِ، وَبِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى تَسْحَبُ زَهْرَةُ زَنْبَقِ الْمَاءِ وَنَبَاتُ الْبَرْدِي وَالنَّبَاتَاتُ الْمَائِيَّةُ ثَانِيَ أُكْسِيدِ الْكَرْبُونِ لِيَحِلَّ مَحَلَّهُ الْأَكْسُجِينُ وَبِهَذَا يَكُونُونَ فِي خِدْمَتِكُمْ دَائِمًا، أَلَيْسَ كَذَلِكِ يَا زَهْرَةَ زَنْبَقِ الْمَاءِ؟
أَلَيْسَ كَذَلِكَ يَا أَخِي نَبَاتَ الْبَرْدِي؟
فَهَزَّ الاثْنَيْن رَأْسَيْهِمَا قَائِلَيْن بَلَى، وَعِلَاوَةً عَلَى هَذَا فَرِحَ نَبَاتُ الْبَرْدِيَ بِكَلِمَةِ " أَخِي" كَثِيرًا.
زَهْرَةُ زَنْبَقِ الْمَاءِ:
- إِنَّ مَعْرِفَتَكُمْ لِلسَّبَاحَةِ مِنْ أَعْظَمِ الْحِكَمِ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى أَنَّكُمْ تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَسْبَحُوا وَسَطَ الْمِيَاهِ فَتَتَحَرَّكُونَ بِأَجْسَامِكُمْ وَذُيُولِكُمْ بِسُهُولَةٍ وَسُرْعَةٍ دُونَ مُبَالَاةٍ بِحَجْمِ الْمِيَاهِ الضَّخْمَةِ، حَتَّى إِنَّ أَمْهَرَ الْبَشَرِ فِي السّبَاحَةِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْبَحَ مِثْلَكُمْ، يَا تُرَى كَيْفَ كُنْتُمْ تَسْتَطِيعُونَ السَّبَاحَةَ لَوْ لَمْ تُخْلَقْ لَكُمْ زَعَانِفُ وَجِسْمٌ مُنَاسِبٌ؟
نَظَرَتْ زَهْرَةُ زَنْبَقِ الْمَاءِ لِلْأَسْمَاكِ الصَّغِيرَةِ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ أَكْمَلَتْ:
- إِنَّ رَبَّنَا الْعَلِيَّ الْعَظِيمَ يُسَخّرُ لَكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، إِنَّهُ يَحْمِيكُمْ مِنَ الْمَخَاطِرِ الْبَسِيطَةِ وَالْعَظِيمَةِ بِالْقُشُورِ الْمَوْجُودَةِ فِي جِسْمِكُمْ.
ثُمَّ نَظَرَتْ إِلَى وُجُوهِهِمْ ثَانِيَةً، وَقَالَتْ:
- انْظُرُوا إِلَى أَنْفُسِكُمْ، كَيْفَ تَسْتَطِيعُونَ السَّبَاحَةَ بِزَعَانِفِكُمُ الصَّغِيرَةِ هَذِهِ؟
كَيْفَ تَعِيشُونَ فِي هَذِهِ الْبُحَيْرَةِ الْكَبِيرَةِ؟
اِطْمَأَنَتِ الْأَسْمَاكُ الصَّغِيرَةُ وَاسْتَرَاحَتْ كَثِيرًا، كَمَا اطْمَأَنَّ نَبَاتُ الْبَرْدِي أَيْضًا لَمَّا سَمِعَ هَذَا الْكَلَامَ، وَقَرَّرَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا صَالِحًا، حَتَّى إِنَّهُ عَزَمَ عَلَى التَّوْبَةِ مِنْ ذُنُوبِهِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا مِنْ قَبْلُ.
وَدَعَا نَبَاتُ الْبَرْدِيِّ قَائِلًا:
- اللَّهُمَّ أَنْتَ أَقْرَبُ إِلَيْنَا مِنْ أَنْفُسِنَا وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ، اَللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ يَا عَلِيُّ يَا عَظِيمُ".
بَعْدَهَا قَالَ الضّفْدَعُ الْحَكِيمُ لِلْأَسْمَاكِ الصَّغِيرَةِ:
- احْفَظُوا الدُّعَاءَ الَّذِي سَأَقُولُهُ الْآنَ، لَنْ تَخَافُوا مِنْ أَيِّ شَيْءٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِإِذْنِ اللهِ: "بِسْمِ اللهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ “.
حَفِظَتِ الْأَسْمَاكُ الصَّغِيرَةُ هَذَا الدُّعَاءَ عَلَى الْفَوْرِ.
قَالَ الضّفْدَعُ الْحَكِيمُ:
- هَيَّا لِنَحْفَظْ هَذَا الدُّعَاءَ أَيْضًا: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ العلي العظيم، اللَّهُمَّ يَا عَلِيُّ اجْعَلْنَا فِي أَعْلَى الْمَرَاتِبِ، وَاحْشُرْنَا وَأَنْتَ رَاضٍ عَنَّا، اللهُمَّ ارْزُقْنَا الْجَنَّةَ، اللّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ التَّوَاضُعَ وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكِبْرِ يَا عَلِيُّ يَا عَظِيمُ“.
وَبَيْنَمَا كَانَتِ الْأَسْمَاكُ الصَّغِيرَةُ تُحَاوِلُ أَنْ تَحْفَظَ هَذَا الدُّعَاءَ، خَطَرَ عَلَى بَالِ الضَّفْدَع وَضَّاحِ شَيْءٌ فَقَالَ:
- إِنَّ رَسُولَنَا الْكَرِيمَ قَالَ " مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللهُ، وَمَنْ تَكَبَرُ وَضَعَهُ اللهُ لِذَا فَعَلَى مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ مُتَوَاضِعًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُحِبُّ الْمُتَكَبرِينَ.
طَمْأَنَ هَذَا الْحَدِيثُ كُلَّ مَنْ سَمِعَهُ، وَلَكِنَّ الَّذِينَ ذَهَبُوا لِلْبَحْثِ عَن السَّمَكَةِ ذَاتِ اللَّيْلِ الْأَبْيَضِ لَمْ يَعُودُوا بَعْدُ.
وَكُلَّمَا مَرَّ الْوَقْتُ زَادَ الْقَلَقُ.
وَبَدَأَتِ التَّسَاؤُلَاتُ فِي عُقُولِهِمْ تَزْدَادُ أَكْثَرَ .
" أَيْنَ أَصْدِقَاؤُهُمْ؟ هَلْ حَدَثَ لَهُمْ مَكْرُوهُ؟ لِمَاذَا لَمْ يَعُودُوا بَعْدُ؟
وَأَيْنَ ذَلِكَ الْحَيَوَانُ الْغَريبُ؟“
وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِهِمْ حِيلَةٌ غَيْرُ الانتظار.
فَقَالَ الضّفْدَعُ وَضَاحٌ لِلضَّفْدَع الحكيم:
- ما رأيك أَنْ تَذْهَبَ وَنَطْمَئِنَّ عَلَى أَصْدِقَاتِنَا ثُمَّ نَعُودَ بِسُرْعَةٍ؟
وَبَعْدَ أَنْ ذَهَبَا عَمَّ الصَّمْتُ الْمَكَانَ، وَبَدَأَ الصَّغَارُ يَنْتَظِرُونَ الْخَبَرَ السَّارَّ ، وَبَعْدَ قَلِيلِ سَمِعُوا صَوْتَ جَرَيَانٍ خَفِيفِ فِي الْمِيَاهِ، وَاتَّجَهَتْ كُلُّ الْأَنْظَارِ نَحْوَهُ، فَإِذَا بِهَا السَّمَكَةُ ذَاتُ الذَّيْلِ الْأَبْيَضِ.
فَسَأَلَ الْجَمِيعُ بِشَغَفٍ وَارْتِبَاكِ:
- أَيْنَ كُنْتِ ؟
وَلِمَاذَا جِئْتِ وَحْدَكِ؟
وَكَانَتِ السَّعَادَةُ تَغْمُرُهُمْ بِعَوْدَةِ صَدِيقَتِهِمْ، فَأَحَاطُوا بِهَا عَلَى الْفَوْرِ بِفَرَحٍ وَسَعَادَةٍ.
فقَالَتِ السَّمَكَةُ ذَاتُ الذَّيْلِ الْأَبْيَضِ:
- هَرَبْتُ مِنَ الْحَيَوَانِ الْغَرِيبِ، وَاخْتَبَأْتُ تَحْتَ صَخْرَةٍ، وَغَلَبَنِي النُّعَاسُ هُنَاكَ، وَلَمَّا اسْتَيْقَظْتُ جِئْتُ إِلَى هُنَا.
- أَلَمْ تَرَيْنَ مَنْ ذَهَبُوا لِلْبَحْثِ عَنْكِ؟
- كَمَا قُلْتُ لَكُمْ إِنَّ النُّعَاسَ قَدْ غَلَبَنِي، وَلَمْ أَرَ أَيَّ شَيْءٍ.
فَبَدَأَ الذُّعْرُ يَنْتَشِرُ مَرَّةً أُخْرَى، وَمَعَ أَنَّ زَهْرَةَ زَنْبَقِ الْمَاءِ وَنَبَاتَ الْبَرْدِي حَاوَلَا تَهَدِئَتَهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَتَخَلَّوْا عَنْ تَفْكِيرِهِمْ بِأَنَّ الْحَيَوَانَ الْغَرِيبَ أَكَلَ أَصْدِقَاءَهُمُ الَّذِينَ ذَهَبُوا لِلْبَحْثِ عَنِ السَّمَكَةِ ذَاتِ الذَّيْلِ الْأَبيض.
وَقَدْ مَرَّ وَقَتْ طَوِيلٌ عَلَى ذَهَابِ الضّفْدَع وَضاح وَالضّفْدَع الْحَكِيمِ، وَلَمْ يَكُنْ بِيَدِهِمْ حِيلَةٌ غَيْرُ الِانْتِظَارِ.
وَفَجْأَة بَدَأَتِ الْبُحَيْرَةُ تَتَمَوجُ ، فَارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ وَازْدَادَ الْخَوْفُ وَالدُّعْرُ، فَقَدْ رَأَوْا حَيَوَانًا أَسْوَدَ اللَّوْنِ يَتَّجِهُ نَحْوَهُمْ بِسُرْعَةٍ، إِنَّهُ الْحَيَوَانُ الْغَرِيبُ.
بَدَأَتِ الْأَسْمَاكُ الصَّغِيرَةُ تَتَضَرَّعُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَتَدْعُو قَائِلَةٌ:
- اَللَّهُمَّ يَا عَلِيُّ يَا عَظِيمُ نَجِنَا، لَا نُرِيدُ أَنْ نَكُونَ طَعَامًا لِهَذَا
الْحَيَوَانِ فِي هَذَا الْعُمُرِ الصَّغِيرِ اَللَّهُمَّ نَجِّنَا يَا إِلَهَنَا.
ثُمَّ أَمْسَكُوا مَرَّةً أُخْرَى بِزَهْرَةِ زَنْبَقِ الْمَاءِ وَنَباتِ الْبَرْدِي.
وَكَانَ الصَّغَارُ يَرْتَعِشُونَ خَوْفًا، حَتَّى إِنَّ زَهْرَةَ زَنْبَقِ الْمَاءِ وَنَبَاتَ الْبَرْدِي كَانَا يَرْتَعِشَانِ أَيْضًا مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ.
وَفَجْأَةً رَجَعَ الْحَيَوَانُ الْغَرِيبُ، وَارْتَاحَ الْجَمِيعُ عِنْدَمَا رَأَوْا أَنَّهُ قَدِ اخْتَفَى عَنِ الْأَنْظَارِ.
نَبَاتُ الْبَرْدِي:
- عَلَى مَا يَبْدُو أَنَّهُ خَافَ من ارْتِعَاشِنَا، وَلَنْ يَعُودَ مَرَّةً أُخْرَى.
وَبَعْدَ قَلِيلٍ ظَهَرَ مَرَّةً أُخْرَى، وَهَذِهِ الْمَرَّةَ لَمْ يَكُنْ بِمُفْرَدِهِ، فَقَدْ كَانَتْ مَعَهُ حَيَوَانَاتٌ أُخْرَى، فَدَقَّقَ الْجَمِيعُ النَّظَرَ وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يُحَدِّدُوا مَنْ هُمْ.
وَلَمَّا اقْتَرَبُوا أَكْثَرَ زَادَ خَوْفُهُمْ.
- اَلسَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَصْدِقَاءُ، مَاذَا حَدَثَ، لِمَاذَا تَرْتَعِشُونَ هَكَذَا؟
وَكَانَتِ السَّائِلَةُ هِيَ السَّمَكَةَ ذَاتَ الْقِشْرِ اللَّامِعِ.
وَلَمَّا نَظَرُوا بِدِقَّةٍ أَكْثَرَ وَجَدُوهُمْ أَصْدِقَاءَهُم: الضّفْدَعُ وَضَّاحٌ، وَالضَّفْدَعُ الْحَكِيمُ، وَالسَّمَكَةُ الْعَيْنَاءُ وَالْآخَرُونَ.
ثُمَّ نَادَتِ السَّمَكَةُ الْعَيْنَاءُ عَلَى الضَّيْفِ الْغَرِيبِ الَّذِي كَانَ يَنْتَظِرُ بَعِيدًا، وَقَالَتْ:
- تَعَالَيْ يَا أُخْتِي، لِأُعَرِّفَكِ عَلَى أَصْدِقَائِي.
بَدَأَتِ الْأَسْمَاكُ الصَّغِيرَةُ تَذْهَبُ هُنَا وَهُنَاكَ، وَبَدءوا يَصْرُحُونَ قَائِلِينَ:
- إِنَّهُ هُوَ ...... نَعَمْ، هُوَ !
فَابْتَسَمَتِ السَّمَكَةُ الْعَيْنَاءُ وَقَالَتْ:
- نَعَمْ، إِنَّهُ هُوَ، وَلَكِنْ لَيْسَ وَحْشًا كَمَا تَظُنُّونَ، بَلْ سُلَحْفَاةٌ مَائِيَّةٌ لَيْسَ إِلَّا جَاءَتْ هُنَا ضَيْفَةً ، وَوَضَّاحٌ وَالْحَكِيمُ يَعْرِفَانِهَا جَيّدًا.
كَانَتْ زَهْرَةُ زَنْبَقِ الْمَاءِ وَنَبَاتُ الْبَرْدِي يَعْرِفَانِهَا أَيْضًا.
زَهْرَةُ زَنْبَقِ الْمَاءِ مُبْتَسِمَةٌ:
- أَهَذَا هُوَ الْحَيَوَانُ الْغَرِيبُ الَّذِي تَخَافُونَ مِنْهُ؟
قَالَتْ إِحْدَى الْأَسْمَاكِ الصَّغِيرَةِ:
- وَلَكِنَّهَا كَانَتْ تَنْظُرُ إِلَيْنَا بِغَضَبٍ.
اِبْتَسَمَتْ سُلْحُفَاةُ الْمِيَاهِ، وَقَالَتْ:
- لَا يَا حَبِيبَتِي، أَنَا لَمْ أَنْظُرْ إِلَيْكُمْ بِغَضَبٍ، إِنَّكُمْ ظَنَنتُمْ أَنَّنِي حَيَوَانُ غَرِيبٌ هُنَا وَأُرِيدُ أَنْ أَضُرَّ أَهْلَ هَذِهِ الْبُحَيْرَةِ، وَالْحَقِيقَةُ أَنِّي أَتَيْتُ إِلَى هُنَا كَثِيرًا وَأَهْلُ هَذِهِ الْبَحَيْرَةِ يَعْرِفُونَنِي جَيْدًا، وَأَنَا لَا أَضُرُّ أَحَدًا مُطْلَقًا، وَعَلَى كُلّ حالٍ أَعْتَذِرُ إِلَيْكُمْ.
لَمْ تَكُنْ حَيْرَةُ الصَّغَارِ قَدْ زَالَتْ بَعْدُ، وَكَانَتْ مَشَاعِرُهُمْ مُخْتَلطَةٌ تَمَامًا.
أَرَادَتِ السَّمَكَةُ ذَاتُ اللَّيْلِ الْأَبْيَضِ أَنْ تُلْطِفَ الْأَجْوَاءَ قَلِيلًا، فَقَالَتْ :
- أَنْتِ قُلْتِ إِنَّكِ تَأْتِينَ دَائِمًا إِلَى هَذِهِ الْبُحَيْرَةِ، كَيْفَ يُمْكِنُكِ هَذَا مِنْ أَيْنَ تَدْخُلِينَ وَتَخْرُجِينَ؟
- أَنَا أَعِيشُ فِي الْمَاءِ وَالْيَابِسَةِ، وَاللَّهُ تَعَالَى خَلَقَنِي هَكَذَا، وَأَنَا أُشْبِهُ الضّفَادِعَ فِي هَذِهِ الْمِيزَةِ، وَكَمَا تَرَوْنَ أَنَا لَسْتُ حَيَوَانًا مُخِيفًا. فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، ثُمَّ ضَحِكُوا جَمِيعًا.