شرح اسماء الله الحسنى من خلال قصة كَيْفَ تَعَلَّمْتُ؟
ما زلنا مع شرح اسماء الله الحسنى على ألسنة الحيوانات واليوم مع قصة جديدة بعنوان كَيْفَ تَعَلَّمْتُ؟ وهي قصة مكتوبة للاطفال نتمنى أن تنال رضاكم.
قصة كَيْفَ تَعَلَّمْتُ؟
دَخَلَ وَقْتُ الظَّهِيرَةِ، وَاشْتَدَّتْ حَرَارَةُ الشَّمْسِ، وَلَمْ يَأْتِ الْعُصْفُورُ نُغَيْر بَعْدُ، وَلَمْ تَسْتَطِع الصَّنَوْبَرَةُ الصَّغِيرَةُ تَحَملَ الْحَرَارَةِ، فَطَلَبَتِ الْمُسَاعَدَةَ مِنَ الْأَرْضِ:
- يَا أُخْتِي الْأَرْضَ !
كَانَتِ الْأَرْضُ تَنَامُ الْقَيْلُولَةَ، فَلَمْ تَسْمَعْ نِدَاءَهَا، فَمَاذَا تَفْعَلُ الصَّنَوْبَرَةُ الصَّغِيرَةُ؟ وَكَيْفَ سَتَحَمَّلُ هَذَا الْحَرُ الشَّدِيدَ؟
لَوْ كَانَتْ فِي الْمَشْتَل لَحَمَلَهَا الْمُزَارِعُ إِلَى الظَّلّ.
إِنَّهَا لَا تَقْلَقُ بِشَأْنِ الرِّزْقِ، لَكِنَّ قَلَقَهَا يَنْصَبُّ فِي حِمَايَةِ نَفْسِهَا مِنْ حَرَارَةِ الشَّمْسِ، إِنَّ الْعُصْفُورَ نُغَيْرًا يُمْكِنُهُ أَنْ يَطِيرَ وَيَمْكُثَ فِي اللِ أَمَّا هِيَ فَلَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَتَحَرَّكَ مِنْ مَكَانِهَا.
بَعْدَ قَلِيلِ أَحَسَّتْ بِبَعْضِ الِانْتِعَاشِ فِي جُذُورِهَا، مَعَ أَنَّ حَرَارَةَ الشَّمْسِ كَانَتْ فِي ذِرْوَتِهَا، بَدَأَتْ تَشْعُرُ بِدَغدَغَةٍ فِي جُذُورِهَا، فَانْدَهَشَتْ، فَإِذَا بِحَشَرَةٍ تُخْرِجُ رَأْسَهَا مِنَ الْأَرْضِ تَقُولُ:
- أَهْلًا بِكِ يَا أُخْتِي الصَّنَوْبَرَةَ الصَّغِيرَةَ، هَلْ أَزْعَجْتُكِ؟
الصَّنَوْبَرَةُ الصَّغِيرَةُ:
- لَا ، لَمْ تُزْعِجِينِي، وَلَكِنَّنِي تَحَيَّرْتُ مِمَّا يَحْدُثُ.
- لَقَدْ جِئْتُ لِمُسَاعَدَتِكِ، فَقَدْ رَأَيْتُ الشَّمْسَ قَدْ أَتْعَبَتْكِ كَثِيرًا، فَحَفَرْتُ تَحْتَكِ مِنْ أَجْلِ أَنْ أُرَطِبَ الْأَرْضَ لَكِ، فَإِنَّهُ تُوجَدُ قَطَرَاتٌ مِنَ الْمِيَاهِ مُتَجَمِّعَةً فِي الْأَرْضِ، فَفَتَحْتُ قَنَوَاتٍ فِي الْأَسْفَلِ لِتَصِلَ تِلْكَ الْمِيَاهُ إلَى جُذورك.
- إِذَا هَذَا هُوَ سَبَبُ الِانْتِعَاشِ الَّذِي أَحْسَسْتُ بِهِ !
- أَجَلْ، بَعْدَ قَلِيل سَتَأْتِي أُخْتُنَا الْغَمَامَةُ، وَتُغَطِّيكِ بِظِلِهَا، فَتَسْتَرِيحِينَ أَكْثَرَ.
اِبْتَهَجَتِ الصَّنَوْبَرَةُ الصَّغِيرَةُ مِمَّا سَمِعَتْهُ وَقَالَتْ:
- شُكْرًا لَكِ يَا أُخْتَاهُ.
- نَحْنُ نَقُومُ بِعَمَلِنَا، وَإِنَمَّا عَلَيْكِ أَنْ تَشْكُرِي الَّذِي كَلَّفَنَا بِهَذِهِ الْوَظِيفَةِ.
- هَلْ أَنْتِ أَيْضًا مُكَلَّفَةٌ بِهَذَا الْعَمَلِ؟
- نَعَمْ، إِنَّ جَمِيعَ مَا تَرَيْنَهُ مِنْ مَوْجُودَاتٍ مِنْ حَوْلِكِ مُكَلَّفٌ بِوَظِيفَةٍ يَفْعَلُهَا.
حَسَنًا، كَيْفَ تَعَلَّمُوا وَظَائِفَهُمْ؟
لَقَدْ فَطَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ، تَتَعَلَّمُ كُلُّ الْمَوْجُودَاتِ كُلَّ شَيْءٍ مِنْهُ تَعَالَى، فَعِلْمُهُ لَا حَدَّ لَهُ.
- كَيْفَ هَذَا؟
عَلَى سَبيل الْمِثَالِ، أَنَا لَمْ التَحِقُ بِالْمَدْرَسَةِ لِأَتَعَلَّمَ هَذَا، لَكِنَّنِي أَعْرِفُ مَا يَتَوَجِّبُ عَلَيَّ فِعْلُهُ.
- هَلْ قُمْتِ بِمُسَاعَدَتِي لِأَنَّ هَذَا عَمَلُكِ؟
- نَعَمْ، لَقَدْ شَعَرْتُ بِمُعَانَاتِكِ بِسِرٍ إِلَهِيَ وَضَعَهُ اللَّهُ فِيَّ، فَفَتَحْتُ الْقَنَوَاتِ فِي الْأَرْضِ، وَحَمَلْتُ الْمَاءَ إِلَيْكِ، وَقُمْتُ بِتَهْوِيَةِ الْأَرْضِ ، فَإِنَّنِي لَمْ أَكْتَسِبْ تِلْكَ الْخَصَائِصَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي، بَلْ هِيَ بَرْمَجَةٌ وَضَعَها اللَّهُ فِي، وَبِنَاءً عَلَى هَذِهِ الْبَرْمَجَةِ، أَقُومُ بِأَدَاءِ وَظِيفَتِي بِفَضْلِ اللهِ تَعَالَى عِنْدَمَا تَكْبُرِينَ سَتَفْهَمِينَنِي أَكْثَرَ .
- حَسَنًا يَا أُخْتِي الْحَشَرَةَ، فَلِمَاذَا لَيْسَ لَدَيَّ عَمَلٌ أَقُومُ بِهِ؟
- كَيْفَ هَذَا؟!
إِنَّكِ مُكَلَّفَةٌ بِعَمَلٍ أَكْثَرَ مِنِّي.
- مَا هِيَ وَظَائِفِي الَّتِي كُلِّفْتُ بِهَا؟
- وَظِيفَتُكِ الْأُولَى هِيَ أَنْ تَكْبُرِي.
- وَالثَّانِيَةُ؟
- هِيَ الَّتِي تَقُومِينَ بِهَا الْآنَ دُونَ أَنْ تَشْعُرِي، فَأَنَا أَمْكُث في ظِلَّكِ مُنْذُ أَسْبُوعِ.
- أَحَقُّ مَا تَقُولِينَ؟
- بالطبع، إِنَّ جُذُورَكِ تَمْنَعُ الْأَرْضَ مِنْ أَنْ تَجْدُبَ، وَكَذَلِكَ تُنْجِينَ الْأُكْسُجِينَ، وَعِنْدَمَا تَكْبُرِينَ سَتُنْتِجِينَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّ وَظَائِفَكِ لَا تُحْصَى.
- حَسَنًا، كَيْفَ عَرَفْتِ هَذِهِ الْوَظائِفَ؟
- لَقَدْ قُلْتُ مِنْ قَبْلُ إِنَّ رَبَّنَا عَلَّمَنَا هَذَا، فَأَحَدُ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الْعَلِيمُ"، يُحِيطُ عِلْمُهُ بِكُلِّ الأَشْيَاءِ، أَيْ يَعْلَمُ كُلِّ شَيْءٍ، فَقَدْ هَيَّأَ بَذْرَتَكِ لِأَدَاءِ كُلَّ الْمَهَامَ الْمُكَلَّفَةِ بِهَا، وَأَنْتِ بِمُرُورِ الْوَقْتِ سَتَسْتَخْدِمِينَ تِلْكَ الْمَعْلُومَاتِ.
- هَلْ كُلُّ الْمَوْجُودَاتِ تَتَعَلَّمُ الْمَعْلُومَاتِ اللَّازِمَةَ لَهَا بِهَذَا الشَّكْلِ؟
- لَا ، اَلْبَعْضُ مِنْهَا يَتَعَلَّمُ بِمُرُورِ الْوَقْتِ، فَعَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ يَتَّسِعُ أُفُقُ الْإِنْسَانِ كُلّما كبر سنه.
- أَلَا يَتَعَلَّمُ الْإِنْسَانُ مِنَ اللَّهِ أَيْضًا؟
- بِالطَّبْعِ هُوَ الَّذِي يُعَلِّمُهُ، لَكِنَّهُ مَنَحَ الْإِنْسَانَ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّعَلم أَيْضًا، فَالْإِنْسَانُ يُوَاصِلُ تَعْلِيمَهُ عَنْ طَرِيقِ الْبَحْثِ وَالْقِرَاءَةِ طَوَالَ عُمُرِهِ، فَحَيَاتُهُمْ لَيْسَتْ مِثْلَنَا.
وَفِي هَذِهِ الْأَثْنَاءِ جَاءَ الْعُصْفُورُ نُغَيْرٌ، فَقَالَتِ الصَّنَوْبَرَةُ الصَّغِيرَةُ:
- أَهْلَا بِكَ يَا أَخِي نُغَيْرًا، لَقَدِ انْتَظَرْتُكَ كَثِيرًا.
بَدَا التَّعَبُ عَلَى الْعُصْفُورِ نُغَيْرِ، جَاءَ بِبُطْءٍ إِلَى جَانِبِ الصَّنَوْبَرَةِ الصَّغِيرَةِ، عِنْدَئِذٍ رَحَلَتِ الْحَشَرَةُ الَّتِي كَانَتْ تَتَحَدَّثُ مَعَ الصَّنَوْبَرَةِ الصَّغِيرَةِ دُونَ أَنْ يُلَاحِظَهَا أَحَدٌ.
أَجَابَ الْعُصْفُورُ نُغَيْرُ:
- أَهْلَا بِكِ يَا أُخْتَاهُ لَقَدْ كُنْتُ أُسَاعِدُ أُتِي، مَعْذِرَةً لِأَنَّنِي تَأَخَّرْتُ عَلَيْكِ، هَلْ مَلِلْتِ؟
- لَا لَمْ أَمَلْ، فَقَدْ كُنتُ أَتَسَامَرُ مَعَ أُخْتِي الْحَشَرَةِ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ يَا أُخْتَاهُ؟
لَمْ تُلاحِظِ الصَّنَوْبَرَةُ الصَّغِيرَةُ رَحِيلَ الْحَشَرَةِ، ابْتَسمَ الْعُصْفُورُ نُغَيْرُ قَائِلًا:
- لَقَدِ اخْتَبَأتِ الْحَشَرَةُ فِي الْأَرْضِ.
تَحَيَّرَتِ الصَّنَوْبَرَةُ الصَّغِيرَةُ قَائِلَةً:
- يَا تُرَى، لِمَاذَا اخْتَبَأَتْ؟
- لَقَدْ خَافَتْ مِنِّي، لِأَنَّ الْحَشَرَاتِ هِيَ إِحْدَى الْأَشْيَاءِ الَّتِي نَتَغَذَّى عَلَيْهَا.
- حَسَنًا، مَنْ عَلَّمَهَا هَذَا؟
- لَقَدْ عَلَّمَهَا خَالِقُهَا كُلَّ شَيْءٍ تَعْلَمُهُ، فَهِيَ تَعْرِفُ وَاجِبَاتِهَا في الْحَيَاةِ.
- إِنَّهَا كَانَتْ تَتَحَدَّثُ مَعِي عَنْ خَالِقِنَا، حَيْثُ قَالَتْ لِي إِنَّ أَحَدَ أَسْمَائِهِ الْعَلِيمُ، أَيْ يُحِيطُ عِلْمُهُ بِكُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ الَّذِي عَلَّمَ الْمَخْلُوقَاتِ وَمَنَحَهَا مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ.
- هَلْ تِلْكَ الْحَشَرَةُ هِيَ الَّتِي حَدَّثَتْكِ عَنْ كُلَّ هَذَا؟
- نَعَمْ.
حَزِنَ الْعُصْفُورُ نُغَيْرُ وَقَالَ:
- لَيْتَهَا لَمْ تَهْرُبْ لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ هَذَا الْكَلَامَ عَنْهَا لَأَخْبَرْتُهَا ، أَنَّنِي لَنْ أوذِيَهَا.
كَانَتِ الْحَشَرَةُ فِي تِلْكَ الْأَثْنَاءِ تَسْمَعُ كَلَامَهُمْ فَقَالَتْ:
- لَا تَحْزَنُ يَا أَخِي العُصْفُورَ، إنَّ عِلْمِي يُحَتمُ عَلَيَّ الْهَرَبَ، فَأَنَا فَعَلْتُ مَا يَتَوَجَّبُ عَلَيَّ، أَتَمَنَّى لَكُمَا مُسَامَرَةً سَعِيدَةٌ.
غَاصَ الْعُصْفُورُ نُغَيْرُ مَعَ الصَّنَوْبَرَةِ الصَّغِيرَةِ فِي الْحَدِيثِ.
قَالَ الْعُصْفُورُ نُغَيْرٌ:
- إِنَّ عِلْمَ اللهِ لَا حَدَّ لَهُ، فَهُوَ عَالِمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ، يَعْلَمُ مَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَرَاهُ وَمَا لَا يُمْكِنُنَا رُؤْيَتَهُ، وَمَا يَدُورُ بِأَنْفُسِنَا، وَمَا يُمْكِنُ أَنْ يَخْطُرَ بِبَالِنَا.
الصَّنَوْبَرَةُ الصَّغِيرَةُ:
- حَقًّا لَقَدْ أَحْيَيْتُهُ كَثِيرًا.
- وَمَعَ مُرُورِ الْوَقْتِ سَتَّحِبينَهُ أَكثر وَأَكْثَرَ، كُلَّمَا عَرَفْتِهِ سَتَفْهَمِينَ الْحَيَاةَ أَكْثَرَ.
كَانَتْ عَيْنَا الْعُصْفُورِ نُغَيْرِ تُغْلَقَانِ مِنَ التَّعَبِ فَقَالَ:
إِنْ شِئْتِ اسْتَرَحْنَا قَلِيلًا، فَظِلُّكِ الصَّغِيرُ جَمِيلٌ جدًّا، سَأَغْفُو نِصْفَ سَاعَةٍ.
- كَمَا تَشَاءُ، أَمَّا أَنَا فَأَشْعُرُ بِالِاسْتِرْخَاءِ، وَمِنَ الْمُمْكِنِ أَيْضًا أَنْ أَنَامَ.
نَامَ الْعُصْفُورُ نُغَيْرُ عَلَى الْفَوْرِ، فَفَكَّرَتِ الصَّنَوْبَرَةُ الصَّغِيرَةُ قَائِلَةً:
- إِنَّ النَّومَ نِعْمَةٌ كَبِيرَةً، فَهَذَا يَكُونُ ضِمْنَ عِلْمِ اللهِ تَعَالَى.
ثُمَّ قَالَتْ بِصَوْتٍ خَافِتٍ:
- يَا رَبِّيَ الَّذِي انْبَهَرْتُ بِعِلْمِهِ! لَقَدْ بِتُ أُحِبُّكَ كَثِيرًا.
ثُمَّ اسْتَغْرَقَتْ في النوم.