أسماء الله الحسنى بشكل جميل على ألسنة الحيوانات قصة اللَّهُمَّ سَلّمْ سَلّمْ !
ما زلنا مع قصص أسماء الله الحسنى وقصة اليوم بعنوان اللَّهُمَّ سَلّمْ سَلّمْ ! وهي قصة مكتوبة بشكل جميل على ألسنة الحيوانات نتمنى أن تنال رضاكم.
أسماء الله الحسنى بشكل جميل على ألسنة الحيوانات قصة اللَّهُمَّ سَلّمْ سَلّمْ !
طَالَ انْتِظَارُ قَاطِنِي التَّلَّةِ الصَّغِيرَةِ لِلْمَطَرِ، هُرِعُوا إِلَى الدُّعَاءِ وَالتَّذَلُّلِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى طَالِبِينَ مِنْهُ الْغَوْثَ وَالنَّجْدَةَ، وَذَاتَ لَيْلَةٍ قُبَيْلَ السَّحَرِ جَادَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ بِوَابِلِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، حَيْثُ رَاحَتِ الْأَرْضُ تَتَهَيَّأُ لِاسْتِعَادَةِ شَبَابِهَا وَحَيَوِيَّتِهَا، وَوَدَّعَ اللَّيْلُ الْأَرْضَ بِكَلِمَاتٍ مَمْزُوجَةٍ بِالسَّعَادَةِ وَالْبَهْجَةِ، وَأَقْبَلَ الْفَجْرُ يُسَلِّمُ عَلَى الْأَرْضِ وَيَشْكُرُ اللَّهَ عَلَى نِعْمَتِهِ.
عَلَتْ أَصْوَاتُ الضَّفَادِعِ، حَيْثُ كَانَتْ تُنْشِدُ الْأَنَاشِيدَ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَعَمَّتِ التَّلَّةَ الصَّغِيرَةَ الْفَرْحَةُ، وَكَأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ.
نَظَرَتِ الصَّنَوْبَرَةُ الصَّغِيرَةُ إِلَى زَهْرَةِ الزَّعْفَرَانِ الصَّفْرَاءِ، فَوَجَدَتْهَا نَائِمَةً، وَكَانَ صَوْتُ تَسَاقُطِ قَطَرَاتِ الْمَطَرِ يُدَغْدِغُهَا فَلَا تَسْتَطِيعُ النُّهُوضَ.
أَمَّا أَنْهَارُ الرَّبِيعِ فَكَانَتْ تَنَامُ نَوْمًا هَادِئًا، وَبَدَأَتْ بَاقِي الصَّنَوْبَرَاتِ الصَّغِيرَاتِ يُشَاهِدْنَ الطَّبِيعَةَ الْخَلَّابَةَ وَيَسْتَمِعْنَ إِلَى الْأَنَاشِيدِ الَّتِي تُغَنَّى عَلَى شَاطِئِ الْبُحَيْرَةِ بِشَكْلٍ جَمَاعِيِّ وَرَاحَ صَوْتُ الْأَنَاشِيدِ يَرْتَفِعُ شَيْئًا فَشَيْئًا.
أَمَّا النَّمْلُ فَقَدْ أَغْلَقَ بَابَ مَسْكَنِهِ، وَلَكِنَّ النَّمْلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَقِيَتَا خَارِجَ الْمَسْكَنِ كَانَتَا تُصَارِعَانِ الْغَرَقَ فِي الْجَدَاوِلِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي سَبَّبَتْهَا الْأَمْطَارُ، رَأَتْهُمَا الصَّنَوْبَرَةُ الصَّغِيرَةُ وَشَعَرَتْ بِالْخَطَرِ الَّذِي وَقَعَتَا فِيهِ، فَمَدَّتْ لَهُمَا أَحَدَ فُرُوعِهَا قَائِلَةً:
- هَيَّا اصْعَدَا بِسُرْعَةٍ.
اسْتَطَاعَتِ النَّمْلَتَانِ أَنْ تَصْعَدَا بِصُعُوبَةٍ، وَدَخَلَتَا فِي مَأْمَنٍ، فَقَالَتَا:
- شُكْرًا جَزِيلًا، جَزَاكِ اللَّهُ خَيْرًا.
فَرَدَّتِ الصَّنَوْبَرَةُ الصَّغِيرَةُ عَلَيْهِمَا:
- الشُّكْرُ لِلَّهِ وَحْدَهُ.
فَتَدَخَلَتْ زَهْرَةُ الزَّعْفَرَانِ الصَّفْرَاءُ قَائِلَةً:
- أَلَا تَضُرُّ هَذِهِ الْأَمْطَارُ بِمَسْكَنِكُمْ؟
فَأَجَابَتِ الْكُبْرَى مِنْهُمَا:
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ، إِنَّ بُيُوتَنَا مُتَعَرِجَةٌ مُلْتَوِيَةٌ تَحْمِينَا مِنْ مِيَاهِ الْأَمْطَارِ.
الصَّنَوْبَرَةُ الصَّغِيرَةُ:
- وَلِمَاذَا أَنْتُمَا خَارِجَ الْمَسْكَنِ؟ أَلَمْ تَعْلَمَا أَنَّ الْمَطَرَ سَيَنْزِلُ؟
فَأَجَابَتِ النَّمْلَةُ:
- بِالطَّبْعِ كُنَّا نَعْلَمُ، فَنَحْنُ مَعْشَرَ النَّمْلِ، نَعْلَمُ التَّغَيُّرَاتِ الْبِيئِيَّةَ قَبْلَ بَاقِي الْمَخْلُوقَاتِ ِإِذْنِ اللهِ، وَلَكِن كُنَّا نَقُومُ بِنَوْبَتِنَا اللَّيْلِيَّةِ، وَلَمْ تُلاحِظُ عَوْدَةً أَصْحَابِنَا إِلَى بُيُوتِهِمْ.
الصَّنَوْبَرَةُ الصَّغِيرَةُ:
- لَا عَلَيْكُمَا حَمْدًا لِلَّهِ عَلَى سَلَامَتِكُمَا، وَلَكِنْ رَغْمَ كُلِّ شَيْءٍ فَالْمَطَرُ جَمِيلٌ أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟
أَجَابَتا :
- بِالطبع، فَالْمَطَرُ هُوَ الْحَيَاةُ وَالْغذَاءُ وَالْبَرَكَةُ وَالرَّحْمَةُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى.
كَانَتِ النَّمْلَةُ الصَّغِيرَةُ مَا زَالَتْ تَرْتَعِشُ، وَقَالَتْ:
- لَقَدْ خِفْتُ كَثِيرًا ، كِدْنَا نَذْهَبُ مَعَ السَّيْلِ، فَلَوْ لَمْ يُسَاعِدْنَا رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمِتْنَا غَرَقًا.
قَالَتْ أُخْتُهَا:
- لَا دَاعِيَ لِلْخَوْفِ، نَحْنُ أَخْطَأْنَا لِعَدَمِ تَقَيَّدِنَا بِوَقْتِ الْعَوْدَةِ، وَلَو التزمنا بالْوَقْتِ مَا أَصَابَنَا مَكْرُوة.
النَّمْلَةُ الصَّغِيرَةُ:
- أَنْتِ مُحِقَّةٌ، وَلَكِنِّي أَخَافُ، فَكَيْفَ لَنَا أَنْ نَتَصَدَّى لِهَذَا السَّيْلِ الشَّدِيدِ بِأَجْسَامِنَا الضَّعِيفَةِ هَذِهِ؟
وَبَعْدَ مُدَّةٍ مِنَ الْوَقْتِ تَوَقَّفَ هُطُولُ الْأَمْطَارِ، فَاسْتَأْذَنَتِ النَّمْلَتَانِ مِنَ الصَّنَوْبَرَةِ الصَّغِيرَةِ فِي الرُّجُوعِ، فَقَالَتْ لَهُمَا الصَّنَوْبَرَةُ الصَّغِيرَةُ:
- مِنَ الْأَفْضَل أَنْ تَنظرًا قَلِيلا لأَنَّ الْمِيَاهَ لَا تَزَالُ تَعْلُو سَطحَ الْمَسْكَنِ، وَمَا زَالَ الْخَطَرُ قَائِمًا.
فَقَالَتِ الْكُبْرَى مِنْهُمَا:
- سَنَجِدُ حَلَّا بِإِذْنِ اللهِ، فَالنَّمْلُ فِي الْمَسْكَنِ قَلِقٌ عَلَيْنَا وَلَا بُدَّ أَنْ نَعُودَ فِي أَسْرَعَ وَقْتِ مُمْكِن.
فَقَالَتِ الصَّغِيرَةُ:
- أَنَا خَائِفَةٌ.
فَقَالَتِ الْكُبْرَى مُشَجِعَةً:
- لَا دَاعِيَ لِلْخَوْفِ يَـا صَغِيرَتِي، خُضْتُ مَوَاقِفَ أَصْعَبَ مِنْ هَذِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَتَعَوَّدَ عَلَى صُعُوبَاتِ الْحَيَاةِ.
وَافَقَتِ النَّمْلَةُ الصَّغِيرَةُ عَلَى كُرهِ، وَنَزَلَتَا بَطْءٍ إِلَى الْأَرْضِ، وَكَانَتِ الْأَرْضُ وَحِلَةً لَزِجَةً، وَقَدْ بَدَأَتِ النَّمْلَةُ الصَّغِيرَةُ تَرْتَعِشُ مَرَّةً أُخْرَى، وَسَارَتَا مَعًا بِحَذَرٍ وَعَبَرَنَا أَوَّلَ جَدْوَلٍ بِسُهُولَةٍ، لَكِنَّ الْجَدْوَلَ الثَّانِيَ كَانَ وَاسِعًا بِالنِّسْبَةِ لِحَجْمَيْهِمَا.
وَقَفَتَا عِنْدَ الْحَافَّةِ تَبْحَثَانِ عَنْ مَكَانٍ ضَيِّقٍ لِلْعُبُورِ .
قَالَتِ النَّمْلَةُ الْكَبِيرَةُ:
- عَلَيْنَا أَنْ نَجِدَ غُصْنًا صَغِيرًا.
وَلَمَّا وَجَدَتَا الْغُصْنَ الصَّغِيرَ ، قَامَتَا بِمَدِّهِ إِلَى الطَّرَفِ الْمُقَابِلِ، فَأَقَامَتَا جِسْرًا بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ، وَقَالَتِ النَّمْلَةُ الْكَبِيرَةُ:
- اَلْحَمْدُ لِلَّهِ لَقَدْ أَنْهَيْنَا الْعَمَلَ بِسَلَامٍ، أَنْتِ سَتَعْبُرِينَ أَوَّلًا وَأَنَا خَلْفَكِ.
الصَّغِيرَةُ:
- وَلَكِنْ ...!
الْكُبْرَى:
- لا دَاعِيَ لِلْخَوْفِ يَا صَغِيرَتِي، لَوْ عَبَرْتُ أَنَا أَوْلًا سَتَثبط شَجَاعَتُكِ، وَلَنْ تَسْتَطِيعِي اللَّحَاقَ بِي، هَيَّا اعْبُرِي بِسُرْعَةٍ، سَتُمْطِرُ السَّمَاءُ بَعْدَ قَلِيل.
بَدَأَتِ النَّمْلَةُ الصَّغِيرَةُ تَعْبُرُ فَوْقَ الْغُصْن وَقَلْبُها يرْتَجِفُ خَوْفًا.
فَقَالَتِ النَّمْلَةُ الْكَبِيرَةُ:
- أَنْظُرِي أَمَامَكِ يَا صَغِيرَتِي، وَإِيَّاكِ أَنْ تَنْظُرِي إِلَى الْمَاءِ، بَقِيَ الْقَلِيلُ، هَيَّا تَشَجْعِي أَكْثَرَ.
لَمْ تَسْتَطِعِ النَّمْلَةُ الصَّغِيرَةُ التَّقَدُّمَ، فَتَسَمَّرَتْ مَكَانَهَا، وَرَأَتِ الْمَاءَ تَحْتَهَا فَبَدَأَ رَأْسُهَا يَدُورُ.
النَّمْلَةُ الْكَبِيرَةُ:
- أُخْتَاهُ، أَرْجُوكِ اسْتَجْمِعِي شَجَاعَتَكِ، وَلَا تَنْسَيْ أَنَّ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى "السَّلَامَ، إِنَّهُ تَعَالَى سَيَحْمِيكِ وَيَحْفَظُكِ، إِنْ تَضَرَّعْتِ إِلَيْهِ بِإِخْلَاصِ سَيُنْجِيكِ وَيُوَصِّلُكِ إِلَى شَاطِئِ السَّلَامَةِ.
كَانَتِ النَّمْلَةُ الصَّغِيرَةُ تَسْمَعُ صَوْتَ أُخْتِهَا الْكَبِيرَةِ بِصُعُوبَةٍ.
حَاوَلَتْ أَنْ تَسْتَجْمِعَ قُوَاهَا، فَعَلَيْهَا أَنْ تَتضَرعَ إِلَى اللَّهِ وَتَبْذُلَ جهدًا أكثر.
سَمِعَتِ النَّمْلَةُ الصَّغِيرَةُ آخِرَ جُمْلَةٍ قَالَتْهَا أُخْتُهَا الْكَبِيرَةُ وَهِيَ تَقُولُ: "إِنَّ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى السَّلَامَ وَهُوَ سَيُنْجِيكِ وَيُوَصِلُكِ إِلَى شَاطِئِ السَّلَامَة فَقَالَتْ:
- بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .
ثُمَّ تَقَدَّمَتْ بِكُل مَا أُوتِيَتْ مِنْ قُوَّةٍ، فَاسْتَطَاعَتْ أَنْ تَصِلَ إلَى الْجِهَةِ الْمُقَابِلَةِ بِسُرْعَةٍ، لَقَدْ نَجَّاهَا اللهُ تَعَالَى وَحَقَّقَ لَهَا السَّلَامَةَ، فَقَالَتْ بِفَرَحٍ:
- اَللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ.
ثُمَّ أَخَذَتْ تَدْعُو لِأُخْتِهَا الْكَبِيرَةِ:
- اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، سَلَّمْ أُخْتِي وَأَوْصِلْهَا بِسَلَامٍ، فَسُبْحَانَكَ تَحْفَظُ وَتَحْمِي كُلَّ شَيْءٍ.
فَرِحَتِ النَّمْلَةُ الْكَبِيرَةُ كَثِيرًا لَمَّا عَبَرَتْ أُخْتُهَا الصَّغِيرَةُ بِسَلَامٍ.
وَالْآنَ حَانَ دَوْرُهَا.
فَقَالَتِ النَّمْلَةُ الكَبيرة:
- بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ثُمَّ خَطَتْ أَوَّلَ خُطْوَةٍ عَلَى الْغُصْنِ الصَّغِيرِ فَانْثَنَى الْغُصْنُ قَلِيلًا.
فَنَادَتِ النَّمْلَةَ الصَّغِيرَةَ:
- صَغِيرَتِي، اِصْعَدِي بِسُرْعَةٍ عَلَى طَرَفِ الْغُصْنِ، وَاضْغَطِي بِقُوَّةٍ عَلَى طَرَفِهِ!
فَعَلتِ النَّمْلَةُ الصَّغِيرَةُ مَا قِيلَ لَهَا، وَبَدَأَتْ أُخْتُهَا الْكَبِيرَةُ فِي التَّقَدُّمِ.
وَلَمَّا وَصَلَتْ إِلَى مُنْتَصَفِ الْغُصْنِ كُسِرَ الْغُصْنُ وَانْقَسَمَ إِلَى نِصْفَيْنِ، أَمْسَكَتِ النَّمْلَةُ جَيْدًا بِالطَّرَفِ الَّذِي تُمْسِكُ بِهِ أُخْتُهَا، بَعْدَ أَنْ غَمَرَ الْمَاءُ مُعْظَمَ جِسْمِهَا، وَصَاحَتْ بِأُخْتِهَا:
- إِيَّاكِ أَنْ تَتْرُكِي الْغُصْنَ مَهْمَا حَدَثَ، إِيَّاكِ أَنْ تَتْرُكِيهِ!
كَانَتِ الْمِيَاهُ تَتَدَفَّقُ بِسُرْعَةٍ وَتَسْحَبُ الْغُصْنَ بِقُوَّةٍ، وَكَانَتِ النَّمْلَةُ الصَّغِيرَةُ لَا تُرِيدُ أَن تَتْرُكَ الْغُصْنَ، فَأَمْسَكَتِ الْغُصْنَ بِكُلِّ قُوَّتِهَا، لَكِنَّ قُوَّتَهَا بَدَأَتْ تَضْعُفُ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَأَخَذَتْ تَبْكِي وَتَقُولُ:
- أُخْتِي، أُخْتِيَ الْعَزِيزَةَ !
فَقَالَتِ النَّمْلَةُ الْكَبِيرَةُ:
لَا تَقْلَقِي يَا صَغِيرَةُ، فَقَطْ لَا تَتْرُكِي الْغُصْنَ مَهْمَا حَدَثَ، اتَّفَقْنَا؟
أَحَسَّتْ النَّمْلَةُ الْكَبِيرَةُ أَنَّهَا فِي خَطَرٍ، فَإِلَى مَتَى سَيُقَاوِمُ هَذَا الْجِسْمُ الصَّغِيرُ قُوَّةَ تَيَّارِ الْمِيَاهِ الشَّدِيدِ؟
وَلَكِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ أَمَلُهَا بِاللَّهِ وَلَمْ تَقْنَطُ مِنْ رَحْمَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا، وَلَكِنْ عَلَيْهَا أَنْ تَكُونَ صَبُورَةً وَلَا تَفْقِدَ ثَبَاتَهَا، أَلَيْسَ مِنْ أَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ السَّلَامُ؟!
وَمِنْ مَعَانِي هَذَا الِاسْمِ الْمُنْجِي مِنْ كُلِّ الْمَهَالِكِ، وَالْأَمَانُ الَّذِي يُسَلِّمُ عِبَادَهُ وَيَحْمِيهِمْ... فَقَدْ قَالَتْ هَذَا الْكَلَامَ لِأُخْتِهَا الصَّغِيرَةِ مُنْذُ قَلِيل فَمَنَحَتْهَا الشَّجَاعَةَ وَالثَّبَاتَ.
وَفِي تِلْكَ الْأَثْنَاءِ خَرَجَتْ مِنَ الْمَسْكَن نَمْلَةٌ أُخْرَى لِلاسْتِكْشَافِ فَرَأَتِ الْمَوْقِفَ، فَرَجَعَتْ عَلَى الْفَوْرِ وَأَخْبَرَتْ بَاقِيَ النَّمْلِ.
وَبَعْدَ قَلِيلِ هُرِعَ كُلُّ النَّمْلِ إِلَى مَكَانِ الْحَادِثِ، وَقَامُوا بِعَمَلِ سِلْسِلَةٍ وَحَاوَلُوا شَدَّ الْغُصْنِ وَلَكِنَّهُمْ عَجَزُوا، فَلَمْ يَبْقَ بِوُسْعِهِمْ أَيُّ شَيْءٍ.
فَقَالَتِ النَّمْلَةُ الْكَبِيرَةُ:
سامِحُونِي يَا أَصْدِقَاءُ، إِنَّ الْمَوْتَ حَقِيقَةٌ كَالْحَيَاةِ، سَيُدْخِلْنِي اللهُ تَعَالَى الْجَنَّةَ إِنْ شَاءَ اللهُ بِرَحْمَتِهِ، إِنَّهُ السَّلَامُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، الْمُهِمُّ أَنْ نَمُوتَ مُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
وَبَعْدَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ نَطَقَتِ النَّمْلَةُ الشَّهَادَتَيْنِ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ تَرَكَتْ نَفْسَهَا، حَيْثُ لَمْ يَعُدْ لَدَيْهَا الْقُدْرَةُ عَلَى التَّحَمُلِ أكْثَرَ مِنْ هَذَا.
فَتَحَوَّلَ أَمَلُ النَّمْلِ إِلَى بُكَاءِ، فَكَانُوا جَمِيعًا يَبْكُونَ فِي صُورَةٍ جَمَاعِيَّةٍ مُتَقَاسِمِينَ الْحُزْنَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَلِكِبَرِ سِنِّ النَّمْلَةِ الْأُمّ فَقَدْ جَاءَتْ مُتَأَخِـرَةً قَلِيلًا عَنْ بَاقِي النَّمْلِ، وَلَمَّا سَمِعَتْ بِغَرَقِ ابْنَتِهَا فِي الْمَاءِ خَارَتْ قُوَاهَا وَسَقَطَتْ عَلَى الْأَرْضِ، فَتَجَمَّعَ كُلُّ النَّمْلِ حَوْلَهَا، فَالْأُمُّ فَقَدَتْ وَعْيَهَا مِنْ شِدَّةِ الْبُكَاءِ عَلَيْهَا، وَعَلَتِ الْأَصْوَاتُ بِالْبُكَاءِ وَالصُّرَاحَ وَالْعَوِيلِ... لَمْ تَفْقِدِ النَّمْلَةُ الْعَجُوزُ صَوَابَهَا، وَرَشَّتْ بَعْضَ الْمَاءِ عَلَى وَجْهِ الْأُمِّ، فَاسْتَرَدَّتْ وَعْيَهَا.
كَانَتْ مَشَاعِرُ النَّمْلَةِ الصَّغِيرَةِ مُخْتَلِطَةً، حَيْثُ كَانَتْ تَعِيشُ الْفَرْحَةَ وَالْحُزْنَ مَعَا فِي آنٍ وَاحِدٍ، فَقَدْ نَجَتْ بنَفْسِهَا وَلَكِنَّ أُخْتَهَا جَرَفَتْهَا الْمِيَاهُ وَذَهَبَتْ.
وَلَمْ تُفَارِقْ عَيْنَا النَّمْلَةِ الصَّغِيرَةِ الْجَدْوَلَ، لَيْتَهَا كَانَتْ تَحْلُمُ وَعِنْدَ اسْتِيقَاظِهَا تَجِدُ أُخْتَهَا مَعَهَا مَرَّةً أُخْرَى، وَلَكِنَّ إِرَادَةَ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَضَتْ أَنْ يَكُونَ الْحَدَثُ حَقِيقَةٌ وَلَيْسَ حُلْمًا، وَبِالْفِعْل غَرقَتْ أُخْتهَا الْحَبيبَةُ فِي الْمِيَاه وَذَهَبَتْ.
وَذَهَبَتِ النَّمْلَةُ الصَّغِيرَةُ إِلَى النَّمْلَةِ الْأُمِّ وَاحْتَضَنَتْهَا قَائِلَةً:
- أُمِّيَ الْحَبِيبَةَ!
لَمْ تَفْقِدِ الْأُمُّ الْأَمَلَ قَطُّ رَغْمَ حُزْنِهَا وَغَمِّهَا، وَكَأَنَّ بِدَاخِلِهَا صَوْتًا يَقُولُ: إِنَّ ابْنَتِي سَتَعُودُ بِإِذْنِ اللَّهِ... فَقَبْلَتِ ابْنَتَهَا الصَّغِيرَةَ مُوَاسِيَةً لَهَا.
كَوَّنَ النَّمْلُ حَلْقَةً حَوْلَ النَّمْلَةِ الصَّغِيرَةِ وَالنَّمْلَةِ الْأُمّ، وَأَخَذُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمَا بِحُزْنٍ وَأَسَى؛ فَتَكَوَّنَتْ لَوْحَةٌ رَائِعَةٌ لِعَائِلَةٍ تَتَقَاسَمُ الْأَحْزَانَ وَالْآلَامَ حَيْثُ كَانُوا مِثَالًا رَائِعًا لِلتَّكَافُلِ وَالِاتِّحَادِ.
فَاحْتَضَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثُمَّ عَادُوا لِلْبُكَاءِ ثَانِيَةً، وَأَجْهَشُوا بالبكاء...
- سَاعِدُونَا سَاعِدُونَا !
سَاعِدُونَا!..
فَاتَّجَهَتْ جَمِيعُ الْأَنْظَارِ نَحْوَ النَّاحِيَةِ الَّتِي أَتَى مِنْهَا الصَّوْتُ، وَكَانَ الصَّوْتُ لِلضّفْدَع وَضَّاح.
كَانَ الضَّفْدَعُ وَضَاحٌ يَقْتَرِبُ مِنْهُمْ حَامِلًا عَلَى ظَهْرِهِ النَّمْلَةَ الْكَبِيرَةَ.
وَفِي تِلْكَ الْأَثْنَاءِ صَفْقَ النَّمْلُ طَوِيلًا لِلضّفْدَع وَصَّاحٍ، وَتَعَانَقَ كُلُّ النَّمْلِ بِفَرَحٍ وَسَعَادَةٍ وَأَخَذَ الْجَمِيعُ يُقَتِلُ النَّمْلَةَ الْكَبِيرَةَ وَالضّفْدَعَ وَضَاحًا، وَدَلَّ الْمَوقِفُ عَلَى أَنَّ السَّعَادَةَ تَكُونُ أَجْمَلَ بِمُشَارَكَةِ الْآخَرِينَ.
سَأَلَتِ النَّمْلَةُ الْأُمُّ الضَّفْدَعَ:
- كَيْفَ وَجَدْتَهَا؟
وَكَيْفَ حَدَثَ هَذَا؟
ابْتَسمَ الضّفْدَعُ وَقَالَ:
- أَخْبَرَتْنِي الصَّنَوْبَرَةُ الصَّغِيرَةُ، فَقَدْ كُنْتُ ذَاهِبًا إِلَى النُّزْهَةِ، وَعِنْدَمَا مَرَرْتُ عَلَيْهَا سَلَّمْتُ فَأَخْبَرَتْنِي بِمَا حَدَثَ، فَقَدْ كَانَتْ تُتَابِعُ الْمَوْقِفَ بِقَلَقٍ شَدِيدٍ، فَذَهَبْتُ وَأَخْرَجْتُ النَّمْلَةَ مِنَ الْمَاءِ.
كَانَتِ النَّمْلَةُ الْكَبِيرَةُ سَعِيدَةً جِدًّا، وَقَالَتْ:
- جَزَاكَ اللهُ خَيْرًا يَا أَخِي وَضَّاحُ، فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ أَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، كُنْتُ أَشْعُرُ أَنَّهُ سَيَكْشِفُ عَنِّي غَمِّي وَيُفَرِجُ هَمِّي فَسُبْحَانَ مَنِ اسْمُهُ السَّلَامُ.
كَانَتِ النَّمْلَةُ الصَّغِيرَةُ سَعِيدَةً أَيْضًا، فَسَأَلَتْ:
- هَلِ اسْمُ اللهِ تَعَالَى السَّلَامُ لَهُ عَلَاقَةٌ بِالسَّلَامِ الَّذِي نُلْقِيهِ عَلَى بَعْضِنَا الْبَعْضِ؟
أَجَابَتِ النَّمْلَةُ الأم:
- بِالطَّبْعِ يَا صَغِيرَةُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَضَعَهُ فِي الْأَرْضِ، فَأَفْشُوهُ (أَي انْشُرُوهُ) بَيْنَكُمْ، فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا سَلَّمَ عَلَى الْقَوْمِ فَرَدُّوا عَلَيْهِ كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ فَضْلُ دَرَجَةٍ لِأَنَّهُ ذَكَّرَهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَرُدُّوا عَلَيْهِ رَدَّ عَلَيْهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُمْ وَأَطْيَبُ وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ الْكِرَامُ".
ثُمَّ بَدَأَتِ النَّمْلَةُ الْأُمُّ فِي الدُّعَاءِ:
- اَللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ، يَا إِلَهِي يَا مَنْ تَحْفَظُ خَلْقَكَ مِنَ الْمَهَالِكِ، أَحْمَدُكَ حَمْدًا كَثِيرًا، فَكُلُّ اسْمٍ تَعَلَّمْنَاهُ مِنْ أَسْمَائِكَ الْحُسْنَى يُقَرِّبُنَا إِلَيْكَ أَكْثَرَ، وَيُوَثقُ صِلَتَنَا بِكَ، وَكُلَّمَا عَرَفْنَاكَ أَحْبَبَناكَ أَكْثَرَ، رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ.
فَقَالَ الْجَمِيعُ:
- آمين.
تَابَعَتِ النَّمْلَةُ الْأُمُّ الدُّعَاءَ قَائِلَةً:
- اَللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلّ إِثْمِ وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرِّ وَالْفَوْز بِالْجَنَّةِ وَالنَّجَاةَ بِعَوْنِكَ مِنَ النَّارِ...
وَتَعَالَتْ أَصْوَاتُ الْقَاطِنِينَ فَوْقَ التَّلَّةِ الصَّغِيرَةِ قَائِلِينَ:
- اَللَّهُمَّ سَلّمْ سَلَّمْ!
يَا سَلَامُ سَلَّمْ سَلَّمْ!
تعليقات
إرسال تعليق